الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

"المغرب الذي كان": الفرنسيون يقصفون الدار البيضاء، وبداية نهاية المغرب القديم (29/ الأخيرة)

"المغرب الذي كان": الفرنسيون يقصفون الدار البيضاء، وبداية نهاية المغرب القديم (29/ الأخيرة) هشام بنعمر بالله مع مشهد من تداعيات قصف الدارالبيضاء (أرشيف)

تواصل جريدة "أنفاس بريس" نشر ما تبقى من حلقات بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و 1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب والصحافي البريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية والفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الأوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء وموظفو المخزن الشريف، وشيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة إلى اللصوص وقطاع الطرق، وعموم الناس...)

الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد".

نشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية بـ (المغرب الذي كان)، عن دار النشر William Blackwood And Son  بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon   سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot  تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها ومناقشتها.

 

خلال السنة الماضية، في سنة 1907م، أقدم الفرنسيون على قصف الدار البيضاء بعد مقتل عدد من العمال الأوروبيين من طرف الأهالي.

 

عمال إيطاليون وفرنسيون يعملون في نقل الأحجار لبناء الميناء. كانت السكة الحديدية الصغيرة المستخدمة في هذه العملية تعبر أو تمرُّ بالقرب من مقبرة إسلامية.

 

معتقدات الأهالي والحماسة الدينية لدى بعض المحرِّضين أثارت الغضب، حيث قام المغاربة بالهجوم على القطار، تعرض العمال العائدون من العمل (للقتل). وصل (طراد حربي) وتم إنزال فرقة عسكرية لتأمين و حماية الجالية الأوروبية المقيمة في المدينة.

 

قصفت الحصون والأحياء، تلتها مشاهد من الارتباك الأكثر وحشية، لأن المدينة لم تكن فقط تحت نيران مدفع الطَّراد لكنها كانت أيضاً تحت رحمة القبائل التي استغلت الذعر لتنفيذ عمليات الغزو، والنهب في الساحة.

 

تم ارتكاب جميع أنواع الفظائع والأعمال الوحشية، حيث كانت الدار البيضاء عرضت للنهب والسرقة والقتل. كانت القوات الأوروبية كافية لحماية القنصليات، والغالبية العظمى من الجالية المسيحية نجت من موت محقق.

 

عندما استتب الأمن بدت المدينة في صورة يرثى لها.

رأيتها بعد أيام عدة من القصف، كان مشهداً لا يوصف. مزيج من الناس والخيول الميتة، في نفس الوقت حطمت، وألقيت إلى الشارع محتويات بعض البُيوت الخاصة.

 

كانت عمليات النهب شاملة، أكوام من الأقمشة، وصناديق الإمدادات، ومختلف أنواع البضائع المهملة في الشارع. أحرقت الكثير من الدور ونهبت محتوياتها.

 

خرج الكثير من المغاربة واليهود من الأقبية المظلمة التي اختبأوا فيها منذ اليوم الأول للقصف. وجوه حزينة وجلة. الكثير مصابٌ. كان من الضروري إخراجهم من تحت الأنقاض، وفوقها كان الرجال والخيول تتراكض وتقاتل. كانت الدماء في كل مكان. في أفقر الأحياء تم إحراق أغلب الدور المغطاة بالقش.

 

قصف الدار البيضاء، وأيام الذعر تتطلب تنظيم حملة (عسكرية) لتنظيف الضواحي من القبائل الثائرة التي اقتحمتها، والتي تتحيَّنُ الفرصة المواتية للقتل والنهب والاغتصاب.

 

تلك كانت بداية الاحتلال الفرنسي الذي أشَّر على نهاية قرون من القسوة والفساد وسوء المعاملة.

 

(انتهى)