الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

على هامش إعلان تمارة "إمارة" داعشية.. البيجيدي تسقط قطاع "الأممية الإخوانية"

على هامش إعلان تمارة "إمارة" داعشية.. البيجيدي تسقط قطاع "الأممية الإخوانية" من الأعلى يوسف الضريس عامل عمالة تمارة الصخيرات (يسارا) وموح الرجدالي رئيس الجماعة، وفي الأسفل صور وأسماء الداعشيين التي أطلقت على أزقة وشوارع بتمارة

بعد قرار المجلس الجماعي لتمارة إطلاق أسماء رموز "داعشية" بدول عربية على العديد من شوارع المدينة تمارة، وما أثاره الموضوع من جدل واسع وسط الرأي العام بمدينة تمارة، نعيد نشر مقال سابق، نشرناه في 11 شتنبر 2016، كنا قد حذرنا فيه من خطر امتداد "السرطان" الإخواني برعاية من البيجيدي الذي لا يخفي ولاءه لتنظيم الإخوان المسلمين ولكل الجماعات الدينية المتطرفة.

 

في شتنبر 2006، أي قبل 10 سنوات من الآن، اعتَبرَنا يوسف القرضاوي، رئيس ما يسمى بـ «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، نحن المغاربة مجرد جالية مسلمة في بلادهم المغرب، لا لشيء سوى لأن المغاربة اختاروا، منذ قرون، أن يتصدوا لكل من يروج لأي مذهب دخيل يهدد الوحدة المذهبية للمغاربة (المذهب المالكي). غير أن الغريب في الأمر أن «علماء» البيجيدي جعلوا «فقيههم» القرضاوي في كفة، وكل علماء المغرب في كفة أخرى. إذ لم يشفع للمجلس العلمي أن يضم خيرة العلماء، ولا شفع له أنه يدافع عن قرون من الاعتدال والوحدة المذهبية، ولم يشفع له شيء آخر، لأنه تجرأ ورد على القرضاوي الذي نصبوه وليا على الجميع، لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، ولا من أمامه. وهذا يؤكد شيئا واحدا، وهو أن علماء «البيجيدي» -حتى وإن أظهروا العكس- يعملون من أجل الانقلاب على الوحدة المذهبية للمغاربة والتمرد على قرون من التدين المغربي، والغاية -طبعا- هي خدمة «الأممية الإخوانية» التي يدينون لها بالولاء غير المشروط مادامت «دولة الخلافة» هي الفردوس المفقود.. كما يؤكد أن ولاءهم الإخواني أكبر من الولاء للوطن، وأكبر من ولائهم لإمارة المؤمنين التي يتظاهرون أنهم في خدمتها، ويعملون من أجل استمراريتها.

 

ويذهب أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، إلى أن تنامي استيراد بعض المذاهب يرجع إلى تلك المطبوعات التي توزع بالمجان، وكذا عن طريق بعض الأساتذة الذين تم تكوينهم في البلدان المتمسكة بتوجه تصدير المذهب؟ أما تفادي سلبيات هذه الظاهرة، فلن يتم -يقول الخمليشي- إلا "بالتكوين المعرفي الصحيح، أي تكوين الباحث الذي لا يكون أسيرا لما قيل له هنا أو هناك".

 

ولكن ما العمل أمام الآلة التي نتنج «مذهبها» في الجامعة المغربية، وفي كليات الشريعة وشعب الدراسات الإسلامية على وجه الخصوص، إذا كان الفكر المغربي المالكي يتطلع إلى صياغة مشروع إصلاح الشأن الديني مع وقوع حوادث التطرف السلوكي الديني في المغرب وخارجه؟ ما العمل الآن والمغاربة أصبحوا، الآن، محسوبين على منتوج مصانع الإرهاب العالمية؟

 

لقد دخل المذهب المالكي -يقول أحمد التوفيق (وزير الأوقاف)- عبر قرون في كيان الدولة كمرجع وآلية لقيام إمارة المؤمنين بواجبها في حماية الملة والدين، كما استعمل الفقهاء روح المذهب ومنطقه لإدماج عدد من العادات الثقافية المحلية، وكان المذهب عنوان وحدة الأمة بالعمل به في المساجد والمحاكم على السواء. وكان مناضلوه يحملون هم هذه الوحدة، وهكذا لم تأت مكانة الفقهاء المالكية في الدولة المرابطية بالصدفة، وإنما تأتت بتراكم سلطتهم في القرنين السابقين، وبنفس الرصيد الراسخ، يمكن تفسير عودتهم إلى المرجعية في الفقه والشورى في العهد المريني. ثم إن المغاربة خدموا المذهب المالكي بتأطير العبادة بالإرشاد بأحكامه، وبالتصنيف في قواعده الكلية، وبشرح فروعه لغايات عملية، وكان لهم فيه التجديد دون تجاهل رصيد التقليد. وعلى هذه الفلسفة، بنوا عملهم الميداني عبر فقه النوازل مع إعطاء العرف والعمل أهمية في حل مشاكل تهم الصناع والعمال والشركاء الفلاحيين وحقوق النساء والانخراط في الشورى لإمارة المؤمنين، وكلها مظاهر جعلت المذهب الفقهي المالكي هوية وطنية داخل كيان الأمة الكبرى.

 

ويستنتج التوفيق (الدرس الرمضاني 2012) أن آفاق النموذج المغربي في علاقة الدين بالسياسة تقوم على التوازي بين المؤسسات السياسية والثوابت الدينية، وعلى حماية الثوابت الدينية بالدستور، وترجمة هذه المعادلة تكون بالمقولة التالية: "التزام الدولة ممثلة في إمارة المؤمنين بحماية الملة والدين، كما جرى به العمل على امتداد التاريخ، وفي مقابل ذلك التزام الفاعلين السياسيين والجمعويين بجميع أطيافهم ومواقعهم، مدبرين ومؤطرين، التزامهم بالحياد إزاء الدين، وتفسير مقتضى الدستور بعدم تأسيس الهيئات على أساس الدين من هذا المنظور. وتبقى المهمة الاساسية في مواكبة هذه السيرورة التاريخية هي مهمة العلماء، في شرح الثوابت شرحا دينيا سياسيا واضحا، في ضوء الأثر والتاريخ والمقاصد ومقتضى التنزيل على حال عصرنا".

 

ويرى أحمد العبادي، رئيس الرابطة المحمدية للعلماء، ردا على دعاوى التطرف المذهبي، أن "مقصد العقل يقتضي المناهج والبرامج والنظر في الوسائط والحوامل وفي تدريب المشرفين على الهيئات التدريسية وبلورة مناراتهم وبناء قدراتهم، والتكامل بين هذه المدارك التي سوف يتم توثيقها من خلال مختلف المداخل، كيف يمكن أن نقيس هذا، في استذكار لكون ديوان التربية عند البغدادي قد حرّم كل علوم الإنسانيات ـحرمها تحريماـ كيف يمكن أن نضبط السياق إذا لم ندخل من أبواب الإحصاء والأنثربولوجيا وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد غير ذلك من العلوم، علما بأن علوم النص لا بد من امتلاكها ولا بد من التجسير بين هذين الجانبين من جوانب العلوم".

 

ومن هنا يتضح أن تجنب إقامة إمارة أصولية بالمغرب يقتضي أولا، وهذا ما قاله الملك في خطاب العرش 2013، "إننا لن نقبل أبدا باتخاذ الإسلام مطية للزعامة باسم الدين أو القيام بأعمال الارهاب وتمزيق الوحدة المذهبية للأمة والتكفير وسفك الدماء"، كما يقتضي الحذر من الاختراق المنظم الذي تباشره حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب البيجيدي، للانقضاض على نحو شامل على الحقل الديني، وعلى مؤسساته، بغاية تحويل أمير المؤمنين إلى رهينة. فمن يتذكر أحلام أحمد الريسوني، ومن يتذكر سبب إبعاده من رئاسة الحركة الإخوانية المغربية؟!