الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد التومي: دور الأبناك في محاربة كورونا (1)

أحمد التومي: دور الأبناك في محاربة كورونا (1) أحمد التومي

الحديث، في زمن كورونا، عن المجهودات التي تقوم بها الدولة من قطاع عام وقطاع خاص وأفراد، غالبا ما يتم التطرق إلى معاناة الأفراد والشركات، خاصة الصغرى والمتوسطة منها، من جراء تعامل المؤسسات البنكية مع طلباتهم للحصول على قروض أو تأجيل سداد هذه الاخيرة. ونتيجة لذلك يتم وصف تعامل الأبناك بسلبية حادة. فمن واصف للأبناك أنها تلتف على القرارات الحكومية المتعلقة بتخفيف آثار الجائحة أو تتحايل عليها، أو أنها تصطاد الفرص لتغتني على فقر الضعفاء، إلى درجة أن البعض كان قاسيا جدا وذهب إلى وصفها بمصاصي الدماء.

 

الهدف من هذا المقال هو المساهمة في البحث عن بعض الحقيقة، أولا بمحاولة إلقاء الضوء على طبيعة نشاط الأبناك المغربية وموقعها في النسيج الاقتصادي الوطني، وثانيا بمحاولة فهم أسباب غضب المواطنين والشركات من تعامل الابناك مع متطلباتهم. والمغرب يعيش كباقي دول المعمور أجواء الحجر الصحي ويكافح جاهدا، تحت القيادة المباشرة والجريئة والحكيمة لصاحب الجلالة، للحد من آثارها الاجتماعية والاقتصادية الحالية والمستقبلية، لا شك سيسجل، بمداد لا ينمحي، المواقف لكل واحد، لان التاريخ سوف لن ينساها لمدة طويلة.

 

الأبناك هي مؤسسات تكتسي في أغلبيتها شكل شركات خاصة، تقوم بأدوار مهمة منها استقبال ودائع الزبناء وتوفير وسائل الأداء (عبر الشيكات وبطائق الائتمان والهاتف المتنقل) ونقل الأموال والادخار وتوزيع مختلف القروض، كقروض الاستهلاك والاستثمار.

 

ونظرًا للدور الذي تلعبه في حياة المجتمعات، إذ يعتبر المال هو المحرك الرئيسي للاقتصاد، فإن الأبناك تخضع لقوانين صارمة تحدد مختلف أوجه نشاطها، كما تخضع لوصاية ومراقبة لصيقة من طرف العديد من الهيئات الحكومية وشبه الحكومية. ومن أهمها الأبناك المركزية ووزارات المالية، اضافة الى الأدوار التي تقوم بها المؤسسات والهيئات الدولية، ذات الصِّلة، كصندوق النقد الدولي واتفاقات "لجنة بازل للرقابة المصرفية" و"بنك التسويات الدولية".

 

إذ أن الهدف المشترك لهذه الهيئات هي تعزيز صلابة الأنظمة المصرفية بطرح معايير متجددة لرأس المال والمديونية والسيولة وإدارة المخاطر وزيادة الشفافية.

 

ظهرت أولى الشبابيك البنكية في المغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أما تأسيس أول مؤسسة بنكية فكان سنة 1907، بعد توقيع اتفاقية الجزيرة الخضراء سنة 1906 بين أثني عشرة دولة أوروبية والولايات المتحدة والمغرب اتخذت اسم "البنك المخزني المغربي" في شكل شركة مساهمة، تبعته، أبان الحماية الفرنسية على المغرب، ظهور فروع لأبناك فرنسية ومن دول أخرى. وبعد نهاية الحماية واسترجاع المغرب لاستقلاله، تأسس "بنك المغرب" سنة 1958. ومنذ ذلك الحين، والنظام البنكي المغربي يعرف تطورات متلاحقة في هيكلته وإطاره التشريعي بما يتلاءم مع مواكبة الاقتصاد الوطني من دعم الاستثمار الى تيسير التجارة الخارجية والى دعم الأسر في الحصول على مساكن وغيرها.

 

يتوفر المغرب على 19 مؤسسة بنكية و5 ابناك تشاركية، منها 9 ابناك رئيسية. يتمتع القطاع البنكي المغربي بقوة جعلته محط اعتبار من طرف الهيئات الدولية ووكالات التنقيط المتخصصة. بل جعلته قادرًا على اكتساح أسواق خارجية في افريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفِي تنافس تام مع كبريات الأبناك الدولية. كما يلعب دورا محوريا كقنطرة عبور للاستثمارات مغربية مربحة الى افريقيا على الخصوص وفي ميادين استراتيجية كالاتصالات والأشغال العمومية الكبرى والصناعة والخدمات الاستشارية وغيرها. وهذه النجاحات لم تكن بدون ثمن، فلا ننسى أن القطاع مر ببعض الأوقات العصيبة التي عرفتها بعض المؤسسات البنكية، من بينها الصندوق الوطني للقرض الفلاحي والصندوق العقاري والسياحي والبنك المغربي لإفريقيا والشرق والبنك الوطني للتنمية الاقتصادية، والتي عرفت دعما قويا من الدولة لإنقاذها من الإفلاس وإعادة هيكلتها.

 

حتى قبل جائحة كورونا، لابد من تسجيل أن الأبناك ساهمت بـ 3 ملايير درهم، أي ما يعادل الاعتمادات التي وفرتها الميزانية العامة للدولة، في صندوق "انطلاقة" الذي يهدف إلى تمويل المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة والشباب حاملي المشاريع في العالم القروي والشركات المصدرة إلى أفريقيا وبسعر فائدة أقل من 2%.

 

أما في زمن كورونا، فتعددت أدوارها من عضوية في لجنة اليقظة الاقتصادية، إلى المساهمة المباشرة في صندوق "كوفيد19"، إلى الإبقاء على استمرارية الخدمات البنكية دون انقطاع واستمرار تزويد الشبابيك الأوتوماتيكية بالسيولة الكافية في كل وقت وحين.

 

وَمِمَّا يسترعي الانتباه ويعتبر سابقة في تاريخ المغرب الحديث أن الأبناك، عبر وكالاتها وشبابيكها الثابتة والمتنقلة، قامت بتوزيع الإعانات المرصودة، إلى أزيد من 5 مليون أسرة عبر كامل تراب المملكة وفِي الظروف الاستثنائية الصحية، مما جعل منها بحق "ذراع التوصيل"(courroie de transmission)  للقرارات الحكومية والسياسات العمومية ذات الطابع الاجتماعي.

 

فهل هذا يستحق كل هذا النقد اللاذع، وأحيانا الظالم، لدور هذه المؤسسات دون الوقوف على الحقائق؟

 

- أحمد التومي، نائب برلماني وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية

 

(يتبع)