الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

ناشيد: ينبغي القطع مع الطابع التجمهري للتدين الذي اعتقد الناس أنه من أصول الدين

ناشيد: ينبغي القطع مع الطابع التجمهري للتدين الذي اعتقد الناس أنه من أصول الدين سعيد ناشيد، مفكر مهتم بقضايا التجديد الديني
أولا، ما يجب التذكير به أن صلاة التراويح كانت تؤدى في البيوت في عهد الرسول، بل والى غاية وفاة الخليفة الأول كان المسلمون لا يزالون يؤدونها في بيوتهم باعتبار وضعها الطبيعي، فهي تأتي متأخرة في الليل ويستحسن أن يكون الناس داخل بيوتهم. إنما اجتهد عمر بن الخطاب ورأى أنه لا بأس من أن تتم في إطار جماعي، فبدأ الناس يعتقدون أن الأمر يتعلق بفريضة دينية، علما أن الأمر يتعلق باجتهاد من اجتهادات عمر بن الخطاب، ولابد من الإشارة فإن هناك مراحل من تاريخنا يحين فيها التدين الاستعراضي، وهي لحظات الهزيمة، فعندما تشعر حضارتنا بنوع من الهزيمة أو النقصان أمام حضارة أخرى تظهر هناك نوع من الرغبة في التعويض فيتخذ التدين الاستعراضي طابع التعويض عن عقدة ما. نحن الآن ومنذ سنوات، وتحديدا منذ سنوات الستينيات من القرن الماضي، والتي تصادف هزيمة العرب أمام إسرائيل، باعتبارها هزيمة أعطت نوعا من الشعور القوي بالهزيمة الحضارية، فبدأ مد التدين الاستعراضي كنوع من التعويض عن الإحساس والشعور بنقص ما.
وإضافة إلى الطابع الاستعراضي للتدين، يمكن أن نسجل الطابع التجمهري، وكأن التجمهر أصبح ضرورة جوهرية للدين، وهذا الطابع الجمهري يخدم نوعا معينا من الغرائز، ومن ثم يخدم نوعا معينا من الإيديولوجيات.
أما بخصوص القراءات القرآنية التي تتم داخل المساجد فلا علاقة لها بالجانب التعبدي، بل لها علاقة بالتدين الاستعراضي، وتاريخيا فالمؤسسات الدينية المسؤولة عن القراءات من قبيل جامع الأزهر وجامع القرويين نجد فيها نمطا معينا من القراءة، وهذا النمط يؤجج مشاعر الانفتاح والابتهاج والشعور بالحياة، لكن في المقابل هناك نمط وهابي من القراءة للقرآن والذي يؤجج مشاعر الحزن لدى الإنسان، إلى درجة أنني كم من مرة أكون في الشارع في السنوات السابقة خلال شهر رمضان فأسمع أحدهما يقول للآخر علينا أن نسارع كي نلحق بهذا المسجد أو ذاك لأن الإمام يبكي، وكأن الناس يحتاجون إلى مشاعر الحزن.. إقحام مشاعر الحزن.. تأجيج مشاعر الحزن بفعل القراءة. وأنا أحمل التيار الوهابي مسؤولية كبيرة في جعل المظاهر الدينية تتخذ طابعا حزينا، فهي تركز على تأجيج مشاعر الحزن. البكاء أثناء قراءة القرآن ليس من تقاليد المغاربة، فهم يرفضون أن ترتبط قراءة القرآن بالبكاء نهائيا.
الآن أمام السلطات الدينية تحدي كبير وهو كون هذا الفيروس الجديد المتفشي ليس فيروسا عاديا، لن يمضي إلى حال سبيله قريبا، ستبقى المعركة معه طويلة الأمد، وحتى التلقيح لن يكون حلا جذريا ونهائيا، وبالتالي فاستراتيجية التباعد وتفادي الطقوس الدينية الاستعراضية تبقى هي الحل لأسباب صحية، وتفادي التجمهر في العبادات لأسباب صحية سنحتاجه لأمد قد يطول. ويجب على السلطات الدينية أن تكون مستعدة لهذه الإجراءات. يجب أن يبتعد الدين عن طابعه التجمهري الذي اتخذه في سياق ايديولوجي معين، ويجب على الدين أن يسترد طابعه الفرداني، الروحاني الخالص، لأن المعركة ضد فيروس كورونا المستجد لن تنتهي في أيام معدودة، بل إننا قد نواجه فيروسا أكثر شراسة في المستقبل، ويجب أن نستعد للقطع مع الطابع التجمهري للتدين والذي اعتقد الناس أنه من أصول الدين وما هو بذلك، فالأصل في الدين هو الطابع الفرداني والروحاني وفي آخر المطاف «لا تزر وزرة وزر أخرى».