الجمعة 29 مارس 2024
موضة و مشاهير

الطيّب حمضي.. طبيب منحوت من صمود الجبال وعناد أمواج البحر ونسمة أزهار الزيتون

الطيّب حمضي.. طبيب منحوت من صمود الجبال وعناد أمواج البحر ونسمة أزهار الزيتون الدكتور الطيب حمضي
لا يشبه إلاّ نفسه.. طبيب يحمل قلب ملاك اسمه الطيّب حمضي.. من الرجال "الطيّبين" الذين يحملون على صدورهم أثقال الوطن. وكان من الأطباء الأوائل الذين دقوا جرس الإنذار لإيقاظ المسؤولين لمواجهة جائحة كورونا.
ابن مدينة وزان، لذاك يملك أخلاق وشهامة وصلابة أبناء "الجبل". من مواليد منتصف الستينيات في هذه المدينة التي تمتلئ بعطر الزيتون، من هذه النّبتة "الطيّبة" اكتسب معدن روحه النّفيس، والتمسّك بجذوره. عشق الوطن من عشق تراب الزيتون الذي "نحت" شخصيّة الدكتور الطيب حمضي، ومن حواري وأزقة ودروب وزان كان يكبر "الطيّب" ويشتدّ عوده، وفيها تابع دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية، إلى أن حصل على الباكالوريا.. لكنّها لم تكن نهاية العتبة، بل هي بداية صعود "عتبة" أخرى بالعاصمة الرباط لمتابعة دراساته الجامعية.
اختار كلية الطبّ والصيدلة.. "الطيّب" و"الوزّاني" قرر أن يركب التحدّي وهو يضع نصب عينيه أن يكون "طبيبا". وطريق "الطبّ" في المغرب يكون غالبا مفروشا بالأشواك. لكن بصمود ابن الجبل كسب الدكتور حمضي الرهان، أغمض عينيه ليفتحهما وهو بذلك الرّداء الأبيض.. لحظة التخرّج من كلية الطب والصيدلة بالرباط طبيبا في الطب العام، كانت ولادة جديدة في حياته، وسرعان ما استعجل الزمن لفتح عيادته في مدينة العرائش، التي يستقر فيها منذ ذلك الوقت.. اختار العرائش كي يكون على مرمى حجر من مدينة "الروح" و"القلب" وزّان الفاتنة.. العرائش لا تختلف عن وزّان.. مدينتان بملامح أندلسية، الأولى منحوتة بسمرة جبال الريف، والثانية بزرقة المحيط الأطلسي.
الدكتور الطيّب حمضي طبيب مسكون بقضايا المجتمع، فهو لا يكتفي بممارسة مهنته داخل عيادته بعلاج الناس وتتبع وضعهم الصحي، بل يمثّل نموذج الطبيب المناضل الذي يتتبع وضعية بلاده؛ والطبيب المثقف المنخرط في قضايا الشأن العام، من خلال حرصه على الكتابة والتعبير عن مواقفه وآرائه. وهو حريص على الكتابة بانتظام. وفي هذا الصدد كانت له زاوية أسبوعية شهيرة تصدر كل خميس في جريدة "الاتحاد الاشتراكي" (في عيادة الطبيب)، التي كان لها دور كبير في التوعية الصحية والتثقيف الطبي، في زمن لم يكن فيه لا فايسبوك ولا واتساب... وقد أصدر معظمها في كتاب "نساء ورجال: حالات طبية"، كما كتب في أسبوعية "النشرة" التي أصدرتها الشبيبة الاتحادية في فترة محمد الساسي سنة 1993. وكانت له زاوية بأسبوعية "الحياة" التي أصدرها وأدارها محمد حفيظ بعنوان "أفكار حرة". لذا لم يكن يشبه أحدا، ولم يختر أن يسجن نفسه داخل "زنزانة" عيادة، بل فضل أن يكون مسكونا بهواجس المجتمع، وأن يسخر قلمه للانتصار لقيم حقوق الإنسان والدفاع عن حرية الرأي والتعبير وعن حرية الإعلام، ودائما يقف إلى جانب الصحافيين كلما تعرضوا إلى اعتداء أو تضييق على ممارستهم لمهنته.
لكن هذا الوعي الحقوقي، والنضال الحزبي، والانشغال الصحفي، لم تمنعه كل هذه "القيود" من مزاولة مهنته الإنسانية كطبيب، فكان من الأطباء الأوائل الذين واكبوا بالتوعية والتحسيس وباء كورونا المستجد، حتى قبل أن يتم تسجيل أول حالة بالمغرب. وكان له السبق في الدعوة إلى إقرار حالة الطوارئ الصحية، قبل أن تتخذها الدولة بحوالي أربعة أيام. بفراسة رجل السياسة الذي يقرأ فنجان الواقع السياسي، وحدس الطبيب الذي لا يخطئ، كان من الوجوه الطبية التي حملت سلاح العلم من أجل التوعية بأخطار وباء كورونا والتحسيس باتخاذ مجمل التدابير الوقائية بالقنوات التلفزية والمحطات الإذاعية والصحف الورقية والإلكترونية.
الطيب حمضي حريص على احترام القواعد العلمية الطبية في تحليلاته وتوجيهاته، لا يتكلم دون الاستناد إلى دراسات علمية وإلى أرقام وإحصائيات، مستفيدا من تربيته الحزبية داخل حزب وطني عتيد في زمنه الذهبي.
النقابة الوطنية للطب العام بالقطاع الخاص التي يترأسها، كانت قلعة من القلاع التي ناضل داخلها الدكتور الطيب حمضي، فهو لا يختار إلا التموقع في الصفوف الأمامية، وولد كي يكون من القياديين. مع قرع أولى دقات طبول الحرب على كورونا، لم يتردد الطيّب حمضي في أن تكون نقابته من النقابات الأولى -المنتسبة إلى أطباء القطاع الخاص- التي تضع نفسها بتجربة أطبائها وعياداتهم وبإمكاناتها وتجهيزاتها وأطرها تحت تصرف وزارة الصحة والسلطات المختصة المكلفة بمواجهة انتشار مرض كوفيد 19.
ينتمي الطيّب حمضي إلى أسرة مناضلة اختار جل أفرادها أن يلتحقوا بالنضال في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عز سنوات الرصاص والصراع السياسي الذي طبع المغرب حينها. تحمل مسؤوليات في هذا الحزب كان آخرها كاتب فرع الاتحاد الاشتراكي بالعرائش، وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الخامس (مارس 2001)، الذي قاطعه رفقة عدد من رفاقه محمد الساسي وخالد السفياني ومحمد حفيظ والراحل محمد بناني الناصري ومناضلين آخرين.
شرب حليب النّضال في صفوف الشبيبة الاتحادية التي كانت حينها من أقوى "مراجع" النضال بالمنظمات الشبابية الحزبية. في الزمن الذهبي لحزب الاتحاد الاشتراكي تربّى الطيّب حمضي على أن يكون "مشاكسا" في مرحلة كان فيها الحزب من أهمّ أقطاب المعارضة وسط جيش من الأحزاب المخزنية..  منذ كان تلميذا وخلال المرحلة الطلابية شبّ على روح الانتقاد والمساءلة ورفض أن يكون "تابعا" أو "ذيلا" من "ذيول" أحزاب الإدارة، لذلك اختار أن يكون من ضمن الصفوف الأمامية داخل الشبيبة الاتحادية، ومن صنّاع تاريخها وأهمّ لحظاتها النضالية.
انتخب عضوا بالمكتب الوطني للشبيبة الاتحادية في مؤتمرها الوطني الذي انعقد سنة 1998، وتحمل مسؤولية نائب الكاتب العام. ودبر العلاقات الخارجية للشبيبة الاتحادية.
كان من مؤسّسي جمعية الوفاء للديمقراطية التي أسسها عدد من أطر الاتحاد الاشتراكي والشبيبة الاتحادية، وكان عضوا بكتابتها الوطنية.
وساهم إلى جانب رفاقه في الوفاء للديمقراطية في تأسيس الحزب الاشتراكي الموحد، الذي انبثق عن الاندماج بين حزب اليسار الاشتراكي الموحد وجمعية الوفاء للديمقراطية، وكان عضوا بمكتبه السياسي.
هذا هو الدكتور الطيّب حمضي "الوزاني"، مجبول على أخلاق المقاومين، منحوت من صمود الجبال وعناد أمواج البحر ونسمة أزهار الزيتون، لذا كانت "صخرة" الوطن التي يحملها على ظهره مثل نسمة حب ووفاء.