الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

زوهري: ما نشعر به في ظل الحجر الصحي جزء بسيط مما يشعر به التوحديون

زوهري: ما نشعر به في ظل الحجر الصحي جزء بسيط مما يشعر به التوحديون الصورة يسارا: عبد الجليل زوهري؛ ويمينا مع كاوفمان الذي كان توحديا

يخلد العالم في 2 أبريل من كل سنة اليوم العالمي للتوحد. وفي هذا الإطار أجرت "أنفاس بريس" مع عبد الجليل زوهري، رئيس الجمعية الوطنية للتوحد، والتي أسست مركزا بسطات يعتبر الأول من نوعه على الصعيد القاري، الحوار التالي، الذي فصل فيه الأوضاع الصحية والاجتماعية الدقيقة للأطفال التوحديين:

 

+ كيف تقدم باختصار تعريفا للتوحد؟

- هناك تعاريف مختلفة حسب المقاربات والمعايير المتبعة في هدا المجال. ويمكننا أن نختصر تعريف التوحد -حسب برنامج "صن رايز" الذي نتبناه في جمعياتنا، والذي يعتبر نظام حياة- بأنه اضطراب اجتماعي-تواصلي، أي أن التحدي الأساسي الذي يواجه الشخص التوحدي هو الصعوبة في الترابط وتشكيل علاقات مع الآخرين. ولا يعتبر التوحد داخل هذا البرنامج باضطراب سلوكي، كما هو متعارف عليه، لأن هذه السلوكيات تعتبر أعراضا وليست أسبابا، والتي تتجلى في التواصل وإجراء اتصال بصري وقراءة الإشارات والحركات غير اللفظية، والتعامل مع الغير والمواقف الاجتماعية وقبول مستويات عالية من التنبيه الحسي والمرونة تجاه الظروف المتغيرة ورغبات الآخرين واهتماماتهم. أما بالنسبة للعمر الذي من خلاله يمكن اكتشاف سمات التوحد، فهو مرتبط بالفترة التي يبدأ فيها الطفل التواصل مع أمه، والتي قد تكون عند البعض ابتداء من الستة أشهر الأولى من حياته.

 

+ كيف تتم رعاية الطفل التوحدي؟

- نحن كآباء مختصين ومرافقين، عندما نسعى لمساعدة التوحدي، بدلا من طرح السؤال: ما الذي علينا أن نقوم به لتغيير سلوك الطفل؟ علينا أن نطرح السؤال بالصيغة التالية: ما الذي ينبغي لنا عمله لخلق علاقة مع الطفل؟ فإن آمنا بالسؤال الأخير تغير كل شيء وتغير منهجنا بكامله. لهذا يجب أن نركز في كل ما نقوم به على بناء ترابط وعلاقة مع الطفل التوحدي، يعني أننا يجب أن نجعل الطفل يرغب بقوة في أن يكون جزءا من عالمنا. لذا يجب أن نفكر في الانعكاس التام.. فبدلا من التركيز على جعل الطفل يتوافق مع عالمك، يجب أن نصبح تلميذا في عالمه -دع الطفل يصبح أستاذك- ويجب أن نبدأ أولا ببناء الثقة وخلق ترابط حسب معاييره ببناء جسر لعالمه تحث شعار -الطفل يرينا طريق الدخول، ثم نريه نحن طريق الخروج-.

حسب برنامج "صن رايز: الذي أبدعه والدا كوفمان، بداية السبعينات، وهما أبوان لطفل توحدي، يقوم البرنامج على مبدأ تقبل الطفل التوحدي كما هو؛ واعتباره القائد في رحلة الشفاء وأخذ الإلهام منه وعدم إيقاف تكراريته (ايزم) باعتبارها حق مشروع يريح بها جهازه العصبي.

بناء على هذا المبدأ كيفنا مركز الجمعية الخاص بالأطفال التوحديين والعمل فيه واحد لواحد، يعني التوحدي له غرفة خاصة يجلس فيها  لوحده مع مدرب يتم احترام تقلب أمزجة حين يكون في تكراراته، نستغل هذه التكرارات في مشاركته فيها لبناء علاقة وطيدة معه، وحين يعطي أي إشارة من صوت أو حركة أو نظرة أو ابتسامة نتفاعل معه بالاستجابة وبالدخول في تسلية وترفيه حول شيء يهتم به، نتفاعل معه بتعابير الوجه تعابير الجسد بتغييرات في ريتم الصوت.. هدفنا محاولة تطويل مدة تفاعله معنا نحاول في هذا البرنامج أن نعمل على تقنيات تستثير اللغة ويشد حبل انطلاقها رويدا رويدا باللعب مثل تقنية التسمية تقنية الاستجابة تقنية التغابي. نعمل على تكبير ردة الفعل تجاه أي محاولة لغوية من التوحدي مقابل تصغير ردة الفعل تجاه أي سلوك آخر غير مرغوب فيه من قبلنا يحاول فيه التوحدي توصيل ما يريد. بعد هذه المرحلة التي نعتبرها تطويل التفاعل يتم حصر مدى التفاعل.

للبدء بوضع القدم على سلم النمو التواصلي الاجتماعي البصري اللفظي التفاعلي المروني في الغرفة، مع مدرب واحد لواحد ثم إنشاء علاقة وطيدة بين التوحدي وشخص آخر عن طريق احترام أذوائه أو أمزجته  التي نسميها  الضوء الأحمر والأخضر، ثم تبادل المدربين الذين كانوا عملوا علاقة مسبقة مع التوحدي وتعاملهم  معه في هدف واحد رغبة في تعميم الهدف.

هو برنامج يتم فيه حضانة التوحدي بواسطة شخص متفهم له مراع أعباءه النفسية العصبية لمحاولة الخروج به بالتعميم شيئا فشيئا إلى مجتمع أكبر قليلا، والذي يتكون من عدة مدربين، ومن ثم التعميم شيئا فشيئا محاولة منا لامتلاكه شهوة المبادرة تجاه التواصل.. فهو برنامج زراعة هادئة لمفاهيم نفسية عميقة.

 

+ ما هو نوع الدعم والمساندة التي تتلقاها الجمعية؟

- تأسست الجمعية الوطنية للتوحد سنة 2009، وبدأت نشاطها بدار الشباب سيدي عبد الكريم بسطات بمساعدة الساهرين عليها آنذاك. خلال الموسم الدراسي 2009/2010، تم عقد شراكة مع أكاديمية التربية الوطنية لجهة الشاوية ورديغة، تسلمنا بموجبها غرفتين دراسيتين داخل مدرسة عمومية. وفي أواخر عام 2013، ومن خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبشراكة مع وزارة التربية الوطنية، تمكنا من الحصول على أرض لبناء مركز خاص بالتوحديين، والذي بدأ الاشتغال فيه سنة 2016/2017. وقد تم تحويله إلى مركز لبرنامج  صن رايز حسب المعايير المتعارف عليها عالميا منذ بداية 2018/2019، وذلك بعد تكوينات من طرف واضعي البرنامج تحث إشراف (رون كوفمان). وللتذكير فالمركز يعتبر الأول من نوعه على الصعيد القاري.

أما فيما يخص تسيير المركز، فيعتمد بالأساس على المداخيل الذاتية التي تتمثل في مساهمة الآباء.. وخلال سنوات 2017-2018 كان هناك دعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهذا لا يضمن السير العادي واستمرارية عمل المركز الذي يعيش أزمات مالية دائمة في شق التسيير. ومن هدا المنبر ندعو الجميع للوقوف بجانب هذه الفئة المحجورة مجتمعيا وبالأخص الهشة منها، مع العلم أن تكلفة التكفل بالشخص التوحدي جد باهظة (أكثر من 2000 دولار شهريا في الدول الغربية).. كما نذكر أن العدد في تزايد إذ يناهز1 بالمائة.

 

+ كيف يقضي أطفال التوحد وقت الحجر الصحي؟

- لعل ما نشعر به الآن في أزمتنا يقارب فهمنا قليلا إلى ما يشعر به ذلك التوحدي المنعزل في عالمه والمحجور على رغباته، الممنوع عليه أن يمارسها، علما أنه لا يستطيع إيجاد قليل من المواساة لقلقه وغربته.. ومع ذلك يحاولون إيقافها بشتى الطرق لأنها لا تناسب وتقاليد مجتمعاتهم يمطرون في كل دقيقة بعشرة أوامر تابعة قوانينهم: افعل لا تفعل؛ هات خذ اسكت واخفض صوتك، سلم قل شكرا، لا تقترب من هنا، لا تمسك هذا، لا تنظر للحائط، لا تضع يدك هنا، لا تخرب هذا، إياك أن تضم أحدا بشدة، لا تأكل بالشمال، لا تسلم بالشمال، لا تمش على سجادة الصلاة، لا تدخل المطبخ، لا تتفوه بشيء في المواصلات، لا تضحك بلا سبب، وآلاف آلاف من الأوامر والنواهي... وبعدها إذا ضاق ذرعا ولم يعد يستوعب نفسه وانفجر غاضبا، يتوهجون ويشهدون ويبدعون في الكبح.. كل هذا يطلقون عليه تعديل السلوك. أما هو، شعوره إحساسه السيكولوجي، تحديه الفسيولوجي ورغباته وراحة أعصابه التي لن يصل إلا إلى جزء بسيط منها في أحسن أحواله؛ كل هذا لا يهم.. لماذا؟ لأنه في الحجر الاجتماعي. أما نحن فيملأنا الأمل بتجاوز هذا الحجر إلى عالم حر مرة أخرى!! وأما هو فلا أمل له، فهي عقلية مجتمعية فرضها عليه حتى من لا يملك غيرهم أبوه وأمه وإخوته. ما نعيشه اليوم من مشاعر هو جزء بسيط مما يشعر به التوحديون؛ فلا بد أن نستفيد من ذوقنا لشعورهم بأن نأخذ القرار برحمته من كثير من آلام الحجر على رغباتهم طالما أنها تكراريات أو سلوكيات ليست في عداد المخاطر، والتعدي على الآخرين وممتلكاتهم.

أدعوكم في هذا المقام إلى إعطائهم السيطرة والتنبؤ ما أمكن وإلى تطبيق بروتوكول التحكم الخاص بهم لإعطائهم فرصة التحكم بأمورهم التي يحتاجونها، وعدم استخدام الإجبار من قبلنا مطلقا هذا البروتوكول المتمثل في: أولا قف أمام طفلك، ثانيا اعط توضيحا وتفسيرا، لا تظن أنه لا يفهم؛ ثالثا انتظر الإذن منه، فان لم يخبرنا برغبته فعلينا أن نبحث عن إشارة نعم أو لا منه. سيفعلون إشارات بأجسامهم أو أقدامهم أو إحجامهم؛ سنفهم منها، إن فهمنا الموافقة أو قالوا نعم، فلدينا الإذن؛ وإن فهمنا الرفض أو قالوا لا، فسنتحرك ببطء نحوها ونقول نحترم رفضك، شكرا لأنك أخبرتني أنك لا تريد.. حاضر إذا كنا مضطرين ننتظر دقائق ونحاول عرض الأمر عليه من جديد، بكل أدب، ولو فعلنا ذلك مرات ومرات ومرات، فسيزيده ثقة في أن ما يقوله أو يعبر عنه سيؤخذ بعين اعتبارنا، فإن شرعنا معهم في أمر ثم أبدوا إحجامهم، نقف في نفس جزء الثانية حتى يشعرون أنهم ملوك التحكم.

كما علينا أن نحترم رفضهم؛ ونفرح بهم كموافقتهم لأنه تعبير عن ذاتهم بصورة أو بأخرى؛ ويشعرهم بقيمة رأيهم ونشكرهم لأنهم أعربوا عن رغبتهم لنا. علينا بمناسبة الحجر واقترابنا منهم وتفرغنا من كثير من مسؤوليات كانت تبعدنا عنهم، أن ندفع بسرعة عربون محبتنا ونمتلك  قلبهم؛ وذلك بأن نحترم رأيهم، ونريهم بأننا شخصيات مسلية فكاهية غير درامية مرحة، تحب اللعب والفرحة.

كما أود أن ألفت الانتباه إلى بعض التقنيات المستخدمة معهم في ظروف الحجر الصحي:

أولا علينا أن نشرح لهم أننا بجلوسنا في البيت، وعدم خروجنا وخروجهم، توخينا النظافة، نحميهم من أمراض تتعبهم وتتعبنا.. كيف نشرح لهم هذا، نشرحه لهم بالنمذجة؛ حيث ننمذج لهم مثلا أن لعبة قماشية من ألعابهم خرجت ولم تهتم بنظافة يديها فأصيبت بالعدوى وتألمت في حنجرتها واضطرت لتناول الأدوية، وأن لعبة أخرى امتثلت لما تقول ماما فنجت ولم يصبها شيء.. ننمذج لهم بأنفسنا أننا نسمي الله ونسأله رفع الضرر بكلمات بسيطة وبطريقة دعاء مبهجة مرحة؛ كما نحاول رفع مناعتهم بتبديل ما كان من طعامهم الضار بالصحة؛ بإزالة الطعام المحظور من البيت كله حتى لا يكون المحرم عليهم محلل على غيرهم، والتفنن بعرض الطعام الصحي من فواكه وخضار ولحوم ومكملات بأشكال يحبونها هم ومسرحيات التضارب بالطعام والأكل تحت الطاولة كالفأر، والأكل فوق الخزانة كالقرد، والأكل ضمن الخيمة كالكائن الفضائي، كل حسب عمره ومستواه المعرفي.

أما بالنسبة لأطفال المركز فهناك تتبع يومي في أوقات محددة يمكن من خلالها مراقبة برنامج كل طفل وتقديم الإرشادات الضرورية لمن معه داخل البيت عند الطلب مع تكوينات عن بعد.

وختاما نوصي أنا وأم وصال، الخيلي بشرى، المشرفة التربوية بالمركز، أن نجعل  للتوحديين  في البيت جوا مسالما لا يعلو فيه صراخ الأب ولا تحكم الأم؛ ولا تشاحن الأخوة ونخفف من أصوات التلفزيون والإلكترونيات وأصوات مكالماتنا الهاتفية لعدم زيادة أعبائهم الحسية؛ فيكفيهم قلقهم الداخلي وأعباؤهم الحسية. كما نوصي باستعمال أفكار أهل البيت كلهم في خلق ألعاب تشاركية مع التوحديين. المصارعة والملاكمة  والميساج وألعاب التمثيل والأدوار، وما إلى ذلك.