السبت 20 إبريل 2024
سياسة

الصديقي: "تأجيج الشارع" لا يعني أن الشارع كله في صف اليسار الانتخابي

الصديقي: "تأجيج الشارع" لا يعني أن الشارع كله في صف اليسار الانتخابي محمد الصديقي وفي الخلفية مشهد من وقفة احتجاجية بمناسبة ذكرى 20 فبراير

يرى الباحث في الخطاب السياسي الأستاذ محمد الصديقي، في حواره، مع "أنفاس بريس"، حول دعوة اليسار للتظاهر يوم 23 فبراير 2020، أنه عوض تسويق خطاب الدولة حول "تجديد النموذج التنموي، وانسجاما مع موقف اليسار المرتبط بالنضال لتحقيق الملكية البرلمانية يجب أن نتحدث عن تجديد النموذج السياسي عوض الانحسار في قوقعة خطاب الدولة. مضيفا أن مسألة الربح والخسارة في النضال تظل مسألة نسبية جدا، ومنطقها تراكمي أكثر منهما حسابي. معتبرا أن اليسار لا يستطيع تأجيج الشارع اليوم بمفرده، وليس هناك تنظيم سياسي أو نقابي أو افتراضي له القدرة على تأجيج الشارع بشكل مطلق..

 

+ لماذا جددتم الدعوة كيسار للتظاهر يوم 23 فبراير 2020؟

- دعنا نكون صرحاء في هذا الموضوع، اليسار المغربي، وأقصد اليسار المعارض للدولة والحكومة، لم يتجاوز هويته السلفية النضالية بآليات غير متجددة. فالواقع بما يحمله من هجوم على مكتسبات الشعب المغربي، السياسية والاجتماعية...، يحتاج إلى أكثر من تجديد الدعوة إلى التظاهر، يحتاج إلى تجديد النضال، تصورا وآليات وتقنيات، بما تقتضيه من أدوات تواصلية وحجاجية تواكب التطلعات الجديدة للشعب وشبابه، وتعطي أملا في أفق نضالي متجدد وفق سيرورة ممكنة، لا عدمية ولا واهمة.

تجديد الدعوة إلى التظاهر ذات بعدين؛ أولهما ذاتي يكشف تكرار ذات الآليات النضالية المستنفدة، وكأن الأفق النضالي منحصر في التظاهر والنزول إلى الشارع، وثانيهما يكشف أن دواعي النضال تتجدد وتفرض إكراهاتها على حاملي الهم الاجتماعي في البلاد.

هذه المفارقة؛ في حقيقتها، تكشف عن تكرار الآليات ذاتها المعهودة والتي فقدت حافزية غالبية الشعب في الثقة في الجهتين معا، دولةً ومؤسساتٍ ممانعةً، ولعل الخطاب السياسي المتداول على هامش إصرار الدولة على تثبيت قواعدها، ومحاولة المعارضة خلق جبهات للممانعة، أن يكشف كيف لا يثمر الخطاب السياسي المغربي بطرفيه إلا على إقرار ذات الوضع القائم؛ إذ كلما تبنت الدولة مفهوما/ لفظا جديدا لا يتم إنتاج مفهوم/ لفظ بديل، بقدر ما يتم إعادة إنتاج المفهوم ذاته إما مسايرة أو معارضة، وفي نهاية المطاف تدور كل المواقف داخل الخطاب نفسه، وفي دائرة الموضوع ذاته، فالكل على سبيل المثال لا يعارض أن المغرب في حاجة إلى نموذج تنموي جديد، إنما البعض يزكي الموقف ويسير في اتجاه تزكية الخطوات القائمة "لتجديده"، والآخر يسير في اتجاه تحميل الدولة فشل النموذج السابق، وبالتالي فقبل بحث نموذج جديد ينبغي محاسبة مسؤولي النموذج السابق. وهي في نهاية المطاف تزكية للموقف نفسه.

وأرى أنه عوض تسويق خطاب الدولة حول تجديد النموذج التنموي، وانسجاما مع موقف اليسار المرتبط بالنضال لتحقيق الملكية البرلمانية يجب أن نتحدث عن تجديد النموذج السياسي عوض الانحسار في قوقعة خطاب الدولة، بتعميق الرفض للنموذج التنموي المرتقب، وكأننا متيقنون من فشله حتى قبل إعلانه. فشل النموذج التنموي السابق والمقبل رهين بتغيير النموذج السياسي وتعاطيه مع البعدين الاجتماعي والاقتصادي، يعني تعاطيه مع مفهوم الإنسان. وبمعنى بسيط، يجب أن نجيب عن السؤال: أي إنسان نرومه ووفق أي نموذج إنساني مغربي؟

 

+ ما المطلوب اليوم من المغاربة؟

- المطلوب من المغاربة اليوم، رفع منسوب الوعي بواقع البؤس السياسي، قبل القيام بردود الفعل تجاه الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ففشل مخرجات حركة 20 فبراير، وكل أشكال الحراك التي تلتها، مرده إلى غياب الوعي بالوصلة السياسية، وضعف تأثير اليسار فيها، وطغيان الاجتماعي الاقتصادي على السياسي.

عندما رفع اليسار شعار: "دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع" وترجمه مطلبا دستوريا "الملكية البرلمانية" باعتبار الملكية تتقاسم السلطات مع ممثلي المجتمع الذين يفرزهم في البرلمان، فقد كان الهدف هو خلق توازن سلمي وانتقالي وديمقراطي متوافق بشأنه بين هويتين وقاعدتين أساسين لقيام أي تنمية: وهما الدولة والمجتمع، والغرض هو الانتقال من حلبة الصراع بين الدولة والمجتمع، إلى التوافق بينهما بالمفهوم الذي عبر عنه هابرماس. والمجتمع مطلوب منه أن يعرف أن التغيير لا يمكن إلا أن يكون أولا بالوعي بالخلفيات السياسة التي تتفاعل في البلاد وإنتاج خطاب جديد على مستوى معارضةٍ بالبديل، لا معارضةٍ بالموقف المنتِج للبلاغات والبيانات والحضور بالتمثيلية نضالا وتنظيما، وثانيا بتجديد آليات النضال عبر استثمار الخطاب الجديد/ البديل القمين بحشد الرأي العام لفكرة متوافق حولها، فكل شيء يبدأ بفكرة، والفكرة ينتجها الأذكياء.

 

+ ماذا ربحتم من الخروج إلى التظاهر كل مرة؟

- مسألة الربح والخسارة في النضال يظل مسألة نسبية جدا، ومنطقها تراكمي أكثر منهما حسابي. المبادرة النضالية أضحت فرض عين، ولم يعد مقبولا فيها الاتكالية أو الإنابة عملا بمنطق المسؤولية، وإنْ هي قاعدة تاريخية: البعض يناضل والغالبية تستفيد. ولكن، لنكن أيضا واضحين في هذه المعادلة، فمنذ الاستقلال والمجتمع بتنظيماته الممانعة تناضل، ورغم ذلك لم تزدد الدولة إلا ترسخا وتوغلا.. ومهما تغيرت ملامح الحكومات فالنتيجة، عموما، لا تغير في موازين القوى الشيء الكثير، والدولة لها من الوسائل لترويض المعارضة، والالتفاف على مكتسباتها ما يكفي لنسيان تاريخ النضال المرير الذي قدمته الممانعة. وعليه فقد آن الوقت لتجديد الوعي بالتحول الذاتي قبل الموضوعي، ولعل أول مدخل هو كشف حقيقة الذات انطلاقا المشهد الذي تعريه الوقفات والاحتجاجات التي يقودها اليسار، والوعي بتأجيل وحدة اليسار هو تأجيل لمدخل من مداخل تجديد الوعي والخطاب السياسي المغربي في بعده المجتمعي. خطاب اليسار هو المتداول في كل الأوساط، ولكن غالبية الناس يجهلون الهوية اليسارية لهذا الخطاب، ولإعادة احتضان اليسار لخطابه يجب توحيد مصدر الخطاب، وفي غياب ذلك تأجيل لحلم/ أمل وعد به اليسار الشعب منذ أن قاطع دستور 2011.

 

+ كيف تفسرون مفارقة أن اليسار يؤجج الشارع، وحين تحل الانتخابات لا يصوت عليه الناس، علما أن الانتخابات هي المحك، لأنها تقود المرء إلى مركز القرار ليحسن شروط عيش الناس؟

- الانتخابات، يا أخي، محطة نضالية لا غير، وهي ليست محطة فارقة للبرهنة على قوة اليسار أو ضعفه، في ظل موازين قوى لصالح الدولة باعتراف اليسار نفسه. إن القدرة على "تأجيج الشارع" لا تعني أن الشارع كله في صف اليسار الانتخابي، وتصويت الشارع لغير اليسار لا يعني أن الشارع في صف الدولة.

ورجاء، أرني هذا الشارع الذي يؤججه اليسار؟ وحتى -فرضا- قبِلْنا بهذه الفرضية، فأغلب المؤجَّجين غير مسجلين في اللوائح الانتخابية ولا يصوتون لا على اليسار ولا على غيره، والدعوة إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية والتصويت لا تُقنع بعض اليساريين أنفسهم، فما بالك بغالبية الطبقة الوسطى المحبَطة.

لنكنْ مرة أخرى واضحين أخي، اليسار لا يستطيع تأجيج الشارع اليوم بمفرده، وليس هناك تنظيم سياسي أو نقابي أو افتراضي له القدرة على تأجيج الشارع بالمفهوم الذي يفهم من سؤالك، ولكن هناك قدرة على خلق فرص للنضال، هناك قدرة على خلق فرص للتراكم النضالي إن استُثمرت بشكل يساري فعلا، بالمنطق الذي نتحدث فيه عن يسار يضع في صلب تفكيره تكوين النخبة البوصلة، وبناء مفهوم الإنسان في بعده الفلسفي بكل تاريخه الفكري الذي يؤمن بالحياة.

 

+ لماذا لم يستفد اليساريون من لعب دور "طياب العنب"؟

- لأن الحسن الثاني استفاد منه.