السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد لزرق: في الحاجة إلى نقاش حول نمط الاقتراع  قبل الانتخابات التشريعية المقبلة

رشيد لزرق: في الحاجة إلى نقاش حول نمط الاقتراع  قبل الانتخابات التشريعية المقبلة رشيد لزرق
منذ 2002 تبنى المغرب أسلوب الاقتراع بالتمثيل النسبي عن طريق اللائحة، وفي 2011 قام بتعديل دستوري أطر حكومتين تحت رئاسة حزب العدالة والتنمية، القاسم المشترك بين التجارب هو التجاذب الحكومي والذي تفاقم في ظل دستور 2011 جراء تحالفات مبنية على أساس التواجد في الحكومة كغاية وليس كوسيلة لتحقيق برنامج ما، جعلت الحكومة بدون هوية أو إيديولوجية، وفاقدة للتضامن الحكومي وقابلة للانفجار، في أية لحظة.
وهذا المعطي يستدعي نقاش حقيقي عبر تقييم التجربة وتدشين اصلاح سياسي، مدخله التفكير في اصلاح النظام الإنتخابي، بغاية تكريس الوضوح السياسي.
بدون شك لقد كشفت ولاية الحكومة الأولى في ظل دستور 2011 بروز مرحلة الشعبوية لم يشهد النظام المغربي مثلها من قيل؛ والتي لازلنا نعيش تداعياتها جراء أحزاب الأفراد وطرد الطاقات والكفاءات، هاجسها الضبط والتحكم في الأداة الحزبية، وتشكيل تحالفات اضطرارية، غير مبنيًة على تقارب في الرؤى والبرامج والايدولوجيا. وتقديم للاستوزار كل من هب ودب؛ تحت شرط وحيد هو الولاء بغاية الاستفادة من الغنيمة الحكومية وظهور العديد من الأمراض السياسية.
إننا في حاجة لتقييم المرحلة وفتح نقاش ينبغي أن يكون لكي لا تتكرر أزمة تشكيل الحكومة والتي لازلنا نعيش تداعياتها، ولكي لا نكون رهيني الزمن ويتم  السقوط في تبني نمط انتخابي على المقاس أو نكون التعديل وفق  بناء على مسائل ظرفية.  
ويكون مدخل الإصلاح سياسي وعدم السقوط في خطأ صياغة نظام على المقاس كما قلت، من خلال تحالفات فوقية غايتها ابقاء على نفس الفئة المتحكمة في زمام اللعبة السياسية.
تقييم النظام الانتخابي لضمان حدّ أدنى من الإستقرار الحكومي، والوضوح السياسي بشكل موضوعي ودقيق للأزمات السياسية يطرح السؤال حول طبيعة هذه الأخيرة هل هي وليدة ومرتبطة بنمط الاقتراع  أو بمسائل أخرى؟؟.
وهنا أعتقد أن العودة لنظام الاقتراع الأغلبي، نظريا يخدم مصالح الأحزاب الكبرى على اعتبار أن من يتحصّل على الأغلبية المطلقة يحصل بالتالي على جميع المقاعد، غير أن واقع الحال يظهر أن واقع الحياة السياسية أقوى من المنظومة الانتخابية وعدم الاستقرار الحزبي له تأثير أكبر على  نمط الاقتراع.
لهذا فان النقاش حول نمط الاقتراع ضروري قبل الانتخابات التشريعية المقبلة فنمط الاقتراع الحالي القائم على النسبية مع أكبر البقايا؛ يساهم في إحداث عدم استقرار سياسي ويعجز عن إفراز أغلبية منسجمة قادرة على إسناد حكومة متكاملة ويدفع نحو تحالف حكومي هش ومتقلّب. كما أنه يحول دون تحقيق استقرار حكومي يساعد الحكومة على تنفيذ برامجها. وهذا الوضع من شأنه أن يتيح للحكومة التنصل من المسؤولية السياسية، ويجعل المواطن عاجز عن التقييم ومن تم الاختيار بناء على حصيلة تدبيرية. فالناخب بموجب نمط المعتمد حاليا إذن؛ لا يستطيع تقييم أداء الحكومة ولا الأحزاب التي تقف وراءها.
وعليه؛ ففي تقديرنا فإن النمط الذي يناسب مع المرحلة الراهنة هو الاقتراع الفردي علي دورتين، لما يتيحه من تقريب المواطن من المؤسسات ويقوي الأداة الحزبية، ويمكن من تجاوز عيوبه المتمثلة في الشخصنة باعتبار أن الاختيار سيكون على أساس الأشخاص لا البرامج. 
من خلال نظام الدورتين الذي يختلف عن اعتماد دورة واحدة. وفي عملية الاقتراع بالأغلبية على دورتين يتمتع الناخب بفرصتين للاختيار. ويكون في قلب الحياة السياسية. في اعتبار أن نظام الدورتين لا يُعتبر فائزًا إلا من يتحصّل على الأغلبية المطلقة أي أكثر من 50 في المائة وهو أمر صعب أن يتحقّق في كافة الدوائر الانتخابية وأن من يفوز في الدورة الأولى بالأغلبية المطلقة يكون منطقيًا من الأحزاب التي لها قاعدة انتخابية واسعة ومتينة. أما بالنسبة للدوائر التي بقيت معلّقة، يعرف الناخب الوزن الحقيقي لكلّ حزب ويستطيع بالتالي أن يغيّر التصويت عندما يتبيّن له أن هناك أحزابًا لم تتحصل على أي شيء.
ومن لم يصوت في الدورة الأولى، وإذا تبين له فوز الأطراف التي لا يدعمها، بإمكانه أن يشارك في التصويت اللاحق.
إن نظام المعتمد حاليا ونظام الاقتراع النسبي مع أكبر البقايا يفسّر الطابع المتشتت للبرلمان إذ أنه يمكّن كافة الأحزاب السياسية حتى لو كانت ضعيفة وهامشية من المشاركة والحصول على مقعد نيابي، ويشجع أيضًا على التشتت والتفكك الحزبي.
ويمكن القيادات الحزبية من التحكم في الأدوات الحزبية بشكل أحادي من خلال تعيين وكلاء اللوائح والتحكم في اللائحة الوطنية لنساء والشباب بشمل فج يضرب منطق الديمقراطية ويعطي معالم الولاء لقيادة الحزبية على أساس عائلي، عرقي، أو مصلحي..  
كما أنه وفق التجربة المغربية لم يحقق نمط المعتمد والذي كانت الغاية منه هو التشجيع على المشاركة في الإنتخابات كما هو الحال في بعض التجارب الدولية، ولم يقلص من عمليات شراء الأصوات. 
ان نظام الاقتراع الأغلبي على دورتين، يمكن الجميع الأحزاب السياسية المشاركة في الدورة الأولى أما عند إعلان نتائج هذه الدورة فإن القانون ينصّ على أن الحزبين اللذين تحصّلا على أكبر عدد من الأصوات فقط يشاركان في الدورة الثانية.  وقبل الإعلان عن النتائج النهائية للدورة الثانية تقع التحالفات المتينة القائمة على تقارب في البرامج والايدولوجيا مما سيؤدي إلى بروز ثنائية قطبية بين أحزاب محافظة وأحزاب تقدمية أو أحزاب يمينية أو يسارية وغير ذلك.
النمط  الانتخابي الحالي تم اعتماده في سياق حكومة التناوب التوافقي لضمان عدم استفراد حزب واحد أو حزبين على مشهد سياسي، وضمان تمثيلية لمختلف الأحزاب الأيدولوجية والسياسية والاجتماعية في فترات بناء التوافق الشيء الذي لم يعد مبرر له مع دسترة الخيار الديمقراطي وتم صياغة دستور 2011  بالتوافق بين مختلف التيارات وليس بالغلبة العددية.
ونحن اللحظة محتاجين لفاعلية، بغية تكريس تعددية حزبية عقلانية،  فتغيير نمط الانتخاب آلة يجب أن يكون للمصلحة الوطنية الجامعة وليس لمصلحة طرف دون آخر.
المغرب في حاجة اليوم إلى القطع مع الفساد السياسي بمفهومه الواسع وإسقاط القيادات الشعبوية التي تخدم اجندة ذاتيه ومع كل من يريد خدمة المصالح الفئوية الضيقة، فهناك حاجة إلى تقوبة دولة القانون والمؤسسات وإلى تقديم صورة جديدة عن المغرب خيار الديمقراطي، صورة تساهم في جلب التقدير وجلب الإستثمارات. لأن مصداقية المؤسسات محك حقيقي ينبغي السير قدما في مكافحة الفساد كشروط وجوب لتغيير لإعطاء المصداقية وتشكّل أسس تحقيق التنمية الإقتصادية التي نحتاجها.
الانتخابات القادمة ينبغي أن تكون قطعا مع "مال سياسي مشبوه"، "توظيف الديني". من خلال قوانين انتخابية صارمة ومجتمع مدني واع ومسؤول يكون شريكا في كشف المتلاعبين بمستقبل الوطن، بشكل يظهر الوعي الشعبي المتنامي لفضح كل الفاسدين.