الأحد 19 مايو 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: عن أزمة الاتحاد الاشتراكي، ومطلب استقالة ادريس لشكر

 
 
نوفل البعمري: عن أزمة الاتحاد الاشتراكي، ومطلب استقالة ادريس لشكر نوفل البعمري

شخصيا، منذ سنوات، وأنا أتجنب الحديث عن أزمة الاتحاد الاشتراكي ووضعيته الداخلية، لسبب اعتبرته أخلاقي، فما دمت قد ابتعدت عنه تنظيميا فلم يعد هناك معنى لأي تعليق عما يجري داخله احتراما للمسافة التي أخذتها منه وأخذها مني.. مع ذلك بقيت متابعا للحزب ولتحركاته ولأزمته التنظيمية خاصة منها ما يتعلق بمسلسل المصالحة الذي لم يحقق النتائج المرجوة منه. بل يمكن القول إن هذا المسلسل قد فشل في تحقيق واحدة من أهدافه، وأن زيارات المجاملة التي تمت لقيادة الحزب الحالية لبعض رموز الحزب التاريخية قد فشلت في أن تتحول أو تخلق أثرا تنظيميا وسياسيا لها، حيث بقيت في حدودها كزيارة مجاملة لا أقل و لا أكثر، ولم يكن من الضروري أن تعطى لها أبعادا أخرى غير بعدها الإنساني، لأن الجميع يعلم أن لا الأستاذ اليوسفي، ولا النقابي نوبير الأموي، ولا جل الأسماء التي تم زيارتها سيكون لها دور سياسي في المرحلة المقبلة، باستثناء الأستاذ اليوسفي الذي قد يكون له دور وطني فيما يتعلق بملف الصحراء، أو العلاقة مع الجزائر وبعض الملفات الدبلوماسية الأخرى.. دون هذا الأمر لم يكن له ولباقي الأسماء أن تراهن عليها في لعب دورا تنظيميا أو سياسيا؛ وكان رمزيا أن تظل في حدودها وبعدها الإنساني والمجاملاتي.

 

العديد من التحاليل كانت تربط أزمة الاتحاد برأس الحزب، أي بالكاتب الأول إدريس لشكر، قد يكون لهذا التحليل نوع من الصوابية ونوع من المصاقية.. لكن لا يمكن ونحن نحلل الحزب أو نتطلع جميعا ليكون له دور مستقبلي في لعب أدواره في الدفاع عن المشروع الحداثي والديموقراطي  المجتمعي، أن نلخص أزمة الحزب في رأسه وفي الكاتب الأول فقط، وأن نعتبر حلها مرهون برحيله وباستقالته فقط. أعتقد أن هذا التحليل وهذا الرأي يقزم أزمة الحزب ويعتبرها أزمة أشخاص فقط، ويرهنها فقط بإجراء يتعلق بتقديم استقالته، وهو تحليل يبسط أزمة الحزب ولا يقرأها بشكل صائب.

 

أزمة الاتحاد الاشتراكي أزمة بنيوية، أزمة تتعلق بعلاقته بمسلسل الانتقال الديموقراطي ومخارجه، بل يمكن القول إن جزءا من التذبذب الذي قد يشهده أو شهده هذا المسار انعكس، وكان لزاما له أن ينعكس على الحزب الذي قاده، بالتالي جزء من سؤال ومآل الانتقال الديموقراطي ببلادنا هو من مآل الحزب الذي قاده، وفتح مختلف مساراته السياسية والحقوقية والمؤسساتية، وأن انتهاء المسار الانتقالي وتتويجه لقوى محافظة تقود مؤسسات الدولة كان لا يمكن أن يكون دون المرور على إضعاف الاتحاد، وهو إضعاف للحقيقة لم يبتدئ مع الكاتب الأول الحالي، بل ابتدأ من انتخابات سنة 2007، والشكل الذي دفع فيه الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي آنذاك الأستاذ اليازغي محمد إلى تقديم استقالته، وحالة الجذب التي عاشها المجتمع السياسي من خلال محاولات تونسة المغرب ومصرنتها؛ ولم يكن لننتقل لتلك المرحلة التي اصطدمت في النهاية بالشارع في 20 فبراير دون إضعاف القوى الديموقراطية التي كان لها تأثير داخل المجتمع، الذين راهنوا على هذا المسار اعتقدوا أن إضعاف الاتحاد والاستقلال سيقوي البديل الذي اختاروه للمغرب سياسيا وحزبيا، لكن لم ينتبهوا أن إفراغ المجتمع من قواه الحية ستملأه القوى المحافظة وليست هذه القوى الوافدة على المشهد الوطني والحزبي بشكل قسري وفوقي، وهو ما حصل خاصة مع انهيار مشروعها وعدم قدرته في مختلف الاستحقاقات التي عاشها المغرب بعد 2011 أن يتصدى للعدالة والتنمية، بل تواجدها القوي مقابل ضعف القوى الديمقراطية التاريخية؛ أخص بالذكر الاتحاد والاستقلال، كان عامل مساعد على توسع قاعدة  المحافظين، وتعزيز مكاسبها الانتخابية.

 

إن قراءة أزمة الاتحاد الاشتراكي بمعزل عن كل المسار السياسي الذي عاشه المغرب منذ سنة 2007، بالضبط انتخابات 2009 إلى الآن، ستكون قراءة تنتهي بمخارج إعادة تكرار الأزمة لأنها ليست أزمة أشخاص بل أزمة بنيوية، بنية الحياة الحزبية والسياسية وبنية المجتمع، هذه البنية الأخيرة التي تحتاج لإعادة تفكيك وقراءة بشكل علمي، يستلهم أدوات التحليل المستندة على التحليل الملموس للواقع الملموس، هذه القاعدة التي تحتاج لاستلامها من أجل قراءة أزمة المجتمع و علاقة الحزب به، ليست فقط الاتحاد بل اليسار ككل ومعه حزب الاستقلال.. هنا تطرح فكرة تصالح هذه القوى مع المجتمع، أن تعيد تحليل نفسها علاقة به وببنياته المعقدة التي اخترقتها قوى متعددة، مالية ودينية ومحافظة كلها تجر المجتمع نحو الماضوية بمشاريع محافظة تجد صداها داخل المجتمع بسبب اعتمادها على الخطاب الديني والثقافي المحافظ.

 

أزمة الاتحاد ليست أزمة إدريس لشكر، ولا هي مرتبطة به وبشخصه، قد يكون ساهم في تعميقها بسبب حالة الصراع الذي عاشه الحزب مؤخرا، لكنها أيضا أزمة تتعلق بعلاقته بالدولة والمجتمع، وبكل من دفع في اتجاه تحييده من الصراع وضرب استقلالية قراره حتى من داخله ومن الدوائر المقربة من مركز القيادة.

 

شخصيا ما زلت محافظا على نفس مسافتي منه، لكن كان مهما التعليق على الأصوات التي تختزل خروج هذا الحزب من وضعيته فقط باستقالة كاتبه الأول، ونظرا لحاجة المجتمع والدولة لأن تلعب القوى الوطنية دورها كاملا في الاستحقاقات المقبلة، فهي ومشاريعها الوطنية وحدها القادرة على هزم مشروع العدالة والتنمية ديموقراطيا وانتخابيا، والرهان على قوى مالية محافظة، لن تؤدي إلا إلى فوز آخر للعدالة والتنمية، قد لا يكون بنفس القوة السابقة، لكن لن يهزم ديموقراطيا.