الجمعة 17 مايو 2024
كتاب الرأي

أحمد بلمختار منيرة: في الحاجة إلى الدولة الحامية للمواطن

 
 
أحمد بلمختار منيرة: في الحاجة إلى الدولة الحامية للمواطن أحمد بلمختار منيرة

الدولة مطالبة دستوريا بحماية المواطنين والمواطنات وتأمين سلامتهم وصحتهم وأموالهم. وهي مطالبة بحمايتهم من تبعات ارتفاع الأسعار وأثمان السلع التي تلهب جيوبهم، وحمايتهم أيضا من بطش وجشع القطاع الخاص.

يقصد بالدولة مجموع السلطات العمومية داخل بلد معين، أي الحكام تمييزا لهم عن المحكومين. ويستعمل هذا المفهوم خاصة حينما يتم الحديث عن علاقات الدولة بالأفراد، مثل فرض الضرائب، فيقال مثلا: تثقل الدولة كاهل الأفراد بالضرائب، أو قامت الدولة بزيادة أسعار المواد الأساسية. ونعتقد أن هذا المفهوم هو أكثر تجسيدا لمفهوم الدولة لدى المواطن، بالرغم من أن جل الباحثين المختصين يعتبرون أن المفهوم الأكثر دلالة هو الذي ينطلق من أن الدولة مجتمع سياسي منظم قائم على وجود شعب مستقر فوق إقليم ثابت، وخاضع لسلطة سياسية، تسهر على تحقيق النظام والأمن، وتتمتع بالشخصية المعنوية والسيادة.

دستور 2011، يتضمن نصوصا ومقتضيات تجسد فعليا وبالملموس مفهوم الدولة  الحامية لمواطنيها وكيفيات ذلك. فمما جاء في تصديره والتصدير جزأ لا يتجزأ منه: "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".

وينص الفصل 35 من الدستور على أن تعمل الدولة على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية (...) وتسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا.

لكن بالملموس كيف يمكن أن تحمي الدولة المواطنين من لهيب الأسعار وارتفاع أثمان المواد الأساسية وبطش وشجع القطاع الخاص؟

إنها مسؤولية الجميع كل من موقعه، الحكومة، البرلمان، النقابات، الأحزاب السياسية، جمعيات المجتمع المدني، جمعيات المستهلك، مجلس المنافسة... وقد حدد الدستور الأدوار المنوطة بكل جانب. ويبقى الدور الأكبر للسلطات العمومية المركزية وتلك الممثلة لها على المستوى الترابي لأنها هي الأقرب إلى المواطن. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ينص الفصل 145 من الدستور على أن ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، الممثلين للسلطة المركزية في الجماعات الترابية، يعملون باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.

إن الدولة الحامية للمواطن هي دولة القانون. والقانون بطبيعته اجتماعي. وهو الآلية الحقيقية لحماية المواطنين والمواطنات من كل ما يؤثر على سلامتهم وصحتهم وأمنهم... وقدراتهم الشرائية من جراء لهيب الأسعار وارتفاع أثمان المواد الأساسية وفاتورات الماء والكهرباء... وبطش وجشع القطاع الخاص في كل الميادين من صحة وتعليم وشغل وسكن.

اقتصاديا، وانطلاقا من اقتناعنا التام بأن حضور الدولة ضروري لحماية المواطن في كل بلد من بلدان العالم الثالث، نظم رأينا إلى رأي الاقتصادي الفرنسي "Yves Crozet" الذي أثار جدلا سياسيا وأكاديميا في تسعينيات القرن الماضي. ومضمونه: الدولة، يجب أن تلزم حدود الحيز الذي يجب أن تكون فيه، والقطاع الخاص يجب أن يلزم الحيز الخاص به.(l’Etat doit exister là où il doit exister, le secteur privé doit exister là où il doit exister).  وكأنه يقول: إنه حماية للمواطنين، لا يمكن للدولة أن تتخلى عن القطاعات الاجتماعية، ولا بد أن تحمي قدراتهم الشرائية حفاظا على الاستقرار الاجتماعي.

مجمل القول، نحن في حاجة إلى الدولة الحامية لمواطنيها بواسطة القانون واعتماد السياسات الاجتماعية. وفي حاجة إلى قطاع خاص مشبع بثقافة المواطنة.

- أحمد بلمختار منيرة، إعلامي وباحث