الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

عبد الوهاب تدمري: في شأن العلاقة بين الأصولية السياسية الدينية والمخزنية واليسار (3)

عبد الوهاب تدمري: في شأن العلاقة بين الأصولية السياسية الدينية والمخزنية واليسار (3) د. عبد الوهاب تدمري
يجيب الناشط السياسي د. عبد الوهاب تدمري، في هذا المقال التحليلي الذي ننشره في جريدة "أنفاس بريس"في حلقات، عن رهانات الصراع والسجال الدائر في الحلبة السياسية بين قوى الإسلام السياسي والعائلة اليسارية، والذي يعرف مدا وجزرا، وتحالفات وتقسيمات سياسية هجينة، تحركها من وراء الستار الدولة المخزنية العميقة التي من مصلحتها أن تتواصل هذه الحرب بين التيار الأصولي والتيار اليساري لإطالة تحكمه في مفاصل الدولة والمجتمع.
إن مسألة فصل الدين عن الدولة في العالم الإسلامي هي عملية صعبة ومعقدة ، تحتاج إلى علماء دين مغاربة جريئين ،متشبعين بالموروث الديني المغربي، قادرين على تخليص العقل الديني من كماشة الفكر ألإخواني والوهابي وعلى تغليب الجانب الإنساني والكوني للإسلام، بالرجوع إلى النصوص التي تدعو إلى التسامح وليس إلى العفو، وتغليب العمل بالآيات المكية التي تدعو إلى الأخلاق والفضيلة، وإحداث القطيعة عبر اجتهاداتهم مع الموروث الفقهي السائد الذي يستند غالى قراءة منغلقة ورجعية للنص القرآني، الذي رسمه معاوية بن أبي سفيان ولاحقا ابنه اليزيد الذي كان أول من رجم مكة، بكل رمزيتها، في عصر دولة الإسلام، وذلك من أجل تكريس تبعية الديني للشأن السياسي أو العكس، عندما يضعف هذا الأخير، وتطوير المنظومة الدينية والفقهية الإسلامية بما يحررها مما لحق بها من ترسبات سلفية بالشكل الذي ينسجم ومتطلبات القرن الواحد والعشرين، وما تتطلع إليه الشعوب الإسلامية من قيم الحداثة والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وهي قيم لا تستقيم إلا بفصل الدين كشأن الإهي عن الدولة كشأن دنيوي.
أما أن نعمل على إسقاط ما تمت مراكمته من علاقات وطيدة بين لاهوت التحرير المسيحى ومكونات اليسار في مختلف دول العالم من أجل تحرير الإنسان من الفقر والاضطهاد الذي مارسته ومازالت تمارسه أنظمة الحكم الجائرة في حق الشعوب، على واقعنا في العالم الإسلامي الذي يشهد الكثير من الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية بالشكل الذي يعود بنا إلى عصور الكنيسة المظلمة بأوروبا، فهذا سيكون من باب المجازفة والعبث. ولنا في بعض النماذج في العالم الإسلامي ما يثبت عدم حجية هذا الإسقاط وبطلانه. وفي هذا السياق يمكن الاستدلال بثورة إيران الشعبية  التي عاصرت هذه النقاشات التي سبق أن ذكرناها ، والحضور المتميز لليسار فيها من خلال اللجان العمالية والمجالس الشعبية منذ انطلاقتها في يونيو 1977 وذلك حتى قبل التحاق الملالي بها في دجنبر من نفس السنة، والذين عملوا على بسط هيمنتهم عليها تدريجيا بالعنف والاغتيالات والإعدامات في حق  باقي المكونات اليسارية والعلمانية التي كانت طرفا مبادرا وأساسيا فيها ، وذلك من خلال حزب الجمهورية الإسلامية الذي عمل على استئصال جميع التنظيمات المحسوبة على اليسار أو التيار العلماني البرجوازي، وهيمن على المجالس الشعبية أو العمالية بعد أن استحال عليه في البداية القضاء عليها. دون ن نغفل أن ما ساعدهم في ذلك كذلك هي الشخصية الكارزمية للإمام الخميني وتبني هذا الأخير مواقف عدائية من أمريكا توجت باحتلال الطلبة ذوي التوجه الإسلامي للسفارة الامريكية، وقيام الحرب العراقية الإيرانية، هذا بالإضافة للمواقف المتذبذبة للقوى اليسارية والعلمانية من القوى السياسية الدينية، بحكم اعتقاد البعض منهم بأهمية التحالف مع القوى الإسلامية لإنجاز المهام الثورية اقتداء بما كانت تعيشه أمريكا اللاتينية من تحالفات مماثلة. 
وفي واقعنا المغربي لا بد كذلك من استحضار فشل هذه الأطروحة من خلال ما تم رصده من انتهازية في مواقف قوى الإسلام السياسي، خاصة إبان الاحتجاجات الجماهيرية  لحركة 20 فبراير، حين افتضحت حقيقة هذه القوى التي انسحبت من الشارع ومن اللجان الداعمة بمجرد أن عقدت صفقاتها السياسية مع الدولة، ضاربة بعرض الحائط جميع اتفاقاتها السابقة  مع بعض أطراف اليسار المقتنعة بضرورة هذا التحالف من أجل انجاز مهام التغيير الديمقراطي، رغم أنها كانت دوما حريصة على إبراز عضلاتها في التظاهرات الجماهيرية التي كانت تشارك فيها، وذلك ضدا على باقي الأطراف المشاركة من خلال انعزالها والتفرد بشعاراتها الغارقة في التعبئة السياسية الدينية المعادية لقيم الحداثة والديمقراطية، حتى يبدو للمتتبع العادي أنا نشهد تظاهرة  من زمن صلح الحديبية وسط ما يفترض أن يكون تظاهرة مشتركة لجميع الفعاليات المساهمة فيها، بالإضافة إلى ما شهدناه منها من إنزال لأنصارها في تظاهرات معادية لقيم الحداثة، و للتوجه العام الذي عبرت عنه الجمعيات و القوى الديمقراطية خاصة في مسألة مدونة الأسرة. ولا يفوتنا كذلك أن نستحضر موقفها مما تبقى من مجالات التنسيق معها في المجال الحقوقي، وذلك من خلال انسحابها من الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان كآلية للعمل المشترك التي تشكلت على خلفية حركة 20 فبراير، والذي طالما اعتبرناه تحالفا هجينا يجمع بين من يعتقد بكونية وشمولية حقوق الإنسان، وبين من يؤمن بالمرجعية الإسلامية لحقوق الإنسان وسموها على باقي القوانين والتشريعات الكونية، وما الانسحاب الأخير لجمعية كرامة من هذا التحالف سوى تحصيل حاصل، ويؤكد على استحالة استمرار هكذا تحالف.
أقول قولي هذا لكوني لم استوعب بعد كيف يندفع بعض اليساريين المغاربة في اتجاه عقد تحالفات مع قوى الإسلام السياسي، وهي التي تحمل مشروعا سياسيا نقيضا لقيم الحداثة والديمقراطية ولا يعملون في مقابل ذلك على تجاوز خلافاتهم الذاتية مع باقي القوى والجمعيات الديمقراطية من أجل تشكيل جبهة ديمقراطية وطنية عريضة تكون من مهامها انجاز عملية الانتقال الى الديمقراطية على قاعدة برنامج حد أدنى، منفتح على كل القوى التي تلتزم بالعملية الديمقراطية كممارسة وقناعة إستراتيجية .