Saturday 5 July 2025
كتاب الرأي

عبد الحكيم الزاوي: عبد الله العروي.. اسْتِبانَة

عبد الحكيم الزاوي: عبد الله العروي.. اسْتِبانَة مولاي عبد الحكيم الزاوي
تى بعد تقديم أساسات المشروع الفكري، وتفصيل بِناءاته الجُزئية في سلسلة مفاهيم تاريخية وفلسفية وأعمال روائية التفكير في الاستبانة. طيب. ماذا تعني الاستبانة في اللغة؟ تَعني من ضمن ما تعني تدقيق النظر في الجوانب التي وقع فيها سوء الفهم الكبير، واستيضاح أمر مُستشكل يَحسم في ماهية الاختيارات المنهجية والفكرية، وتعزيز الرؤية والموقف التي تُشوش على البناء الكامل. تبعًا لذلك، يَنصرف العروي نحو استبانة الأشياء من خلال تأليف كتاب تحت عنوان: "استبانة".
 مِن زاوية نظر استوغرافية، يَأتلف التأليف ضمن حلقة تراكمية كانت قد استهلت منذ انصراف عِقد الستينات من القرن الماضي. يَخبرُ جل الذين تخصصوا في مشروع العروي أنه بدأ مشروعه الفكري بإصدار مؤلف مرجعي تحت عنوان: "الاديولوجيا العربية المعاصرة"، وهو بالمناسبة كان قد صدر في لحظة ماجَت بصخب الأسئلة الوجودية في الزمن العربي بعد انتكاسته التاريخية، وامتد بعد ذلك، نحو صياغة مشروع فكري بنَفسٍ تاريخاني قد استقبل وقتها برَجَّة عنيفة في الأوساط الثقافية العربية...في المنحى ذاته، يُزامن كتاب استبانة اطلاع القارئ العربي على الترجمة العربية لأطروحة العروي في التاريخ حول "الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية".

 
هندسة الكتاب:
  صدر كتاب استبانة عن منشورات المركز الثقافي العربي، في مجموع من مِئة وأربعين صفحة، واختار من خلاله العروي توظيف أسلوب جديد في الكتابة هو أسلوب الحوارات الداخلية. وهو اختيار ينبني على لعبة أسئلة وأجوبة حول الراهن المغربي لتقديم رؤية مؤرخ حصيف يتفاعل مع ما يجري في الساحة السياسية المغربية.

 
مضامين الكتاب:
  يُبدي الكاتب نوعًا من التفاعل حول ما يستوجب التفاعل حوله من قضايا وأفكار وحساسيات مُؤثرة في الزمن السياسي المغربي، ومُستوحبة لحفريات المؤرخ حتى تظهر ملابساتها إلى جمهور القارئ، أكان قارئا عاديًّا أو نبيهًا...يُفضل العروي العودة إلى ملابسات القرن التاسع عشر. لماذا هذا القرن بالضبط؟ لأنه، القرن الذي انتهى إلى تعرية واقع التفاوت الحضاري بين المغرب وأوروبا. القرن الذي خلخل موازين العلاقات بين "دار الاسلام" و"دار الكفر"، وساق معه صدمة حداثية أتت من فوهات المدافع الأوروبية. في شأن ذلك، يتوقف العروي عند مخاضات فكرة  » « الاصلاح" عند السلطان الحسن الأول، وعُسر اسقاطه على البنيات الاجتماعية والاقتصادية العتيقة...ليصل بالقارئ نحو توضيح بعض مواقف أهل الحل والعِقد وخاصَّة الخاصَّة من هذا الإصلاح كجزء من العطب البنيوي الذي لا يزال يَرهن كل مخططات المغرب في ماضيه وحاضره...
 ينتقل العروي بالقارئ إلى إشكالية "الحماية الأجنبية" في بداية القرن الماضي، واستمراريات التقليد والتحديث في قلب بِنية الجهاز المخزني كمظهر من مظاهر الإصلاح الذي ارتضته فرنسا بعد إنجاز مرحلة المسح المعرفي والاثنولوجي والأنثربولوجي الشامل لكل ميكانيزمات المجتمع المغربي، كما يتقصى العروي من داخل هذا الكتاب مسار رد الفعل الوطني تجاه منظومة الحماية، من خلال مواقف قياديي الحركة الوطنية المسلحة والسياسية، وُصولاً إلى فترة التاريخ الراهن، التي أفرزت نوعا من  التجاذب الحاد حول شرعية السلطة بين القصر الملكي والقوى الوطنية بمغرب الاستقلال....
 حاصل القول، يُقدِّمُ العروي متابعة سياسية حول القضايا الصاخبة التي تعتمل في مغرب اليوم...ويجيب عن بعض مفارقاتها، كما يقفز عن أخرى حسب منطق الكاتب والكتاب...