الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد حمزة: الماركسية التاريخية و التقدم الممكن لا حتمي

محمد حمزة: الماركسية  التاريخية و التقدم الممكن لا حتمي محمد حمزة
وإذا كانت الماركسية (التي كذب تنبؤها التاريخ، يقول سمير أمين)، قد تنبأت بأن الرأسمالية ستنجز أولا وبسرعة مهمتها التاريخية – المتمثلة في إدماج كل المجتمعات البسيطة في نظام اجتماعي واحد مقلصة تدريجيا كل التناقضات إلى التناقض الوحيد والمركزي من بينها ذلك الذي يظهر من خلال صراع البورجوازية / البرولتاريا، على قاعدة نظام اقتصادي متجانس نسبيا، ثم وبنفس الطريقة سيكون عليها تهييء انتقال الإنسانية في مجموعها إلى المجتمع "اللاطبقي" الجديد في زمن تاريخي قصير نسبيا وبعبارة أخرى، فإن ماركس نظر للرأسمالية والإشتراكية كما لو كانا نظامين منفصلين بواسطة جدار صيني ذلك الذي يمكن نعته بالثورة الإشتراكية. نظامان غير متطابقين وغير قادرين على التعايش. ويتم ذلك صراعيا في كنف مجتمع واحد بعينه.
إن هذه النظرة لم تسثن بطبيعة الحال التعايش الصراعي لمجموعتي المجتمعات خلال فترة زمنية معينة، يشرط أن تكون هذه الفترة قصيرة نسبيا مادامت الإشتراكية المنجزة لا يمكن إلا أن تكون عالمية.
إن التطور التاريخي للرأسمالية ينفي هذه الأطروحة، فرغم أن الرأسمالية عبرت عن قدرة هائلة على التلاؤم مع مطالب القوى المضادة للنظام الذي تولد من تطورها الخاص فإن إمكانية النضال من داخلها من أجل "مجتمع أفضل" وديمقراطية أكثر حضارة ممكنة لأن الحضارة التي أنتجتها الرأسمالية المعولمة هي غير مكتملة وليس أبدية. ومن تم يطرح سمير أمين الانتقال إلى الاشتراكية من داخل المجتمع الرأسمالي .
فليس للاشتراكية من معنى إلا إذا اقترحت عاما أفضل من عالم اليوم، أي حضارة ديمقراطية جديدة ومعرفة ملائمة تعلم الفهم كوسيلة وغاية للتواصل الإنساني وترسيخ الأخلاق في العقول عبر تعليم الوعي بكون الإنسان هو في الوقت ذاته فرد وجزء من مجتمع وجزء من تنوع، وتطوير أنواع استقلالية الفرد والمساهمة الجماعية والوعي بالانتماء وللنوع البشري، وبناء علاقة المراقبة المتبادلة بين المجتمع والأفراد عن طريق الديمقراطية،وتحقيق البشرية كجماعة كوكبية حسب تعبير ادعار موران.
على الإشتراكية، أيضا، أن تخرج من ثنائية الرفض المبدئي لأي صيغة من صيغ الاقتصاد المسمى، اقتصاد السوق، من أجل تعويضه بتخطيط ممركز وبيروقراطي (لم تكن له سمات شعار العالم الأفضل) أو الإخضاع المطلق وإعادة الإنتاج الاجتماعي لإكراهات السوق، بتدقيق للأهداف والوسائل (القانونية، الإدارية، التنظيمية، الاجتماعية والسياسية) الممكنة من تأطير السوق وجعلها في خدمة إعادة انتاج اجتماعي ضامنة للتقدم الاجتماعي (التشغيل، أكبر مساواة ممكنة).
إن التخلي عن التقدم الحتمي حسب ما تمليه "قوانين التاريخ"، يقول ادعار موران لا يعني التخلي عن التقدم الحتمي ككل، بقدر ما يعني أنه بطابعه هذا هو لا يقيني وهش، فالتخلي عن التطلع نحو أفضل العوالم ، ليس هو على الإطلاق التخلي عن الأمل في عالم أفضل.
للأسف غالبا ما شهدنا خلال مجرى التاريخ، أن الممكن قد يصبح مستحيلا، ويمكننا أن نستشعر كيف أن الإمكانات البشرية الأكثر غنى لا زالت بعد من المستحيل تحقيقها، ولكننا شاهدنا كذلك أن غير المأمول يصبح ممكنا، وقابلا للتحقيق، وغالبا ما عاينا كيف أن اللا محتمل، قد يتحقق أكثر من المحتمل، لنتعلم إذن كيف نأمل في تحقيق ما يبدو غير مأمول، ولنتعلم كيف نراهن على ما هو غير محتمل الآن إنه العالم الأفضل وعالم الديمقراطية الإشتراكية الحضارية؛ كمشروع قابل للانجاز بمخارج محتملة ولم ينجز بعد.