الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

نزهة الصقلي: المغرب فشل في إخراج الناس من الفقر والهشاشة لأن كل "مسؤول كيعوم في بحرو"

نزهة الصقلي: المغرب فشل في إخراج الناس من الفقر والهشاشة لأن كل "مسؤول كيعوم في بحرو" نزهة الصقلي

تعتبر نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة سابقا، في هذا الحوار، أن السياسات العمومية مطالبة بتوسيع مدارها، وينبغي ألا تظل تعتبر الفئات الهشة، التي تعد من مكونات المجتمع، هامشية، بل على العكس هي في صلب التنمية.. مضيفة أن نقطة الضعف في السياسات العمومية في المغرب هي عدم التقائية السياسات العمومية، إذ لا يمكن مثلا العثور على زنقة بالدار البيضاء غير محفورة بسبب عدم التنسيق بين المتدخلين. وأشارت الوزيرة السابقة، في ما يخص التمدرس لبعض الفئات، أن وزارة التربية الوطنية لا تتكلف نهائيا بالأشخاص في وضعية إعاقة، بل تفوض أمر تدريسهم إلى المجتمع المدني.. فالتمدرس، تقول نزهة الصقلي يهم الجميع بمن فيهم الموجودون في وضعية إعاقة، وكذا فتيات العالم القروي...

+ يتميز المغرب بتعدد البرامج المتعلقة بالمجال الاجتماعي (محاربة السكن غير اللائق، دعم الأرامل، دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، التأهيل الحضري، التماسك الاجتماعي..)، ولكن الملاحظ بدل أن تنتشل هذه البرامج قطاعا عريضا من المواطنين من الفقر وتدخلهم في حالة «اليسر» نجد أن هوة الفقر ما فتئت تتسع، ومستويات الهشاشة تنتشر، فما هو السبب في نظرك؟

- سأحاول تقديم رؤية عامة عما طرحته، وأنا أتقاسم معكم الصورة التي عبرتم عنها وحتى، وإن كان جانب منها كاريكاتوريا، فإنه يمكن أن نستخلص منه الدروس، وهي نفس الصورة التي كنت أوظفها لما كنت على رأس وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن. فبالنظر للمهام المخولة لهذه الوزارة، وهي النهوض بأوضاع النساء والأطفال والأشخاص المسنين والأشخاص في وضعية إعاقة، والأشخاص الذين يعانون من الفقر والإقصاء، أي ما يمثل 70 في المائة من الساكنة.. بالمقابل فإن ميزانية الوزارة آنذاك كانت لا تتعدى 0.3 في المائة من مجموع القانون المالي، أي ما يعادل 600 مليون درهم. وللإشارة، فإن وزارة التنمية الاجتماعية ليست الوحيدة التي تضطلع بالعناية بهذه الفئات المذكورة.. فهناك أيضا وزارة التربية الوطنية، وزارة السكنى والتعمير، وزارة الصحة.. ويمكن القول إن السياسات العمومية تحمل رؤية كون المواطن النموذجي يظل خارج الإطار الذي ذكرته، وكنت دائما أقول إنه باستثناء الرجال والشباب من الفئة الميسورة، ومن هم في صحة جيدة، فباقي الرجال ككل يدخلون في هذا الإطار. ولهذا السبب أقول إن السياسات العمومية مطالبة بتوسيع مدارها، وألا تظل تعتبر هذه الفئات الهشة التي تعد من مكونات المجتمع هامشية، بل هي في صلب التنمية. ومن وجهة نظر أخرى، لو أخذنا مثال الأشخاص المسنين الذين وضعت لفائدتهم أول استراتيجية وطنية للنهوض بأوضاعهم، فقد كانوا يتوجهون لي بطلب واحد، وهو إيلاء النساء العناية الخاصة في برامج الوزارة..

+ لماذا في نظرك هذا الإلحاح؟

- بدوري كنت أستفسرهم عن هذا الطلب، فيكون جوابهم: «كون ما كانوش النساء كون راه احنا مليوحين في الزناقي..» وهذا يبين أهمية الأسرة وأدوارها التضامنية في المجتمع، وللأسف نطرح السؤال أين هي الأسرة من السياسات العمومية؟

+ على اختلاف الحكومات التي تعاقبت، يلاحظ أن المغرب لم يفلح في ضمان تنسيق وتلاؤم التدخل العمومي، حتى تتحقق المردودية المطلوبة، في نظرك لماذا؟

- أعتقد أن نقطة الضعف في السياسات العمومية في المغرب هي عدم التقائية السياسات العمومية، وسأعطيك مثال الدار البيضاء، فلا يمكن العثور على زنقة غير محفورة بسبب عدم التنسيق بين المتدخلين (الحفر لمد الألياف البصرية، الحفر لمد قنوات التطهير..) يعني هناك غياب التقائية حقيقية للسياسات العمومية. واسمح لي لتقديم مثال آخر يتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تظل في تصورها نموذجية، لأنها مبنية على مبادئ جيدة (التقائية القطاعات الحكومية، المقاربة التشاركية على الصعيد المحلي، إشراك المنتخبين والسلطات المحلية والمجتمع المدني..)، والتي تحقق كل النتائج المرجوة. مثلا هناك تراجع ملحوظ لنسبة الفقر في الجماعات التي استفادت من المبادرة، لكن المشكل الذي تواجهه هذه المبادرة هو أنها تحارب فشل السياسات العمومية التي تخلف الإقصاء والتهميش لعدد من الفئات.. وسأعطيك مثال آخر فيما يخص التعليم، نتحدث عن تحقيق نسبة 97 في المائة من نسبة التمدرس، وهي نسبة مهمة جدا، لكن بالنسبة لي ليست جيدة ما دمنا لم نحدد هوية النسبة المتبقية من غير الممدرسين، نجد أيضا أن وزارة التربية الوطنية لا تتكلف نهائيا بالأشخاص في وضعية إعاقة، وتفوض أمر تدريسهم إلى المجتمع المدني، وأنا الوحيدة التي أطلقت عليه هذه التسمية على غرار تفويض قطاع النظافة وتدبير الماء والكهرباء.. وقد كنت أعاين أرقاما كبيرة في المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية مخولة للأشخاص في وضعية إعاقة دون أن تصرفها الوزارة لأنها تعتبر العناية بهم يدخل ضمن مهام وزارة التنمية الاجتماعية، وكنت دائما أسمع تبريرات واهية من قبيل «إعطاء الأولوية للأسوياء، وفيما بعد للمعاقين»، وكأننا أمام تراتبية مواطناتية في الاستفادة من السياسة العمومية، ولا يعقل أن تضع وزارة معينة الاهتمام بتعليم الأطفال، وفي نفس الوقت تقوم بتمييز بينهم على أساس حركيتهم وجنسهم! فالتمدرس يهم الجميع بمن فيهم الموجودون في وضعية إعاقة، وكذا فتيات العالم القروي. ومن غير المقبول الدفع بمبررات واهية من قبيل أن هذه المسائل ليست من اختصاص هذه الجهة أو تلك. ولأهمية وزارة التربية الوطنية، أقترح ان يكون وزيرها نائبا لرئيس الحكومة حتى تكون لها سلطة التأثير على باقي الوزارات. إذ لا يعقل أن تضع الوزارة استراتيجية تعميم التمدرس والحال أن وزارة التجهيز قاصرة في مد الطرق للعالم القروي.

للأسف فشل السياسة العمومية في المجال الاجتماعي يعود بالأساس لعدم وجود التقائية البرامج وتناسق التدخلات، وكل قطاع يتذرع بأن أي تدخل ليس في اختصاصه ليس من مهامه، ويصبح الاشتغال بعيدا عن منطق العمل من المنصة، وهذا أمر طبيعي إذا وجدنا الحكومات تتشكل من مختلف الأحزاب ومن مختلف الأشخاص وكل "واحد كيعوم في بحرو".

+ لكن إلى متى سنستمر في هذا العبث الذي يعد إهدارا للإمكانيات كما يشكل ضغطا على الخاضعين للتكليف الضريبي، من حيث عدم اطمئنانهم لمجالات صرف ضرائبهم؟

- لابد من تشخيص الوضع أولا. أعتقد أن المشكل مرتبط بالحكامة، ولهذا لابد من العودة إلى الدستور فهو يشكل ميثاقا توافقيا مبنيا على مجموعة من المبادئ المتفق عليها، ولكن في الواقع لا أثر لهذا التوافق. وسأعطيك على سبيل المثال الفصل الأول من الدستور: نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية، ومبني على فصل السلط والتوازن والتعاون بين السلط، وعلى الديمقراطية المواطنة والتشاركية. أولا فصل السلط لا وجود له، فالعلاقة بين البرلمان والحكومة هي علاقة تراتبية، إذ أن الحكومة تحكم والبرلمان ينفذ.

سأعطيك مثال ميثاق الأغلبية الذي ينص على أهمية التفاهم بين الفرق البرلمانية، على أساس اللجوء إلى اجتماع رؤساء فرق الأغلبية في حالة إذا لم يتم الاتفاق، واللجوء بعد ذلك إلى اجتماع رؤساء الأحزاب في حالة عدم التوصل إلى اتفاق، علما أن غالبية رؤساء الأحزاب هم أعضاء في الحكومة. فلما كنت برلمانية عام 2016 في عهد حكومة بنكيران كان الأمناء العامون لأحزاب الأغلبية كلهم وزراء، ومن هذا المنطلق كانوا يأمرون بالتصويت لفائدة الحكومة التي يشتغلون فيها، ليقتصر دور الأغلبية في الأول والأخير على مساندة الحكومة، وإذا تجرأ أحد على معارضة توجهات الأغلبية الحكومية، فإن عقوبته التوبيخ.. وهذا ما وقع لي شخصيا، لما صوتت ضد بعض النقط في مشاريع قوانين أعدتها الحكومة انسجاما مع قناعاتي الراسخة، وكأن تصويت برلماني من الأغلبية  ضد الأغلبية يعتبر خطأ سياسيا.. صحيح أنه من المفترض أن تصوت الأغلبية للأغلبية ولكن ليس بشكل ميكانيكي. إذن، ليس لدينا فصل للسلط، بل هناك تراتبية. وفيما يتعلق بالتوازن والتعاون بين السلط فلا وجود لهذا التوازن، بل هناك انضباط لما تقرره الأغلبية الحكومية من طرف الأغلبية البرلمانية. وبخصوص الديمقراطية المواطنة، أتساءل عن دور المجتمع المدني الذي يلعب أدوارا أساسية. فمجموعة من القطاعات العمومية مفوضة للمجتمع المدني، فكيف تتعامل السلطات العمومية مع المجتمع المدني؟ تتعامل معه بالانتقادات اللاذعة، وتدعو إلى مراقبة مالية الجمعيات وإلى حرمانهم من الدعم، وأعطي مثال مدرسة الصم والبكم في الدار البيضاء ومدرسة المعاقين ذهنيا بحي النخيل بالمعاريف التي لا تستفيد من الدعم. وأنا لست بصدد الدفاع عن الجمعيات بل دفاعا عن المنطق، فما ذنب المستفيدين من خدمات هذه الجمعيات؟ فإذا كانت السلطات العمومية تدقق في ما يتعلق بالشروط المطلوبة من أجل تقديم الدعم فلابد أيضا من استحضار معاناة الأطفال المستفيدين من خدمات هذه الجمعيات. لذا لابد من الاستمرار في الخدمة العمومية المفوضة، وفي الوقت نفسه التطبيق الصارم للقانون لتصحيح الأوضاع المختلة إن وجدت. ويمكن أن نستحضر أيضا السياسات العمومية الخاصة بحماية الطفولة، وقد سبق لي أن وضعت خطة عمل على صعيد جهوي (نموذج الدار البيضاء وأكادير)، وهي خطة تميزت بالالتقائية المجالية حول الطفولة، وهو عمل دام لمدة سنتين وجمع بين وزارتي العدل والتربية الوطنية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، المجتمع المدني، وقمنا بتشخيص مبني على دراسات تهم أطفال الشوارع والأطفال الذين يشتغلون، وتساءلنا هل يعقل مدينة كالدار البيضاء بحجمها وبالموارد الهامة التي تتوفر عليها وروح المواطنة المتوفرة، ومع ذلك ليست لها القدرة على القضاء على الظواهر المشينة تجاه الطفل. فالأمر هنا يتوقف عند التنسيق على الصعيد المجالي، وكان من الممكن الوصول إلى نتيجة لكن مع الأسف مع تعيين حكومة جديدة عام 2011 انتهى كل شيء، وأصبحت كل المجهودات الكبيرة التي بذلت جزءا من الماضي.

+ إذا أخذنا حالة المغرب مقارنة مع دول أخرى، مثل البرازيل والمكسيك وتركيا، فهم استطاعوا في ولايتين تشريعيتين أو ثلاث أن ينتشلوا مجموعة هائلة من المواطنين من الهشاشة ومن الفقر، فلماذا نجحت هذه الدول في ما أخفق فيه المغرب؟

- منذ عام 2011 وضعنا أسسا حقيقية لإرساء مبادئ حقوق الإنسان ومجموعة من المبادئ التي تضمنها الدستور، والتي تشكل ميثاقا جد متقدم في مجال حقوق الإنسان والتدبير والحكامة.. لكن مباشرة بعد ذلك، وقع تردي وانتكاسة، وعوض استغلال تلك الظروف المواتية، تراجعنا للوراء. وأتذكر أنه مباشرة بعد الانتخابات التشريعية لعام 2011، كتبت مقالا دعوت من خلاله إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني يضم جميع الأحزاب بهدف تنفيذ مضامين الدستور، باعتبار أن ذلك مسؤولية جميع الأحزاب السياسية وليس مسؤولية حزب دون آخر، ومن أجل البحث عن المعضلات التي أدت إلى أجواء حراك 20 فبراير وأقصد الإشكالية الاجتماعية التي تتطلب كفاءات ومعرفة وتعاون بين كل القوى.. والواقع أنه لم يكن لدينا أي تصور سواء لعمل الأغلبية أو المعارضة، وهو الوضع الذي لازال قائما لحد الآن، بل هناك محاولات حثيثة لإقصاء المعارضة من طرف الأغلبية، وخصوصا في فترة حكومة رئيسها بنكيران، وأنا لا أقصد هنا الأشخاص بل المؤسسات، حيث قضينا الوقت كله في الشتائم المتبادلة وسعي كل طرف للإطاحة بالآخر.. وأهدرنا وقتا طويلا في شعارات محاربة الفساد وفضح المفسدين، دون أن يتحقق أي شيء.. نحن أمام إهدار للحكامة والتدبير، في الوقت الذي نتوفر على كفاءات عليا في جميع المجالات ونعاين نجاحاتها خارج المغرب. لكن للأسف السياسات العمومية لا تستفيد من خبراتهم، حيث يتم انتقاء الأشخاص تبعا لانتماءاتهم السياسية. فالحزب الفائز ينتقي المنتسبين له حتى وإن كانوا يفتقدون للكفاءة اللازمة في مجال معين، حيث نعتبر أن السياسي له كفاءات في جميع المجالات، وهذا خطأ، بل جريمة.. إننا نعاني من تشتت كبير في السياسات العمومية، لدينا هندسة حكومية لا تخضع للنجاعة وللأهداف التي ينبغي تحقيقها بل تخضع لرغبات الأحزاب. فعلا، كنا نستحق أن نسير بسرعة كبيرة، بالنظر للتضحيات التي قدمت، ووجود مجتمع مدني حي وقوى ديمقراطية وملك يمتلك رؤية وله إرادة لتحقيق التقدم والإنصاف الاجتماعي، كانت لدينا مؤهلات كبيرة كي ننجح في ما يتعلق بتدبير السياسات العمومية، ولكن مع الأسف لم نتمكن من ذلك. أضيف إلى ذلك إشكالية العزوف السياسي وضعف روح المواطنة، لأن المواطنة تترجم في المشاركة في الانتخابات. فثلاثة أرباع من المغاربة لم يشاركوا في الانتخابات (أي 7 ملايين وإذا حذفت منها الأوراق الملغاة، فإن ما يتبقى هو 6 ملايين مقابل 24 مليونا) علما أننا نتوفر على 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح الانتخابية، وهو ما يعني أن الأغلبية والمعارضة لا يشكلون سوى ربع المغاربة، ناهيك عن غياب رؤية تهم تشكيل حكومة معينة لإنجاح السياسات العمومية  التي جاءت في التصريح الذي عرضته أمام البرلمان.