الأحد 19 مايو 2024
مجتمع

محمد حمزة: الكليات تحولت لفضاءات يُحشر في مدرجاتها أبناء وبنات الأسر الفقيرة والأساتذة مجرد مستخدمين

 
 
محمد حمزة: الكليات تحولت لفضاءات يُحشر في مدرجاتها أبناء وبنات الأسر الفقيرة والأساتذة مجرد مستخدمين محمد حمزة

نظمت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، مؤخرا، لقاء وطنيا، خصص لمناقشة موضوع إصلاح بيداغوجي، يتعلق بالإجازة بالنسبة للكليات ذات الاستقطاب المفتوح.. وقد أثار اللقاء جدلا واسعا بين المهتمين. "أنفاس بريس" التقت محمد حمزة، أستاذ التعليم العالي والمنسق الوطني لقطاع الجامعيين الديمقراطيين، وناقشت معه الموضوع، فضلا عن قضايا أخرى مرتبطة بإصلاح التعليم العالي...

+ ما رأيك في اللقاء البيداغوجي المنظم من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بمراكش يومي 2 و3 أكتوبر 2018، حول رجوع الإجازة إلى أربع سنوات؟

- مند 1979 والإصلاحات تتوالى إلى درجة يصعب أن نعطي رقما محددا لها. السؤال المركزي لماذا فشلت الإصلاحات، والذي لا تطرحه الوزارة ولا الحكومة ولا الدولة.. في نظري هناك أعطاب كبيرة في مقاربات الإصلاح. أولها التجزيئية عوض الشمولية، وهذا عطب أول، إذ لا يمكن إصلاح قطاع التعليم عموما والتعليم العالي خصوصا بدون ربطه بالقطاعات الأخرى (التعليم مرتبط بسوق الشغل، وسوق الشغل مرتبط بالنظام الاقتصادي، وهدا الأخير مرتبط بالنظام السياسي. وطبيعة منظومة التربية والتعليم تندرج من تصور مجتمعي متكامل ومتناغم).

العطب الثاني يرتبط بما هي المركزية في وظيفة منظومة التربية والتكوين. بالتدقيق السؤال: هل مركزية المعرفة أسبق من مركزية الهوية، أو العكس؟ لحد الساعة السائد هو تداخل غير منتج بين منظومة قيم الهوية، مما يحدث اضطرابا عميقا في عملية التكوين والتلقين. بذلك لا يمكن لإصلاح شمولي لمنظومة التربية والتكوين النجاح دون الحسم في هذا التردد الحضاري الكبير. ولأن التردد هو السائد، فإن كل مشروع الإصلاح، بما فيه الحالي، يتجنب التطرق للمضامين ويركز على الشكل والقوالب التقنية التي تواكبه. الإصلاح الحالي لا يخرج عن القاعدة، لذلك يتحدث عما يسميه النظام البيداغوجي (نظام الامتحانات، سنوات التكوين، أدوات التقويم، مساطر التوجيه...) في إطار حقول معرفية لا يتم  التساؤل عن مدى مواكبتها للتطور العلمي الهائل الحاصل في العالم ولا مدى ملاءمتها للواقع المغربي، أي مستوى الطلبة الوافدين من الثانوي ومستوى الأساتذة خريجي الجامعات المغربية .

للتوضيح أكثر: لنلق نظرة سريعة على الجغرافية الجامعية في المغرب، فالنسيج الجامعي يتكون من 12 جامعة بها 125 مؤسسة: كليات العلوم الإنسانية والعلوم والعلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية وكليات الطب والصيدلة ومدارس المهندسين ومدارس عليا للتقنيات... إلخ. هذا التوزيع ينبني على تصور للحقول الجامعية مؤسس على نظرة معينة للمعرفة الإنسانية ولحقولها. جغرافيتنا الجامعية تندرج من تصور فرنسي لحقول المعرفة ما قبل سنة 1968. تغير التصور الفرنسي للمعرفة ولحقولها عدة مرات، ولم يتغير التصور المغربي للحقول. لهذا فبداية البدايات هي ثورة معرفية تمكن الجامعة الوطنية من أن تندرج إيجابا في المستويات الحالية للمعرفة الإنسانية.  إذن الأسبقية هي لإصلاح المضامين قبل إصلاح الآليات التقنية للتأطير والتكوين. نجاح الإصلاح في حاجة إلى ثورة معرفية، ولا ثورة معرفية بدون ثورة في المضامين وبدون مسالة الحقول المعرفية التي تجسد المضمون أي مضمون المعرفة، لذلك فشلت الإصلاحات السابقة لأنها تقنية محضة، وكل ما تفرع عنها في شكل توجهات "بيداغوجية" غريبة عن الحقول المعرفية التقليدية، لذلك طبقنا (إجازة – ماستر - دكتوراه) بصيغ متعددة تختلف من كلية لأخرى داخل نفس الجامعة، أما بين الكليات فحدث ولا حرج.

+ هل لقاء مراكش، في نظرك، يدخل بدوره في إطار البحث عن الإصلاح الذي لا ينتهي؟

-  بالطبع إصلاح مراكش لا يختلف في الجوهر عن الإصلاحات التقنية السابقة، تبنت الوزارة الحالية حلولاً جزئية بتبني التكوين الجامعي القصير المدى مع تبني مسالك ومسارات جامعية ممهننة تتمحور مباشرة مع سوق شغل هلامي غير مضمون من جهة، وترميم الأعطاب اللغوية في غياب رؤية شمولية تأخذ بعين الاعتبار العلاقة العضوية التي تربط إصلاح التعليم العالي بالتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي وما لها من تأثير كبير على مردودية فعالية التعليم العالي والبحث العلمي من جهة أخرى، وغياب لاستراتيجية تشغيل كاملة ومتكاملة، وسرعة تغيير في احتياجات سوق العمل، ونقص في البيانات المتوافرة من قبل السوق، وانعكاس ذلك على استجابة مؤسسات التعليم لاحتياجات السوق.

بينما المفارقة قائمة بين سرعة تقلبات سوق الشغل ومتطلباتها وبين زمن التكوين الذي هو، في ظل الأحوال حتى بالنسبة للتكوينات القصيرة، أبطأ من سرعة تقلبات الشغل.. وهذه إحدى المعضلات التي لا تجيب عتها مشاريع، بما فيها الإصلاح الأخير.

+ معنى هذا أن الإصلاح المطروح في لقاء مراكش الأخير لن يخرج عن سابقيه في محدودية الأهداف والآثار؟

- الوزارة لا تتوفر على عدد كاف من المؤسسات المتعددة التخصصات قادرة على إعطاء خريجي الجامعات مهارات جديدة لتسهيل اندماجهم في سوق الشغل المتحركة جدا. إن عدم توفير كتلة  مهمة  من الإمكانات المادية والبشرية من طرف الحكومة، لن تنتج إلا الفشل والإصلاحات المجازية.. المطلوب هو توفير مشروع أرضية للنقاش معدة من طرف كفاءات وعلماء ومفكرين ومختصين في علوم التربية (والمغرب يتوفر على عينة من هذه الأطر).. هذا المشروع يتطرق للمضامين والأنظمة والأنظمة البيداغوجية المواكبة. هذا أولا.. أما ثانيا فتنظيم حوار وطني جدي بين الشعب والهياكل الجامعية المنتخبة وبين كل المكونات الأخرى المهتمة بالعملية التعليمية على قاعدة هذا المشروع الجدي. وثالثا، ابتكار آليات جديدة لبلورة حصيلة هذا النقاش الوطني العام والذي يجب أن يأخذ كل وقته، وأن يتدرج في تصور شمولي يربط التوجه البيداغوجي بمركزية البحث العلمي ودمقرطة الهياكل الجامعية. وللأسف ما زالت النظرة الرسمية إلى القطاع من وجهة مالية صرفة، البحث العلمي مجرد نشاط هامشي، والكليات ذات الولوج المفتوح فضاءات لحشر أبناء وبنات الأسر الفقيرة وذات الدخل المحدود في مدرجات مكتظة، وهيأة التأطير والتدريس مجرد مستخدمين...

خارج هذه المقاربة كل مشاركة سريعة هي مجرد مباركة تصور لا طائل من وراءه، لأنه سيعيد إنتاج الأزمة بتعقيدات أكبر.

نحن نرفض أن نكون أعضاء في غرفة التسجيل، لأن التقنيين أعدوا وقتهم وينتظرون من هيئة رجال ونساء التعليم العالي مشاركتها.. إن حضور الكاتب الوطني وأعضاء من المكتب الوطني خطأ يجب على اللجنة الإدارية تداركه. فلأول مرة غابت النقابة كشريك؛ حيث لم تبرمج كلمة للكاتب الوطني في الافتتاح، وكان الحضور رمزيا وبنفس المستوى مع نقابات أقل تمثيلية، وهذا استخفاف بالنقابة الوطنية للتعليم العالي ولتاريخيها وحجمها النضالي والمواطن  الحقيقي، وهي التي حصلت على أكثر من ثمانين في المائة في انتخابات اللجن الثنائية. على النقابة الوطنية للتعليم العالي أن تعود إلى مكانها الطبيعي، أي المقاربة الشمولية بالدفاع عن الجامعة العمومية والمطالبة بدمقرطتها والانتخاب لكل المسؤولين وتوحيد التعليم العالي وجعل كل التكوينات ما بعد الباكالوريا في الجامعة، والربط بين جودة التكوين والبحث العلمي وظروف الاشتغال وتحسين الفضاء الجامعي وربط إصلاح التعليم العالي بالإصلاح الشامل، لبناء مجتمع الديمقراطية والحداثة والعدالة والمساواة ومجتمع العلم والمواطنة.

والغريب هو ماذا تغير لكي يتبنى المكتب الجديد الهرولة نحو مراكش؟ هل هو انقلاب على المنهجية المناضلة السابقة للمكتب الوطني واللجنة الإدارية الرافض الإصلاح بهذه الصيغة؟ والتي قامت بمعركة نضالية توجت ببلاغين مشتركين.

إلا ان اللقاء الوطني بمراكش تنصل من التزامات الوزارة الوصية من تعاقداتها مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، والمتضمنة في البلاغات المشتركة (ليوم 28 مارس 2018  وليوم 13 أكتوبر 2017)، حيث تم الالتفاف على مراجعة القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي من اجل إرساء الإصلاح البيداغوجي ضمن رؤية تشاركية، واعتباره جزءا أساسيا من عملية الإصلاح الشمولي، وفسح المجال للهياكل الجامعية، انطلاقا من الشعب، ومنحها الوقت الكافي لتدارس إصلاح المنظومة البيداغوجية وتقديم اقتراحات بشأنها التحضير لليوم الوطني. وعن عزم الوزارة في إطار العمل المشترك على تسوية مختلف الملفات التي تم التداول فيها بين الطرفين فيما سبق، خاصة منها (الدرجة "د" في إطار أستاذ مؤهل وفي إطار أستاذ التعليم العالي وكذا الدرجة الاستثنائية في إطار أستاذ التعليم العالي؛ الملف المتعلق بالأقدمية الاعتبارية للأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراه الفرنسية، وإعادة الدينامية إلى عمل اللجن الوظيفية المشتركة المتعلقة بكافة الملفات الواردة في هذا البلاغ ومواصلة الحوار في كل النقاط المتبقية في الملف المطلبي).

+ ما هو موقفك من إحداث نقابات التعليم العالي ذات الانتماء الحزبي، كالنقابة المغربية للتعليم العالي التابعة للبيجيدي، وقد أشرت قبل قليل إلى تغييب النقابة الوطنية كشريك في لقاء مراكش، حيث لم تبرمج كلمة للكاتب الوطني في الافتتاح، وكان الحضور رمزيا، وبنفس المستوى مع نقابات أقل تمثيلية؟

- مبدئيا نحن كفصيل ديمقراطي مع وحدة النقابة الوطنية للتعليم العالي وتمثيليتها لكل الحساسيات المتواجدة داخل هيئة نساء ورحال التعليم العالي، لذلك نعتبر أن التعدد النقابي، فضلا عن كونه حق من حقوق الديمقراطية، يضعف فعل الأساتذة الباحثين، وبالتالي يحد من نجاعة الفعل النقابي. ونحن ضد خلق نقابات حزبية.. وأكدنا كفصيل على خطورة الحركة الانشقاقية ليوم 21 مارس 2015 على مستقبل ووحدة صف الأساتذة الباحثين، ومحاولة كسر شوكة النقابة الوطنية للتعليم العالي. كما دعونا إلى مراجعة هذه الخطوة للحفاظ على وحدة العمل النقابي بالتعليم العالي وعلى مصالح السيدات والسادة الأساتذة الباحثين ومستقبل الجامعة العمومية والتعليم العالي. وأكدنا أيضا على ضرورة تحديث عمل النقابة الوطنية للتعليم العالي عبر قانون أساسي عصري ديمقراطي إشراكي، لتمكين جميع الأساتذة الباحثين، على مختلف انتماءاتهم السياسية وتعبيراتهم الفكرية، من آليات التدبير الديمقراطي للاختلاف والمساهمة في الفعل النقابي الوحدوي.

أما فيما يتعلق بالنقابة الوطنية للتعليم العالي، فهدفنا المبدئي مع تمثيلية جميع الحساسيات، ولذلك ومنذ عقود نطالب بالنسبية. المشكل ليس في تعدد الحساسيات داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي، فذلك عنصر من عناصر غناها، بل في التوجه العام الذي لا يسمح المجال للخوض فيه، والتصور الديمقراطي الذي يصون ويجدد المبادئ التقدمية والوطنية والديمقراطية التاريخية للنقابة، ومعظم اختلافاتنا وليست خلافاتنا مع المكونات الأخرى داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي حول التوجه ووظيفة الجامعة العمومية.

ورغم الحملة الرخيصة التي استهدفت مناضلات ومناضلي قطاع الجامعيين الديمقراطيين من ممثلي بعض الأطراف السياسية المحسوبة على الصف الديمقراطي واليساري، لحسابات حزبية ضيقة، عقابا لهم على التزامهم المبدئي والثابت خلال الولاية السابقة بالدفاع عن الجامعة العمومية والتعليم العمومي، والاستماتة في الدفاع عن مطالب فئات عريضة من الأساتذة الباحثين. إننا كفصيل ديمقراطي نؤكد أن المواقع والمقاعد لم تكن يوما في حساب مناضلي القطاع، وعدم مشاركتنا في المكتب الوطني هي تقدير للمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا كأساتذة ديمقراطيين وتقدميين..

هدفنا في البدء والمنتهى هو صيانة الهوية التقدمية والديمقراطية والنضالية لنقابتنا، خاصة في ظل تنافر مرجعيات ومواقع المكونات التي تشكل المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي (أطراف حكومية، أطراف معارضة، اختلاف المرجعيات الفكرية والسياسية)، والدفاع المبدئي عن القضايا العادلة لنساء ورجال التعليم العالي، والمساهمة في بناء جبهة ديمقراطية حداثية للدفاع عن جامعة وطنية عمومية عصرية ومفتوحة لبنات وأبناء الشعب المغربي.