Friday 4 July 2025
منبر أنفاس

الحسين الدومي: علمانيون على المقاس...

الحسين الدومي: علمانيون على المقاس... الحسين الدومي
في الزوايا المضيئة من الشاشات، يظهرون، يلوّحون بأيديهم كثيرًا، يرفعون نبراتهم أكثر، ويضعون نظارات القراءة كأنهم أتوا من قلب المكتبة لا من صفحات  . "الفايسبوك "  و"تويتر". يقدّمون أنفسهم على أنهم "أصحاب الفكر الحر"؛ ولكن حرية هذا الفكر لا تتجاوز في الغالب مهاجمة الدين، تقليم لحاه، وإعادة تشكيله على هواهم.
 
هم علمانيون نعم، لكن على طريقتهم الخاصة: علمانية تُخيط على المقاس، فيها شراسة ضد النصوص، ونعومة مريبة أمام المال والسلطة والضوء. دفاعهم عن المرأة؟ يبدو نبيلًا في ظاهره، لكن سرعان ما تكتشف أنه مجرد قناع… فالمرأة بالنسبة لهم ليست كائناً حُرًّا بل "مادة استهلاكية" يُطالبون بتحريرها من كل شيء إلا من أعينهم.
 
لا يحملون مشروعًا، بل فقط معاول للهدم. لا يعرضون بدائل، بل يُتقنون الوقوف على أنقاض ما لا يفهمونه. يصمتون طويلاً حين يُطلب منهم الحديث عن القيم أو المواقف، لكنهم يتحولون إلى آلات نُطق لا تهدأ حين يُفتح الباب للغمز واللمز في التراث والدين.
 
ويبدو أن "الجرأة" عندهم لا تكون إلا في الهجوم على الدين، أما الحديث عن الاستبداد أو الفساد أو العدالة؟ فذلك خارج التغطية، لأنه ببساطة لا يدخل ضمن "المجال المسموح". يعيشون أمانًا فكريًا وسط عالم لا يحتمل صوتًا معارضًا حقيقيًا، فيغتنمون غياب التوازن ليظهروا كما لو أنهم أبطال.

هم نتاج لحالة ثقافية مأزومة، حيث المايكروفون يُعطى لمن يملأ الوقت لا لمن يملأ الفكر، وحيث الجدل السطحي يُفضل على الطرح العميق، لأن "الفكر الخفيف" أسهل للهضم، ولا يفسد المزاج العام.
 
في النهاية، لسنا ضد من يختلف، بل ضد من يُقنعنا أن الضجيج فكر، وأن الهدم تنوير، وأن السخرية من الدين هي قمة الوعي. فكر بلا أمانة، حرية بلا حدود، ونقد بلا بدائل... هذا ليس فكرًا، هذا مجرد عرض جانبي في سيرك الحيرة العربية.  
 
الحسين الدومي/ ماجستير في مقارنة الأديان بجامعة محمد الخامس الرباط