قصة مستورة… من ذاكرة مستباحة
هدموه.
حجراً بعد حجر.
جداراً إثر جدار.
كأن الذاكرة لا وزن لها، كأنّ صرخات من بُترت أطرافهم من الغرغرينا، وآهات المرضى، ونظرات الأطباء الثاقبة، وخفقات قلوب الأطباء المقيمين… لم تسكن قط دهاليزه، سواء مع رائحة الإطير ( مادة طبية ومسكنة ) أو غيابه.
حجراً بعد حجر.
جداراً إثر جدار.
كأن الذاكرة لا وزن لها، كأنّ صرخات من بُترت أطرافهم من الغرغرينا، وآهات المرضى، ونظرات الأطباء الثاقبة، وخفقات قلوب الأطباء المقيمين… لم تسكن قط دهاليزه، سواء مع رائحة الإطير ( مادة طبية ومسكنة ) أو غيابه.
ومع ذلك…
في قاعات دروسه، ومدرّجاته العتيقة، وسلالمه التي كان يجدد طلاؤها في المناسبات، مرّت أطياف أمراضٍ لم يعد الغرب يصادفها في مستشفياته.
في قاعات دروسه، ومدرّجاته العتيقة، وسلالمه التي كان يجدد طلاؤها في المناسبات، مرّت أطياف أمراضٍ لم يعد الغرب يصادفها في مستشفياته.
الزهري، السيفيليس او النوار
المُتنكر الماكر.
الخديعة التي تمشي على قدمين.
المومس التي لا وطن لها.
المُتنكر الماكر.
الخديعة التي تمشي على قدمين.
المومس التي لا وطن لها.
في زاوية معتمة من غرفة الحراسة الليلية، وتحت ضوء نيون متقطع، رأى طالب طبٍّ شابٌ لأول مرة ما كان يسميه أستاذه العجوز بصوته الغليظ:
"القرحة الصلبة"...
"النُّوّار"...
"الزهري".
لم يفهم بعد.
كان شيئاً صغيراً، لا يؤلم، لا يلفت النظر.
لكنه كان هناك.
بداية جحيم طويل، ماكر، خبيث.
"القرحة الصلبة"...
"النُّوّار"...
"الزهري".
لم يفهم بعد.
كان شيئاً صغيراً، لا يؤلم، لا يلفت النظر.
لكنه كان هناك.
بداية جحيم طويل، ماكر، خبيث.
ثم، في الطابق الرابع، على صدر مريض-سجين، ظهرت بقع وردية كأنها ندى شاحب... طفح جلدي عابر، لا يريد إلا أن يرقص للحظة فوق الجلد، قبل أن يختفي في عمق الدم.....إنه السيفيليس في مراحله الثانية.
وفي الفصل الأخير من هذاده الدراما…
تظهر السيفيليس الثالثة... الزهري العصبي
تظهر السيفيليس الثالثة... الزهري العصبي
عندما يبدأ العقل في الترنّح، والفكر في الانهيار.
عندما يتحوّل الإنسان إلى أنقاض نفسه.
كما حدث مع غي دي موباسان، ذلك المفتن بالكلمات، سيد التفاصيل، الذي غرق في جنونٍ حزينٍ، عارٍ، عبثي...
راح يهمس لنفسه، يراسل أصدقاء ماتوا منذ أعوام.
بسبب الزهري الذي اصاب دماغه.
صامت.
لكنّ عزيمته لا تلين.
كان ينهش فصّه الأمامي، يقطع خيوط المنطق بخنجرٍ غير مرئي.
راح يهمس لنفسه، يراسل أصدقاء ماتوا منذ أعوام.
بسبب الزهري الذي اصاب دماغه.
صامت.
لكنّ عزيمته لا تلين.
كان ينهش فصّه الأمامي، يقطع خيوط المنطق بخنجرٍ غير مرئي.
ونيتشه؟
لقد بدأ بالصراخ في كتبه قبل أن يصمت في واقعه.
كان يرى زرادشت يمشي في الفراغ، حيث لا يرى الآخرون شيئاً.
لقد بدأ بالصراخ في كتبه قبل أن يصمت في واقعه.
كان يرى زرادشت يمشي في الفراغ، حيث لا يرى الآخرون شيئاً.
الخبل ابتلعه.
مرض الزهري؟ غالبا.
لكنّ هذا المرض لا يقتل العقل فوراً، بل يشعل فيه ناراً أخيرة… تألقاً عبقرياً محموماً، قبل أن يحرق كل شيء.
مرض الزهري؟ غالبا.
لكنّ هذا المرض لا يقتل العقل فوراً، بل يشعل فيه ناراً أخيرة… تألقاً عبقرياً محموماً، قبل أن يحرق كل شيء.
... أما أطباء المغرب، أبناء قاعات ابن سينا الباردة، فلم يقرأوا الزهري فقط في الكتب.
لقد رأوه.
على أجساد حية.
في أسرّة ضيّقة، تحت أغطية بالية.
استمعوا، فحصوا، شخّصوا، نظّفوا، وعالجوا.
على أجساد حية.
في أسرّة ضيّقة، تحت أغطية بالية.
استمعوا، فحصوا، شخّصوا، نظّفوا، وعالجوا.
تعلّموا أن يميزوه من رائحة الجرح، من نبرة الصوت، من نظرة رجل صغير السنّ عجوز النظرات.
اليوم... لم يعد هناك مستشفى إبن سينا
لكنه، مرض الزهري، لم يرحل.
لكنه، مرض الزهري، لم يرحل.
لا يزال يتجوّل… متنكّراً، أنيقاً أحياناً، في بذلة وربطة عنق، أو في سروال جينز.
يسكن المراقص والملاهي، السجون والفنادق... وتلك "الفنادق الخاصة".
نيتشه لم يعد هنا ليصرخ.
موباسان رحل ولن يكتب.
موباسان رحل ولن يكتب.
لكن أدمغتهما التي التهمها اللولبيّ الشاحب" ميكروب السيفيليس" ، ما زالت كتاباتهما دامغة داخل هذا القرن المتغطرس.
أما ابن سينا، ذاك المستشفى الذي دمر وانهار بفعل الجرافات، فقد كان يعلم.
كان يشهد.
وكان يُعلّم.
كان يشهد.
وكان يُعلّم.
هدموا جدرانه...
لكنّ أشباحه لا تزال تمشي.
لكنّ أشباحه لا تزال تمشي.
احذروا من كوابيس الجرافات...
ومن شبح مرض الزهري وخادمه المطيع " التريبونيم" الذي لا ينام ولا زال ينهش الارحام والعباد.
ومن شبح مرض الزهري وخادمه المطيع " التريبونيم" الذي لا ينام ولا زال ينهش الارحام والعباد.