السبت 20 إبريل 2024
ملفات الوطن الآن

نهاية المدرسة العمومية بتوصية من بنكيران وإخراج عزيمان!

نهاية المدرسة العمومية بتوصية من بنكيران وإخراج عزيمان!

على الرغم من تعدد المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي همت المجال التعليمي خلال السنة الجارية، وتفاوت أماكن تنظيمها من مدينة إلى أخرى. غير أن خاتمتها أبت إلا أن تكون شاملة جامعة، ومتوجة بالوقوف إلى جانب المدرسة العمومية كمكسب لا يكمن تصور المجتمع بدونه، بعد أن لوحظ تشديد الخناق عليها بطوق ضرب المجانية. وعليه، تقرر أن يكون يوم الـ18 من دجنبر 2016 موعد انتفاضة سخط وطني عارم. على أساس الشريحة الواسعة التي تمسها الإساءة لهذا المرفق الحساس، والأبعاد الناتجة من وراء خوصصته نتيجة رفع الدولة ليدها عنه. الأمر الذي سيكرس فوارق طبقية لا تضمن حق تكافؤ الفرص، ومن ثمة الدفع بذوي الإمكانيات إلى الاستفادة من الخدمات المدرسية، مقابل الإلقاء بالأغلبية الكادحة في عتمات المجهول. هذا طبعا، عقب أن مضت مقدمات تمهيدية سابقة لدق ذلك المسمار الأخير، فاستفحل الخصاص في الأطر، وعم الاكتظاظ داخل الفصول، كما قصف المدرس بهتك وضعيته النظامية وجعله مياويا بالعقدة. «الوطن الآن» ومن أجل تسليط الضوء على الحدث المرتقب، الأحد المقبل، وتشريح تفاصيله من حيث الخلفيات والتداعيات المحتملة، كانت لها لقاءات حوارية مع مجموعة من الفعاليات المشاركة، كل من موقعها...

صافي الدين البدالي، عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي

تبرير قرار إلغاء مجانية التعليم من أجل إصلاحه أكذوبة القرن

إن ما يعرفه التعليم في بلادنا من تقهقر شامل، وعلى جميع المستويات، أصاب في العمق الناشئة والأسر المغربية، بل مستقبل البلاد ككل. فكل المؤشرات تؤكد بأن السياسة التعليمية التي تم إتباعها منذ الاستقلال لا تخدم إلا الطبقة الحاكمة ولا تكرس إلا الطبقية والتبعية. وما تبرير قرار إلغاء مجانية التعليم من أجل إصلاحه يعتبر أكذوبة القرن، لأن التعليم في بلادنا ليس في حاجة إلى إصلاح تبدد وتنهب فيه الأموال الطائلة (البرنامج الاستعجالي 33 ملير درهم، مدرسة النجاح) كنماذج لنهب وتبديد مال قطاع التعليم، ناهيك عن تكلفة تعويضات ما يسمى بالخبراء التربويين، بل يحتاج إلى عزيمة سياسية تجعل التعليم العمومي مركز اهتمام الدولة أفقيا وعموديا وحقلا للبحث والإبداع واستثمار القدرات والمهارات والمبادرات المحلية والوطنية بالارتكاز على المقاربات الحديثة التشاركية والتواصلية والتدبير العقلاني للموارد البشرية والمالية وربط المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة والتقويم السليم للنتائج والتحفيز بناء على المردودية التربوية ومحاربة ظاهرة الموظفين الأشباح، حتى يكون بذلك التعليم هو أساس أي تنمية شاملة وتطور اجتماعي سليم والإقلاع عن السياسة التعليمية التي ظلت تمهد منذ الاستقلال إلى سلب أبناء الشعب هويتهم الوطنية والتفكير العلمي والإبداع والتحليل والاستدلال والاستنتاج لفهم الواقع والتعاطي الإيجابي معه والإقلاع عن اعتماد أدوات تربوية عتيقة لا تساعد على الاكتشاف ولا على اكتساب الكفايات والمهارات التي تؤهل الطفل إلى الانخراط الإيجابي في المجتمع والتراجع عن تمكين التعليم الخصوصي بجميع التسهيلات الذي يسعى إلى إرضاء أبناء الطبقة الميسورة وتأهيلهم إلى المناصب الحساسة في المؤسسات الاستراتيجية كالمؤسسات المالية والتجارية وغيرها ذات الارتباط.
إن وضعية التعليم في بلادنا وما آلت إليه رغم كل الخطابات الرسمية والتبريرات لها، لم تأت بسبب عطب تقني في الآلة التعليمية أو بسبب أزمة اجتماعية أو اقتصادية فرضتها تحولات لم تكن في الحسبان، ولكنها وضعية ناتجة عن نوايا استعمارية تؤسس لتعليم طبقي في إطار التوجه العام للنظام المخزني الذي يهدف إلى تكريس الفوارق الاجتماعية من خلال المؤسسة التعليمية والجامعية وذلك تماشيا مع استراتيجية المقيم العام الفرنسي «اليوطي» في مذكرة وجهها إلى المدير العام للتعليم «كلستون لوت» بتاريخ 30 أكتوبر 1915 تنص على تخصيص مدارس خاصة لأبناء الأعيان تمكنهم من ولوج الأسلاك العليا قصد توليهم مناصب عليا في أفق تنظيم الإدارة المخزنية، وبالمقابل تخصيص مدارس من نوع ثان لأبناء العمال والحرفيين والفلاحين لتطوير معارفهم قصد الدخول إلى المزاحمة على مستوى الأسواق.
وهكذا تم التخطيط للتعليم في البلاد حتى لا يؤدي دوره الطلائعي كسائر البلدان المتقدمة بدءا من إجهاض شعار المدرسة الوطنية غداة الاستقلال إلى تعليم يؤدي الوظيفة الاجتماعية والإيديولوجية للطبقة السائدة ضدا على الكيان الاجتماعي كنظام من العلاقات الثقافية والنفسية والاجتماعية بين الأطفال بالمدارس وبين الشباب باعتماد الوصفات الجاهزة للعملية/التعلمية من إعداد مرتزقة تربويين أجانب من فرنسا وبلجيكا وكندا لتكريس سياسة التبعية التي ظل الشعب المغربي يعيش ويلاتها حتى الآن. وهكذا وحتى لا يؤدي التعليم في بلادنا دوره الطلائعي تم إبعاده وبشكل ممنهج عن التطور المستمر الذي تعرفه النظم التعليمية والتربوية في العالم.

منير بن صالح، رئيس حركة أنفاس الديمقراطية

سنستمر في مقاومة كل أشكال تبضيع التعليم وإخضاعه لمنطق السوق

* في أي سياق يمكن إدراج احتجاجاتكم في 18 دجنبر، هل في سياق ضرب مجانية التعليم أم أن هناك مطالب أخرى عجلت بخروجكم الى الشارع؟
- سبق لحركتنا أن أصدرت تقريرا مع شركائنا تم رفعه للحكومة ولمجلس الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولحقوق الطفل حول خوصصة التعليم بالمغرب، جاء فيه على سبيل المثال أن نسبة التلاميذ في القطاع الخاص لم يكن يتجاوز 4 في المائة سنة إصدار «الميثاق الوطني للتربية والتعليم»، لتتجاوز النسبة 13 بالمائة في 2013 ويمكن أن تصل بنفس الوتيرة 98 بالمائة في 2038. وكان مجلس الأمم المتحدة قد أصدر توصيات هامة تدعو الحكومة المغربية إلى «الوفاء بالتزاماتها بخصوص ضمان تعليم ذي جودة ومتاح للجميع بدون تمييز»، كما طالبنا به في التقرير.
إننا في حركة أنفاس، بمعية كل شركائنا التقدميين في المغرب وعبر العالم، سنستمر في مقاومة كل أشكال تبضيع التعليم وإخضاعه لمنطق السوق. إنهم اليوم، بضغط من المؤسسات النقدية الدولية، يفككون الدولة بتفكيك الخدمات الاجتماعية الأساسية. وكما وقع في الصحة حيث تحوم شكوك حول اقتناء وزير في الحكومة لمصحات خاصة حتى قبل صدور قانون «تحرير رأس مال المصحات لغير المهنيي»، فإنه من اللافت أن يكون لوزراء و مسؤولين بارزين مصالح في مدارس خاصة، والحكومة مقبلة على المزيد من إغلاق المدارس العمومية وتبضيع التعليم.

* مارأيك بخصوص فرض رسوم على التعليم الثانوي، وأيضا تنويع الوضعيات النظامية للمدرس؟ هل يدخل ضمن مخطط خوصصة التعليم العمومي وإخضاعه لمنطق السوق والعرض والطلب؟
- يستمر بالمغرب كما بدول المنطقة مسلسل جس النبض وتمرير القرارات تلو الأخرى في اتجاه التخلي عن التعليم كخدمة عمومية وتبضيعه وإخضاعه لمنطق السوق. فقد سبق لرئيس الحكومة المعين ورئيسها في الولاية السابقة أن عبر صراحة عن رؤيته القائلة بأنه «حان الوقت لترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم»، كما صرحت وزيرة في حكومته: «تشتغل الحكومة من أجل ضمان تنافس حر بين المؤسسات التعليمية. فالتعليم سوق كباقي الأسواق»، وهو ما تصدينا له في حينه عبر بيان «لا لخوصصة الخدمات والمرافق العمومية». إن هذه «الرؤية» الحكومية تتبنى انصياعا مذلا لأوامر المؤسسات النقدية الدولية (التي يفتخر وزير في الحكومة السابقة بأن «المغرب تلميذ نجيب» لها)، وسبق و عبرنا عن شديد قلقنا بخصوصها بمعية شركائنا في المنطقة مذكرين بأن نضالنا من أجل تقوية الدول الوطنية بمنطقتنا وتعزيز الديمقراطية يمر أساسا عبر بناء دول قوية تكفل لمواطنيها خدمات أساسية مجانية وذات جودة، تكون في صلب العقد الإجتماعي، وأن تسليع وخوصصة الخدمات الأساسية سيؤدي إلى المزيد من التفاوتات الاجتماعية والاضطرابات.

* الحكومة تتحدث عن تنويع مصادر تمويل الدولة، فهل ضرب مجانية التعليم يدخل في إطار خضوعها لإملاءات المؤسسات الدولية. وبالتالي تقديم الدولة لإستقالتها من مهامها في توفير الخدمات الإجتماعية فما خطورة ذلك على السلم الإجتماعي؟
- لقد اعتبرت حركة أنفاس الديمقراطية مسألة التعليم ضمن أهم أولويات «المغرب الذي نريد»، حيث «يعاد فيه الاعتبار للخدمة العمومية، كحق من حقوق المواطن وكمحرك أساسي لعجلة الاقتصاد الوطني، وعلى رأسها المدرسة والمستشفى العموميين». فقد كانت إحدى أولى وأهم وثائقنا التي عرضناها للنقاش العمومي وراسلنا بها الحكومة ومؤسسات الحكامة هي وثيقة «المدرسة المغربية: أية منظومة تربوية لأي مشروع مجتمعي»، حيث أوضحت الحركة: «أن المدرسة المغربية، نظرا لوضعها المركزي، يجب أساسا أن تكون مؤسسة أساسية لتمرير وتلقين قيم المشروع المجتمعي الوطني، ومصعدا اجتماعيا، وحلقة ضرورية للتنمية الثقافية والاجتماعية و الاقتصادية بالمغرب. إن الدولة، كما نتصورها نحن، يجب عليها أن تتحمل مسؤولية من الدرجة الأولى في هدا القطاع. إن المدرسة المغربية سائرة في إفلاسها. إنها اليوم تديم الفوارق الاجتماعية ولا تضمن البتة تساوي الفرص: لا وجود للاختلاط الاجتماعي، انعدام الرؤية لدور المصعد الاجتماعي، فوارق في الولوج للثقافة والعلوم..

رشيد العلوي، عضو لجنة المتابعة للتشاور حول الجبهة الوطنية للدفاع عن مجانية التعليم

«عفاريت بنكيران وتماسيحه» هي التي ينبغي أن تمول التعليم

سبق لبنكيران أن صرح بأنه جاء لمحاربة التماسيح والعفاريت قبل أن يعترف بهزيمته في مواجهتهم، وهو نفس الشخص الذي قال عفا الله عما سلف عام فقط بعد حراك 20 فبراير 2011 الذي طالب بمحاربة الفساد.. فهؤلاء هم الذين ينبغي عليهم تحمل مسؤولية تمويل التعليم وميزانية الدولة.. التهرب الضريبي وإعفاء المدارس الخصوصية من الأداء، والذي تم الزيادة في نسبته عام 2015، وأيضا إعفاء الفلاحين الكبار لمدة 30 سنة، لماذا فرض رسوم على التعليم الثانوي؟ لأن التعليم الثانوي هو الوحيد الذي لم ينجح فيه القطاع الخاص، لأن الناس لم يرضخوا لتلبية رغبات سماسرة التعليم الخصوصي، أما التعليم الإبتدائي والإعدادي فقد بلغ نسبة كبيرة تصل إلى 14 في المائة، كما قد يصل التعليم الابتدائي الخصوصي إلى 80 في المائة في بعض المدن الكبرى مثل الدار البيضاء.. أما بخصوص التبريرات التي تسوق بكون هذه الرسوم ستفرض فقط على الأسر الميسورة فهي تبريرات واهية. فالأسر الميسورة لا تدرس أبناءها أصلا في التعليم العمومي.. هذا هجوم على البورجوازية الصغيرة والطبقات المتوسطة والجاري تفقيرها منذ سنوات..
وأعتقد أن هذه المخططات ليست جديدة، فهم يعدون لقانون إطار يتعلق بالتربية والتكوين بدل المخططات القطاعية التي كانت في السابق من قبيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي كان يحظى بإجماع وطني في نهاية الألفية الثانية، وبالتالي فالشأن المتعلق بإصلاح التعليم لن يعود متعلقا فقط بوزارة التربية والتعليم، يأتي هذا في سياق مشكلة التوحيد التي يعاني منها قطاع التعليم، فلدينا التعليم العتيق التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التعليم الخصوصي الذي تعجز الوزارة على بسط رقابتها عليه، حيث يفرض مصالحه بالشكل الذي يريده، وأعتقد أن المسألة لاتتعلق بالتعليم فقط، فاليوم المغاربة بحاجة الى نقاش عمومي حول المجتمع وحول المشروع المجتمعي وإلا سنسير في اتجاه إرضاء المؤسسات المالية الدولية مقابل إثقال كاهل المواطنين بالرسوم وهذا غير معقول.

عبد الغني الراقي، نائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ك.د.ش)

شعار بنكيران: «تعليم طبقي أولاد الشعب في الزناقي»

* قررتم الخروج إلى الشارع في 18 دجنبر 2016، فما الداعي لذلك؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟
- خروجنا للشارع يدخل في إطار سياق عام في الحقيقة، والذي يهم هذا المستجد الذي فاجأ المغاربة، أي السعي إلى ضرب مجانية التعليم من طرف الدولة، والذي عبر عنه المجلس الأعلى للتربية والتكوين في توصيته الأخيرة التي يتوخون تحويلها إلى قانون ملزم لهذه الحكومة وللحكومات المقبلة، والأساسي فيه هو تحميل الأسر جزءا من كلفة التعليم، وهذا هو الضرب الحقيقي لمجانية التعليم الذي يعد من مكتسبات المغاربة. كما ترتبط هذه الاحتجاجات بمطالبنا برد الاعتبار للمدرسة العمومية وللمدرس.

* في سياق حديثكم عن رد الاعتبار للمدرسة العمومية سجل تقهقر للنظام التعليمي في التقارير الدولية الصادرة في السنوات الأخيرة، فهل الأمر يكشف عن مخطط لضرب التعليم العمومي؟
- يجوز أن نقول ذلك، وما يمكنني تأكيده كممارس في الميدان ومرتبط بقطاع التربية والتعليم، هو غياب الإرادة السياسية لإصلاح المنظومة التعليمية وهذا لمسناه في الميزانيات المخصصة للقطاع، ولمسناه أيضا في القرار الأخير بضرب المجانية، ولمسناه في الخسائر المهولة في أطر التدريس، حيث تعيش المدرسة العمومية خصاصا يصل إلى 30 ألف، وقد حاولوا الإجابة عنه بحل ترقيعي عبر التوظيف بالعقدة لـ 11 ألف، ومع ذلك سيظل الخصاص قائما بحوالي 20 ألف، وإذا أضفنا إلى هذا المعطى وجود 60 تلميذا في القسم الذي يكشف عن تفشي ظاهرة الاكتظاظ في المدارس العمومية، حيث تجد أستاذا في التعليم الإبتدائي يدرس ثلاثة مستويات، وهذا المعطى أتحدث عنه بدون أية مبالغة، وهو موجود في إقليم قلعة السراغنة، في فكيك، في بوعرفة.. والخصاص في أطر التدريس هو نتائج سياسة تعليمية ونتاج اختيارات، حيث لا يتم تعويض الأطر التي تتقاعد كل سنة بالتوظيفات الجديدة. فخلال هذا العام غادر 16 ألف إطار بسبب التقاعد وتم توظيف 10 آلاف فقط من الأساتذة المتدربين. هذا المعطى بحد ذاته يكشف أن الدولة ترفض تخصيص مناصب مالية توازي عدد المغادرين للقطاع، وهو دليل على عدم وجود إرادة سياسية لإصلاح منظومة التعليم. كذلك قطاع التعليم يضم عددا من المشاكل، وخروجنا للشارع في 18 دجنبر يأتي أيضا للتضامن مع الفئات التي تحتج باستمرار، والتي سردناها في ندائنا الجهوي دعونا من خلاله إلى مسيرات جهوية في جميع الجهات في المغرب..

* إذن، هناك مخطط لخوصصة التعليم من خلال مخطط شراكة قطاع عام/قطاع خاص، ما خطورة إخضاع التعليم لمنطق السوق؟
- إذا قمنا بقراءة المشهد ككل يمكننا أن نستنتج أن هناك مخططا يتضمن عدد من الترتيبات، منها إدخال نظام العقدة، والذي يتضمن مشكلين كبيرين: أولا إدخال الهشاشة لقطاع التعليم، حيث سنكون أمام موظفين للدولة في وضع قار ومستقر وموظفين بعقدة في وضع غير مستقر وغير قار، وهذا سيخلق منذ البداية شروط الاحتجاج، وهناك أيضا نوع ثالث من الموظفين في القطاع وهو الشركات التي تعمل في مجال الحراسة والبستنة، بل وحتى التدريس. فأغلب الناس منشغلون بتوصية المجلس الأعلى للتعليم المتعلقة بضرب المجانية، ولكن هناك أيضا خلق وضعيات إدارية مختلفة للموظفين: موظفين بالعقدة، وموظفين تابعين للقطاع الخاص يحكمهم قانون الشغل.

* هناك من يتحدث عن كون الدولة تريد أن تستقيل من مهامها وتترك المواطن عرضة لجشع الرأسمال، هل يمكن اعتبار ما يجري في قطاع التعليم والصحة أحد تجليات ذلك؟
- هذا أمر مؤكد.. فبنكيران صرح في البرلمان أمام المغاربة ككل «آن الأوان لكي ترفع الدولة يدها عن التعليم والصحة»، علما أنه لم يسبق لأي وزير أول سابق أو رئيس الحكومة أن تجرأ على التصريح بذلك، فالخدمة العمومية في قطاع التعليم وقطاع الصحة يودون تحويلها الى خدمات مؤدى عنها، وأعتقد أن الأمور سارت بعيدا في هذا الإتجاه فقريبا سيكون لدينا أطباء ومهندسون يؤدون 13 مليون سنويا لكي يحصلوا في نهاية تكوينهم على دبلوم طبيب أو دبلوم مهندس، وهذا اذا وصلت اليه بلادنا لايعني فقط تكريس الطبقية في التعليم بل الخطير فيه هو أن هذا دبلوم يباع في السوق، وبالتالي لن يكون الضرورة المتميز هو الذي يحصل على الدبلوم بل من يدفع المال حتى ولو كان طبيبا فاشلا أو مهندسا فاشلا. والخطير في الأمر أن هذا سيكون له انعكاس على أرواح المغاربة، فهؤلاء المهندسون هم سيبنون العمارات والقناطر والتي قد تنهار علينا في يوم من الأيام، ناهيك عن ضرب مصداقية الدبلومات المغربية في الجامعات الدولية.. وأعتقد أن الشعار الذي كنا نردده «هذا تعليم طبقي ولاد الشعب في الزناقي» سنصل إليه فعلا، حيث ستصبح الطبقية مكرسة في التعليم، ومن يمتلك الإمكانيات هو الذي بإمكانه أن يصبح طبيبا أو مهندسا عبر اقتناء الدبلوم.. والدولة من خلال عدد من الترتيبات التي قامت بها سائرة في اتجاه رفع يدها عن المرافق العمومية والخدمات العمومية وترك الفاعلين الخواص «يديرو لي بغاو في هاذ البلاد هاذي»، ومن يمتلك الإمكانات سيتسفيد من الخدمات ومن لا يمتلك الإمكانات سيكون عرضة للضياع، وحينها سنطرح السؤال: هل نحن داخل وطننا أم نحن غرباء عن هذا الوطن؟

محمد الصديقي، عضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية للتعليم (ك.د.ش)

تفكيك المدرسة العمومية معناه تفكيك لبنية الدولة

لقد ألفنا مع الحكومة ومع وزارة التربية والتعليم أنه عندما يراد تمرير قرار من هذا النوع، فإنه لا يعم في بدايته جميع الأسلاك وجميع المستويات، وتركيز توصية المجلس الأعلى للتعليم بفرض الرسوم على التعليم الثانوي لا يعني أنه منفلت من القطاع الخاص، بالعكس فهو الذي يكتوي أكثر من القطاع الخاص. فأغلى الرسوم وأعلى الأثمنة موجودة الآن في التعليم الثانوي بالقطاع الخاص. وأعتقد أن قرار فرض الرسوم على التعليم العمومي سينتقل تدريجيا ليشمل المدرسة العمومية ككل مستقبلا، حيث سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن قال إنه على التعليم أن يساهم بـ 400 مليار كمساهمة في خزينة الدولة تؤديها الأسر الغنية، ومن ذلك الوقت كانت تجري المحاولات لضرب مجانية التعليم، وحتى دستور 2011 لا يقر بمجانية التعليم، وفرض الرسوم في التعليم ثانوي سيؤدي إلى خلق طبقات في مجال التعليم. فمن يملك المال يمكنه الاستفادة من الاستشفاء ومن لا يمكله يمرض ويلقى حتفه. ومن يملك المال يحصل على سكن مريح ومن لا يملكه لا يحصل على السكن الملائم.. الآن بقي التعليم.. فحتى المدرسة العمومية التي كانت قاسما مشتركا بين أبناء الشعب، والتي تخلق حدا أدنى من الوعي ومن الرؤية النقدية للواقع الآن ستحرم الفئات الفقيرة من أغلب الشعب في المغرب. وبالتالي فحتى لو فرضنا وجود مستقبل لهذه الفئات فسيكون هو القدرة على محو الأمية فقط.
لقد كنا واعين منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ومرورا بالبرنامج الاستعجالي إلى ما يسمى الآن بالرؤية الاستراتيجية بأنه سيتم تفكيك المدرسة العمومية وضربها في العمق، حيث خضنا في إطار الملف المطلبي المركزي العديد من النضالات والاحتجاجات، بما فيها المسيرات الوطنية والإضراب العام، وأيضا الوقفات الخاصة بقطاع التعليم أمام وزارة التربية الوطنية، كما خضنا بعد ذلك وقفات احتجاجية داخل المؤسسات التعليمية وكان الهدف منها تعبويا وتحسيسيا واحتجاجيا أيضا. الآن وصلنا إلى مرحلة ثانية في التصعيد النضالي بقيادة النقابة الوطنية للتعليم (ك.د.ش) عبر تنظيم مسيرات جهوية مرة ثانية لتنبيه الحاكمين إلى أن قطاع التعليم هو قطاع خدماتي ينبغي أن يكون فيه القرار مجتمعيا وألا يكون سياديا، لأنه كلما كان القرار سياديا فهو غير ديمقراطي، فالشأن التعليمي لا يعني الدولة لوحدها ولكن يعني المجتمع، والتعليم لا يمكن أن يكون قطاعا للإنتاج المالي أو المادي، وإلا فمن يؤمن بغير ذلك فليجرب الجهل مكان العلم.