تصدر عرس بمدينة الناظور اهتمام الرأي العام بسبب انتشار مشاهد الغرامة التي وثقتها عدسات الهواتف، حيث تناثرت أوراق مالية بمبالغ كبيرة فوق رؤوس باطمة والداودية وآخرين بمن فيهم مغني جزائري وهم على خشبة الغناء، في استعراض فج للثراء والبذخ.
هذا المشهد، الذي بدا للكثيرين سورياليا وصادما، فتح بابا واسعا للتعليقات المشوبة بالاستنكار. من أين أتت كل هذه الأموال؟ وكيف تصرف بهذه الطريقة الاستعراضية في منطقة الريف التي، رغم حركيتها الاقتصادية، لا تزال تعاني من تحديات اجتماعية وتنموية جمة؟
وبينما أبدى البعض إعجابا بمظاهر الفخامة، عبر غالبية المعلقين عن صدمتهم، وربطوا الواقعة بأنشطة اقتصادية غير مشروعة، بتعليقات من قبيل: فلوس الحرام تمشي في الحرام، فيما طالب آخرون، بنبرة أكثر عقلانية، بتوجيه هذه الثروات الطائلة نحو مساعدة الفقراء والمحتاجين، بدل تبذيرها في ليلة عابرة.
قد لا تختلف العقلية التي تقف خلف منطق الغرامة في جوهرها كثيرا عن العقلية المؤسساتية التي تدبر الشأن العام حيث تعرف مدن وقرى المغرب، من أقصاها إلى أقصاها، سياسة عمومية ممنهجة تتمثل في تنظيم المهرجانات الفنية. سواء في الحواضر الكبرى أو حتى في الجماعات القروية الفقيرة، تنصب المنصات وتضاء الأضواء وتدفع مبالغ طائلة لفنانين، غالبا ما تكون أجورهم خيالية، تحت نفس المبرر وهو التنمية وخلق الرواج الاقتصادي والثقافي!
هنا يتجلى تطابق العقل والتدبير. فكما أن صاحب العرس يرى في نثر الأموال وسيلة لإظهار النفوذ والمكانة الاجتماعية، ترى الجهات المنظمة للمهرجانات في صرف أموال دافعي الضرائب على السهرات الصاخبة فعلا تنمويا بامتياز. في الحالتين، ينظر إلى المال كوسيلة للاستعراض، سواء على المستوى الفردي الضيق أو على مستوى السياسات العمومية. وتضيع في غمرة هذا الاستعراض الأولويات الحقيقية للمواطنين، من تعليم وصحة وبنى تحتية، تماما كما ضاعت في عرس الناظور فرصة استثمار تلك الأموال فيما هو أنفع وأبقى.
إن الانتقادات التي تطال المهرجانات ليست وليدة اليوم، فهي تتكرر كل صيف معلنة عن نفس المفارقة الصارخة: الدعوة للتقشف وتحمل أعباء الظرفية الاقتصادية مقابل رصد الملايين من الدراهم لسهرة فنان أو مغنية. والأخطر من الهدر المالي، هو ما قد يصاحب هذه التجمعات الكبرى من انحرافات أخلاقية ومآس إنسانية، كالتي شهدها مؤخرا موسم مولاي عبد الله، حيث تعرض طفل قاصر لجريمة اغتصاب بشعة على يد وحوش آدمية، في حادثة كشفت عن الوجه المظلم لهذه الاحتفالات الجماعية التي يستغلها بعض المنحرفين بمآرب أخرى.
عرس الناظور يذكرنا بوزير ومسؤول حكومي سابق يقبع اليوم في السجن بتهم الفساد، والذي أقام لابنه عرسا أسطوريا شويت فيه الغزلان وقدمت للحشود. هي ذهنية تتجاهل أن قيمة المال الحقيقية ليست في كيفية نثره، بل في كيفية استثماره لخدمة الإنسان والارتقاء بالمجتمع، وهو ما يبدو أننا لا نزال بعيدين عنه، سواء في أفراحنا الخاصة أو في مهرجاناتنا العامة.
