Monday 7 July 2025
مجتمع

محمد الحسني: إلغاء مجانية التعليم حلقة من مسلسل تملص الدولة من المرفق العمومي

محمد الحسني: إلغاء مجانية التعليم حلقة من مسلسل تملص الدولة من المرفق العمومي

أكد الأستاذ محمد الحسني الإدريسي الفاعل السياسي والحقوقي، لـ "أنفاس بريس" على أن "التعليم هو الرافعة الحقيقية لكل تنمية والضمانة الحقيقية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهو الحصن الثقافي والفكري ضد كل عمليات الاختراق والتأثير السلبي لتيار الفكر العدمي والمتطرف، وكما قال أحد المفكرين إذا كانت كلفة التعليم مرتفعة جربوا كلفة الجهل". نقدم للقراء نص الحوار.

++ كيف تلقيتم نبأ إحالة رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران على المجلس الأعلى للتربية والتكوين في منتصف شهر غشت 2016، طلبا حول صيغة مشروع إطار قانون يهم الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، فكرته المحورية إلغاء المجانية؟؟

لقد ظل التعليم على مدار الخمسين سنة الماضية، من ضمن القضايا الجوهرية الحاضرة في صلب سياسات الدولة، لكن ليس من زاوية تطوير المدرسة العمومية وملاءمتها مع المشروع التنموي والتعبوي للمجتمع، بل من زاوية الكلفة المالية والسياسية لقطاع التعليم، إذن للجواب على سؤالكم اعتبر أن مشروع التراجع عن مجانية التعليم وتقليص حضور المدرسة العمومية في تأطير وتكوين الأجيال المستقبلية، هو حلقة متقدمة من مسلسل تملص الدولة من تحمل أعباء المرفق العمومي بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بالتعليم أو الصحة أو الشغل، وبالتالي ينبغي في تقديري التعاطي مع الأمر بهذه الشمولية لتكون المقاربة موضوعية والحلول البديلة المقترحة ذات فعالية.

++ ما هي في نظركم تبعات قرار إلغاء مبدأ المجانية من المدرسة والجامعة العموميتين ؟؟

المسألة كما أسلفت لا تقف عند التبعات الاقتصادية والمالية للقرار، إذ لو كان الأمر محصورا في الجانب المالي، لكان النقاش حول الموارد الضرورية لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية ورفع جودة خدماتها وبنياتها التحتية، نقاشا وطنيا يساهم الجميع في بلورة أنجع الحلول لبلوغ هذا الهدف، ولكن الإطار الشمولي المشار اليه أعلاه، والذي يحكم المشروع ويحدد خلفياته، يجعل الدولة نفسها لا تخفي أنه مرتبط بالتوازنات المالية العامة في علاقتها بدفتر التحملات المفروض من طرف المؤسسات المالية الدولية.

وحتى أقترب من سؤالكم أقول بأن تداعيات مقاربة التعليم فقط من زاوية الكلفة المالية، ستكون وخيمة على باقي المخططات التنموية المستقبلية، لأن التعليم هو الرافعة الحقيقية لكل تنمية والضمانة الحقيقية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهو الحصن الثقافي والفكري ضد كل عمليات الاختراق والتأثير السلبي لتيار الفكر العدمي والمتطرف، وكما قال أحد المفكرين اذا كانت كلفة التعليم مرتفعة جربوا كلفة الجهل.

++ قرار إلغاء مجانية التعليم لا يعني فقط رغبة الحكومة في تفويت القطاع أو خوصصته، ولكن أساسا في إقرار فكرة استقالة الدولة عن تقديم الخدمات العمومية للمغاربة، ألا يعد هذا التوجه مؤشرا على زلزال خطير قد يدمر كل ما جناه المغاربة من مكتسبات اجتماعية و حقوقية وسياسية ؟

لقد كان شكل الدولة ومشروعها المجتمعي محط صراع سياسي وفكري بين مكونات الحقل السياسي المغربي، وسيظل كذلك وربما يزداد حدة إذا لم تنتبه الدولة للمنزلق الذي قد تؤدي إليه اختيارات من هذا النوع التي تحتكم للرهانات المالية الدولية دون اعتبار الأبعاد الاجتماعية والسياسية المحلية .. فالمجتمع المغربي انطلق في بنائه أسس دولة الاستقلال من خيارات سياسية واقتصادية واضحة، عمادها الديمقراطية السياسية بما تعنيه من إشراك المجتمع في اتخاد القرارات السياسية والاستراتيجية الحاسمة، واعتماد تعليم عمومي عصري ديمقراطي ومنفتح، ليكون رافعة للتنمية الاجتماعية ولتكافؤ الفرص، وعلى المستوى الاقتصادي اعتماد مشروع تنموي يعتمد على الثروة الوطنية ومنها الثروة البشرية ويحقق التوزيع العادل والعقلاني لهذه الثروة، ومراجعة هذه الخيارات المؤسسة لدولة الاستقلال تقتضي استفتاء واسعا واشراكا حقيقيا للجميع عبر كل المؤسسات السياسية والنقابية والثقافية والمدنية، ومراجعة المنطلقات المؤسسة لمنظومتنا التعليمية ينبغي التعامل معها على هذا الأساس.

++ ألا ترى معي أن هناك تنويما مغناطيسا أصاب أكثر من 16 مليون مواطن مغربي معنيين بقرار افتراس ما تبقى من مرفق عمومي ، ولم يحركوا ساكنا اتجاه محاولة إقرار إلغاء مجانية التعليم؟؟

حيوية المجتمع المغربي كباقي المجتمعات تشتعل وتخبو حسب فعل وحضور نخبه الفاعلة، وبالتالي أعتبر أن مسؤولية مواجهة المنزلقات التي ذكرت أعلاه، تلقى بالكامل على عاتق هذه النخب.

++ يعتبر بعض المتتبعين للشأن التعليمي أن  اجتهادات الحكومة في تثبيت الشراكة بين القطاع الخاص و العام، وإضفاء الشرعية على هذا التوجه ، هي بداية لافتراس التعليم العمومي وتهديد المواطنين بمزيد من النزيف الشرس والإجهاز على مكاسبهم، على مستوى قطاع التربية والتعليم، ما هو موقفكم من هذه السياسة ؟

في كل المجتمعات المتحضرة، التي خاضت تجارب تنموية ناجحة، ومنها بعض المجتمعات التي كانت إلى وقت قريب تشاركنا في الموقع المتأخر على سلم التنمية، بنت رهان التنمية على تقوية وتطوير المدرسة العمومية، واعتبرت أن الاستثمار في هذا المجال هو استثمار استراتيجي مربح وضامن للتقدم والاستقرار. ومن ضمن الأسس التي اعتمدت في هذه التجارب مجانية التعليم واجباريته، وتقليص حجم تدخل القطاع الخاص وحصره على بعض مجالات التخصص الجامعي، علما بأن القدرة الشرائية للفرد في هذه المجتمعات مرتفعة وتمكن الجميع من تحمل أعباء تعليم خصوصي

لهذا أعود لأقول أن تقديم المشروع الحكومي على أنه فقط محاولة لتنويع مصادر تمويل كلفة التعليم، هو قول باطل أريد به باطل.