Monday 7 July 2025
مجتمع

محمد الصديقي: ضرب مجانية التعليم اختيار مخزني لتحقيق هذه الأهداف

محمد الصديقي: ضرب مجانية التعليم اختيار مخزني لتحقيق هذه الأهداف

أكد الفاعل النقابي الأستاذ محمد الصديقي في حواره مع " أنفاس بريس "،أن الفاعلين في مجال التربية ولا سيما نساء ورجال التعليم بحكم الضربات التي تلقوها لم يعودوا يثقون في إمكانية حصول تغيير في القطاع بالوسائل النضالية التقليدية والمعلنة، ناهيك عن تسلل الانتهازية إلى عدد منهم بعد إقرار حكومة بنكيران للاقتطاع عن الإضراب، وهي القضية التي ظل يتبجح بها بنكيران ويعتبرها من أسباب إعادة الشعب ثقته فيه، بل، ومن الركائز التي أعادته إلى سدة رئاسة الحكومة، إلى جانب "إنجازات أخرى كالتقاعد". " أنفاس بريس " تقدم لقرائها نص الحوار مع الأستاذ محمد الصديقي 

يعتبر التعليم أهم مرتكزا تقاس به حضارة المجتمعات، ومشتلا حقيقيا لإنتاج الأطر والكفاءات والنخب، ومقياسا أساسيا للتنمية الشاملة، في نظركم هل الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الاستقلال حتى اليوم، اشتغلت بجدية على هذا الأساس؟

يجب أن نعترف أن التعليم لم يكن في يوم من الأيام شأنا مجتمعيا، أو قضية متوافقا عليها بين الدولة والمجتمع، بل ظل على امتداد الحكومات مجالَ صراعٍ وتجاذب، وهو أمر مبرر سياسيا وأيديولوجيا، فمن تحكَّم في التعليم رسم الأفق المستقبلي للبلاد، ولذلك يجب أن نعترف أن الدولة قدمت تنازلات في لحظات معينة عندما تكون اللحظة السياسية حاسمة، ويكون الأمن السياسي للطبقة الحاكمة في المحك، وهو ما يمكن أن نسجله بوضوح في إقرار مبدإ الترقية سنة 1985 بعد إضرابي 1979 و 1981 مثلا، وتحقيق بعض المكاسب المادية النسبية مع حكومة السيد عبد الرحمان اليوسفي، لكن في المقابل ظلت الاختيارات الاستراتيجية للمناهج والبرامج خطا أحمر في يد الدولة، لذلك يجب أن نعترف أن صناعة العقول كان اختيارا مخزنيا، تعتريه بالضرورة انفلاتات مضيئة على مر التاريخ، وحتى يومنا.

قضية التعليم بالمغرب شكلت ملفا حارقا لكل الحكومات المتعاقبة وفشلت في تدبيره، من يتحمل مسؤولية أزمة التعليم بالمغرب؟يصعب فعلا تحديد المسؤوليات بسهولة، واعتبار أي طرف مسؤولا لوحده يُعد من قبيل التهرب من الحقائق الموضوعية، وشكلا من أشكال إنتاج اللغو الأيديولوجي، بالفعل، تتحمل الدولة والسياسات العامة لها، وكل التنزيلات الحكومية، المسؤولية الأوفر في إفساد التعليم، وتتحمل التنظيمات السياسية والنقابية نصيبا من المسؤولية أيضا، بحكم تراجع وتقهقر الممانعة فكرا وممارسة، فكم أنتجت الأحزاب والنقابات من تراكم على المستوى الفكري تشخيصا وتحليلا وتنظيرا للقطاع؟ ما هي التراكمات الفكرية التي يمكن الركون إليها حاليا واعتبارها "مشروعا" لهذا الإطار أو ذاك؟ لم ينتج أي إطار حزبي أو نقابي تراكما فكريا يمكن أن يُرجع إليه باطمئنان والنظر إليه باعتباره بديلا عن السياسة التعليمية الجارية حاليا أو قبلا، أما على مستوى الممارسة، فلنتساءل، ماهي المعارك الفارقة التي يمكن الوقوف عندها على طول التاريخ واعتبارها معركة خالصة للتعليم؟ عرف المغرب، طبعا، معارك نضالية مشرفة، ومحدِّدة وفاصلة، وكانت ذات أبعاد سياسية مهمة، وكان التعليم جزءا من الملفات التي كانت تناقش على هامش مخرجات التفاوض الذي كان أساسه سياسيا، ولكن، لم يكن عمادا خاصا ولا جوهر المعارك، ونظن أنه آن الأوان أن يؤرخ المجتمع بقيادة إطاراته الديمقراطية والوطنية الحية محطة صارخة وفارقة في قضية التعليم.

الحق في التعليم يكفله الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، لماذا يتم اليوم الإجهاز على مكتسبات مجانية وإلزامية التعليم من خلال عدة قرارات لا شعبية تضرب المدرسة والجامعة العموميتين في الصميم وتشجع التعليم الخصوصي الذي يعتبره البعض تعليما طبقيا؟

الإجهاز على الحق في التعليم ليس مبتدأ مخزنيا لحظيا، وكلنا يعرف أن التخطيط في المغرب ظل من قبيل ردود الأفعال الآنية ذات المرجعية الواحدة والوحيدة وشعارها، "الاستقرار السياسي وبأي ثمن" ولذلك ظل القرار التعليمي قرارا سياديا "مقدسا" لا يأتيه المجتمع من بين يديه ولا من خلفه، وما دامت السياسة العامة ليبرالية تتغيا رسملة القطاعات العمومية والخدماتية، فإن التعليم ـ وهو أكبر عبء مالي و"سياسي" على عاتق الدولة ـ فلابد من البدء بتقاسمه مع الرأسمال الوطني والأجنبي في أفق التخلص منه كلية، ولم يخل أي "إصلاح" من معطيات تميل نحو شرعنة الخوصصة وتقديم التعليم الخصوصي على أنه البديل للنجاح والتوظيف والشغل والكفاءة.... أما الدستور فلم يقر صراحة بمجانية التعليم، بل يقر بالحق في التعليم، ويوزع مسؤولية ضمان هذا على الأسرة أولا ثم الدولة ثانيا، ويضع على الدولة والمؤسسات التابعة لها ترابيا واجب تعبئة الوسائل بالمساواة أمام المواطنين للاستفادة منه، ولذلك فالخلل في الذين صوتوا على الدستور دون تمحيص لما يمكن أن يترتب عن بنوده التي بدت مضيئة خلال حملة التصويت لصالحه، وبعد ذلك تأتي صدمة انكشاف ألغازه المخيفة.

هل الشارع المغربي قادر اليوم على تحصين مكتسبات المدرسة والجامعة العموميتين، انطلاقا من دعوة النقابة الوطنية للتعليم العالي لتشكيل جبهة وطنية للدفاع عن هذه الحقوق؟

الدعوة إلى خلق جبهة وطنية للدفاع عن الحق في التعليم سبقت إليها العديد من الإطارات النقابية والحقوقية، ولم تستطع أن ترى النور لحد الساعة، لأن الوعي بثقل التعليم لا زال شأنا "انتهازيا" بين المواطنين، لأن المواطن عادة ما يستطيع أن يجازف بأي شيء إلا بأبنائه، لذلك نجد الأسر تتحرج من الإضرابات في قطاع التعليم حتى ولو كانت أهدافها نبيلة، فبالأحرى أن تشارك فيها وتدعمها، وبالتالي فإن الوعي المجتمعي بخطورة القرارات اللاشعبية والتمييزية المتخذة في قطاع التعليم لا زال لم يشكل هاجسا مطارِدا للأسر والمواطنين، مادامت الأسر قادرة ـ لحد الساعة على الأقل ـ على الخضوع لابتزاز التعليم الخاص، أو التجاوب مع التسيب الذي يعتري التعليم العمومي، ولذلك فالرهان على الشارع حاليا يعتبر تأجيلا للمعركة التي تأخرت كثيرا، ولعل هذا السياق هو الذي يدفع النقابات التعليمية إلى الاكتفاء بما يمكن تسميته ب "النضال بالدعاء" أو "النضال بطلب اللطف" وهو القائم على البيانات والبلاغات والتدخلات الطارئة القائمة على حل بعض المشاكل الجزئية الخاصة بالأفراد، وليس بالوطن. ويجب التأكيد أيضا أن الفاعلين في مجال التربية ولا سيما نساء ورجال التعليم بحكم الضربات التي تلقوها لم يعودوا يثقون في إمكانية حصول تغيير في القطاع بالوسائل النضالية التقليدية والمعلنة، ناهيك عن تسلل الانتهازية إلى عدد منهم بعد إقرار حكومة بنكيران للاقتطاع عن الإضراب، وهي القضية التي ظل يتبجح بها بنكيران ويعتبرها من أسباب إعادة الشعب ثقته فيه، بل، ومن الركائز التي أعادته إلى سدة رئاسة الحكومة، إلى جانب "إنجازات أخرى كالتقاعد". ولذلك فإن الرهان حاليا على الشارع في مجال التعليم يعتبر مضيعة للوقت، ويجب الآن الاكتفاء بالتركيز على الفاعلين فيه أولا قبل تجاوزهم إلى غيرهم، لأن الشعب ألفنا منه ألا ينخرط في قضية ما إلا بعد تضحيات جسيمة للفاعلين الأساسيين فيها، ولنا في معركة الأساتذة المتدربين درس تاريخي، على الأقل، في التقاط محطات وسياقات تحقق التضامن الشعبي.

ما هي الحلول المستعجلة الكفيلة برد الاعتبار للمدرسة والجامعة العموميتين؟

لعل من أصعب الأمور الإفتاء في هذه النازلة، وبسرعة هكذا، بالنظر إلى تشعب القضية، وتعقدها، فعندما نقول إن القرار التعليم قرار سيادي، ومادام كذلك فهو غير مجتمعي وبالتالي غير ديمقراطي، فإن الحل هو إقرار الديمقراطية أولا، وهذا يستوجب أولا فهم الديمقراطية التي ننشدها، حيث لا وجود للقرار السيادي إلا من داخل المؤسسات الديمقراطية التي تعكس فعلا إرادة الشعب، وليس إرادة الرأسمال المخزني، ومن هنا فلا بد من وضع أسس لمعارك نضالية فارقة، تضع المصالح السياسية للطبقة الحاكمة وبشكل مباشر في مفترق الطرق، وتجعلها تفهم أن المجتمع قادر على استرجاع ممانعته ليس بالكم الشعبي المتظاهر في الشوارع، ولكن أيضا بمعارك لا تحتاج إلى مجهود تعبوي كبير لأنها تستهدف مؤسسات بعينها وتصوب سهام النضال نحوها، وهي الأرضية الأولى لحلحلة التوازن السياسي تجاه إطارات المجتمع ثم نحو توعية المجتمع نفسه بحقيقة المؤسسات التي يتعامل معها ويعتبرها وطنية.