الجمعة 26 إبريل 2024
ملفات الوطن الآن

سؤال يجيب عنه: جمعويون وإعلاميون ورجال تعليم.. احتضار المدرسة العمومية.. من المسؤول؟

سؤال يجيب عنه: جمعويون وإعلاميون ورجال تعليم.. احتضار المدرسة العمومية.. من المسؤول؟

منذ فجر الاستقلال  انتبهت النخبة المغربية، سواء في مراكز القرار التنفيذي، أو في المعارضة، إلى الطابع الاستراتيجي للرهان على المدرسة العمومية كقطب الرحى في المنظومة التعليمية، سواء في إطار توظيف ذلك ضمن ما كان يجري من أوجه الصراع حول شرعية الحكم بين النظام والحركة الوطنية، أو ما كان يتعلق بالمدى البعيد المرتبط بالاستثمار في المستقبل. في سياق ذلك تشكلت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم التي عقدت أول اجتماعاتها يوم 28 شتنبر من سنة 1957، والتي انتهت بشكل توافقي بين كل المكونات والروافد إلى إقرار أربعة مبادئ بمثابة اختيارات أساسية لإصلاح التعليم ارتأتها اللجنة توجها ملائما لحاجيات المغرب، ولحاضره ومستقبله. يتعلق الأمر بـ: التعميم، التوحيد، التعريب ومغربة الأطر. بعد ذلك بسنوات تبين أن مخاضات التوتر بين الدولة والمجتمع خلال ستينيات القرن الماضي كانت أكبر من أن تنتج عنها إرادة فعلية لتطويق أزمة التعليم الدائمة. فلقد فشلت ندوتا إفران (الأولى والثانية) لغياب التوافق، ولاستفحال الأزمة السياسية وتعطيل الحوار.
وكلما توالت العقود، وتعمقت الشروخ المجتمعية كلما كان الحقل التعليمي هو البؤرة التي تعمق الأزمة،  خاصة بعد المنعطفات الكبرى التي عرفها المغرب، والتي كانت لها تأثيرات مفصلية على توجهات الحكومات المتعاقبة. نقصد تحديدا دخول المغرب زمن بداية التقويم الهيكلي سنة 1983، وما يعنيه ذلك من الانصياع لإملاءات صندوق النقد الدولي، وما يؤكده من تقليص النفقات الاجتماعية، وإبطال خدمات الدولة لفائدة التوازنات المالية، ومن ثم بداية التلويح بخوصصة قطاع التعليم.
ومن ثم صارت المسألة التعليمية هي السؤال الذي يخترق كل النخب ليتجاوزها، وليصبح الشغل الشاغل للبلاد برمتها. ولذلك تم الإعلان في خطابات ملكية عديدة عن المكانة التي صار يتبوأها التعليم ضمن أولويات الدولة، بحيث صار التعليم القضية الأولى بعد قضية وحدتنا الترابية. وقد دشن الملك محمد السادس عهده بهذا الخصوص بإطلاق الميثاق الوطني للتربية  والتكوين الذي اقترح مساحة زمنية لإقرار الإصلاح المنشود تمتد من سنة 2001 إلى سنة 2010. ولقد تمثلت قيمة هذه الوثيقة، لا فقط في كونه تعبيرا عن صيغة توافقت حولها كل مكونات المغرب السياسية والتربوية والفكرية، ولكن أيضا لأنها مثلت تصورا إصلاحيا لخمسة مجالات تتداخل فيها الأبعاد الفكرية والاقتصادية والمالية والتدبيرية، وهي تعميم التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، التنظيم البيداغوجي، الرفع من جودة التربية والتكوين، تطوير الموارد البشرية، ثم جوانب التسيير والتدبير والشراكة والتمويل.  ومع ذلك فما أن عين وزير جديد للتعليم حتى أقر سنة 2008 ما سمي حينها بالمخطط الاستعجالي للتربية والتكوين الذي اعتبر وفق مهندسيه بمثابة خطة إنقاذ للتعليم المغربي تمتد من سنة 2009 إلى سنة  2012، وتقوم على فكرة تفعيل مضامين الميثاق الوطني والسير بها قدما نحو مزيد من الأجرأة والفعالية والتجسيد من خلال التأكيد على أن المخطط خارطة طريق جديدة للإصلاح.
لكن هذا المسار سيشهد بدوره ارتباكا آخر إثر تنصيب  حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2012، حيث نعى وزير التربية الجديد المخطط الاستعجالي عبر تأكيد فشله. ومرة أخرى نعود إلى نقطة الصفر للبحث عن بدايات جديدة. وذلك ما تمثل في الخطوات الإصلاحية الممتدة إلى اليوم، تماما كما لو كنا نقيم في نقطة الصفر إلى الأبد
 نستخلص من كل ذلك أن الارتباكات الواضحة التي شهدتها مقاربات إصلاح القطاع التعليمي كان تعبر  عن الارتباك والعجز عن معرفة ماذا نريد من الإصلاح، وكيف؟
 في هذا السياق كانت النخب دائما غير قادرة عن الحسم في القضايا الأساسية، وفي مقدمتها الإبقاء على المدرسة العمومية، أو خوصصة القطاع؟ التعريب أم الفرنسة أم الأنجلزة، وكيف؟ ثم ما معنى استمرار وجود المدرسة العمومية أمام الامتيازات الممنوحة للتعليم الخاص، ولتعليم البعثات؟ مثلما لم يتم الحسم في مرجعية النظام المنشود وحقيقة ونوعية ارتباطه بالنماذج التعليمية في فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي غياب طرح مثل هذه الأسئلة والأجوبة عنها تسقط كل مشاريع الإصلاح في ما يستمر هدر الزمن المادي والنفسي للناشئة الذين يفرض عليهم قهرا مشروع التضبيع كما سماه الراحل محمد جسوس، وهو ما يعني اليوم تأكد نهاية المدرسة العمومية بعد أن أفرغت من مضمونها الوطني، وسحبت منها الموارد المالية والبشرية الكفيلة بتجسيد الإصلاح، ولذلك صارت بصريح العبارة ملاذا  من لا طاقة له للدراسة في القطاع الخاص، أو في تعليم البعثات أو في الخارج.
لقد أصبحت هذه المدرسة بمثابة «خيرية» بلا تجديد في البنيات، وبلا إبداع في المضامين والمناهج، وبلا روح تنشر الإيمان بالمستقبل. صارت الصورة سوداء بفعل الاكتظاظ وخصاص الأساتذة بعد توقيف مساطر التعيين وخروج شرائح واسعة من الأساتذة إلى التقاعد بدون تعويض. وهي بذلك تعبر في أقصى مستويات البلاغة عن وجود مغربين بطبقتين، والمأساوي في المسألة أن سكان الطبقة العليا (الناس اللي فوق) هم الذين يتناظرون اليوم ويتبادلون أفكار (أو أوهام) الإصلاح لينهضوا بالمدرسة العمومية التي يرتادها «الناس اللي تحت» ولذلك لا يمكن أن ينجح الإصلاح مادامت الإرادة التي تقاربه موسومة بسكيزوفرينيا قاتلة.

رشيد دوناس، أستاذ ممارس وباحث في التاريخ المعاصر

تغول القطاع الخاص في التعليم نذير شؤم على مستقبل المغرب

* كيف ترى مستقبل المدرسة العمومية في ظل ما تعانيه من تراجع على كل الأصعدة؟!
- يبدو مستقبل المدرسة العمومية مثيرا للتشاؤم والقلق؟ لماذا: لأن تعليم اليوم هو نتاج لقرارات الأمس وتعليم المستقبل هو نتاج للسياسات العمومية التي يتم اتخادها اليوم، وبناء عليه ما معنى أن نسمع إلى وقت قريب بـأن قطاع التعليم غير منتج؟ وما معنى أن يصرح رئيس الحكومة الحالي عبد الإله بنكيران بأن الوقت حان كي ترفع الدولة يدها عن القطاع العمومي لصالح القطاع الخاص؟ وما معنى في هذه اللحظة أن تلجأ الدولة إلى توظيف الأساتذة بالعقدة، بالشكل الذي سيؤدي إلى إرباك هؤلاء لأنهم غير مطمئنين على مستقبلهم ومردوديتهم لا شك ستتأثر بذلك. ويكفي أن ننظر لترتيب المغرب في هذا القطاع... إننا نتراجع للخلف سنويا ومسلسل الانهيار يبدو أنه سيستمر إذا استمرت الجهات المعنية في نفس الاختيارات ونفس الارتجال.

* ثمة شعور بالسخرية من المدرسة العمومية في اوساط الراي العام، نتيجة الحصيلة البيداغوجية السلبية.. كيف يمكن في رأيك إعادة الثقة في التعليم العمومي؟!
- تآكل الوضع الاعتباري للمدرسة العمومية وللعاملين فيها مجرد نتيجة لطبيعة السياسات العمومية التي ثم تصريفها في هذا القطاع. لماذا؟ لأنه لا يمكن إطلاقا إصلاح التعليم العمومي دون إيلاء عناية خاصة جدا لنساء ورجال التعليم ماديا ومعنويا، لأن نساء ورجال تعليم محبطون ويمكن أن يتسببوا من دون نية مبيتة في إفشال أحسن منظومة تعليم في العالم.. لقد تم دفعهم دفعا إلى التموقع في وضعيات صعبة اجتماعيا ومهنيا نالت من مكانتهم ووضعهم الإعتباري في أعين المجتمع، حتى أصبحوا مثار سخرية في العديد من «النكت الحامضة»... وحدث ذلك لأن المدرسة كانت ومازالت ساحة للصراع بين الفرقاء السياسيين. وهنا نستحضر قول الراحل محمد عابد الجابري «كثير من رجال الدولة إما يخافون من رجل التعليم وإما يحتقرونه».

* في الوقت الذي تتراجع المدرسة العمومية، نرى انتشارا متزايدا للمدارس الخصوصية.. فهل يبدو لك هذا الأمر طبيعيا؟
- فقدان المدرسة العمومية لمكانتها الاعتبارية لصالح تغول القطاع الخاص أعتبره مؤشرا سلبيا وفي غاية الخطورة على مستقبل المغرب: لماذا؟ أولا ما يتم ترويجه من أن التعليم العمومي يرهق كاهل الدولة كلام مردود عليه، لأن الخدمة العمومية في هذا القطاع ليست مجانية كما يتم تصوير الأمر بسذاجة، ذلك أنها ممولة من أموال دافعي الضرائب، يعني «فلوس الشعب مترجع للشعب». تمدد التعليم الخصوصي بكل أنواعه، خاصة تعليم فئة 5 نجوم لا يخدم إلا مصلحة الأقلية المحظوظة (الزبناء الميسورين + المستثمرين)، وهذا الأمر يتناقض كليا مع منطق تكافؤ الفرص ويضرب روح الدستور الذي تحدث عن المساواة في الحقوق والواجبات. ثالثا: المدرسة الخصوصية ليست في متناول الجميع، لأن العديد من الأسر المتوسطة تقتطع من قوت يومها من أجل ضمان تمدرس أبنائها، وهذا الأمر يتسبب لتلك الأسر في مآس مادية لها انعكاسات اجتماعية ونفسية سلبية تهدد استقرار الأسر، دون أن ننسى تكاليف الدروس الخصوصية. رابعا: يبدو لنا كما لو أن هناك نية مبيتة تستهدف المدرسة العمومية من أجل إرغام الأسر على اللجوء (مرغمين) للقطاع الخاص. مستقبل المغرب لا يمكن أن يزدهر إلا عبر المدرسة العمومية، وحين ستتم العناية بها سيعود الناس إليها... ومن أراد الربح (من المستثمرين في التعليم الخصوصي) بعدها فليلجأ للقطاعات الاقتصادية الأخرى.

عبد المجيد المزريوي، باحث في الشأن التربوي

من يرسل أبنائه للمدرسة العمومية فقد رماهم في حضن الجهل واليأس

لا شك في أن الأسر المغربية ومعها المواطنين كافة يتابعون أجرأة الحكومة فيما يخص الرؤية الإستراتيجية 2015 / 2030 لإصلاح المنظومة التعليمية ببلادنا. والأكيد أيضا أنه ومع بداية الدخول المدرسي الحالي بدت للجميع بعض الخطوط العريضة لهذا الإصلاح المزعوم. فناهيك عن ظاهرة الأقسام المشتركة الإعتيادية والتي تمثل القاعدة الطبيعية في العالم القروي، التجأت الوزارة الوصية لتغطية النقص الحاصل في الموارد البشرية بتوسيع هذه الفصول المشتركة لتشمل 3 أو 4 أو5 أو6 مستويات تستدعي التدريس باللغتين العربية والفرنسية دفعة واحدة ولأستاذ واحد.
ويكفي أن نتصور أستاذا واحدا يدرس مدرسة بأكملها من المستوى الأول، الذي يتلقى فيه المتعلمون أبجديات القراءة والكتابة، إلى المستوى السادس الذي يتهيأ فيه المتمدرسون لولوج مرحلة التعليم الإعدادي. إنها صراحة طامة كبرى يصعب إيجاد تفسير منطقي لها. إذ من أين سيبدأ هذا المدرس المغلوب على أمره ومع من وبأي لسان سيتكلم؟ هل يعلم الحرف أم يصرف الفعل، أم يجري التجربة، أم يشرح العملية الحسابية، أم يصحح التمرين؟ هل يتحدث باللغة الفرنسية، أم باللغة العربية، أم بالأمازيغية، أم يرتدي اللباس الرياضي ويقدم دروسا في التربية البدنية أم...؟
إنها لأسئلة كثيرة تظل معلقة، وإنه التيه في أبهى تجلياته، بل الحمق والعبث الذي يلقي بالأستاذ والتلاميذ في جحيم مصير مجهول وأفق مسدود، زيادة على كل ما من شأنه أن يعيق أداء تلك الرسالة النبيلة. لأنه لا يمكن إطلاقا وبهذا النهج المتبع تحقيق أمل جودة التعلم للمتعلمين. ويستحيل بهذه الكيفية في التعامل مع قطاع حساس القضاء على آفة الأمية المتفشية والمتجذرة بشكل رهيب في مجتمعنا. كما يتعذر والوضعية هاته بناء سد منيع ضد مشكل الهدر المدرسي. وبالتالي، نجد أنفسنا، وللأسف، مجبرين على طي كل متمنيات الآباء في رؤية فلذات أكبادهم وهم يواصلون دراستهم على النحو السليم الممكن قيادتهم إلى التحصيل الجيد، وبعده التوظيف والإنتاج.
لن أقول الآن، ولكن أعتقد بأنه منذ سنين وصلنا إلى الوقت الذي يحتم علينا قول كفى من الكلام المنمق في الإعلام وأمام الشعب حول الإصلاح والجودة ومدرسة النجاح وتكافؤ الفرص والإنصاف. وليتم الإعتراف و بعيدا عن أي تزييف للحقائق بأن الدولة قد رفعت يدها عن التعليم جملة وتفصيلا، وأن من يدفع أبناءه لولوج المدرسة العمومية فهو يرمي به إلى أحضان الجهل والفشل واليأس.
ولعل ما يزيد الأمر غرابة واستفزازا كذلك، هو هذا الصمت المريب الذي ينهجه المسؤولون سواء من حكوميين الذين قتلوا المعنى العام للإصلاح ودفنوا معه المدرسة العمومية، أو هيئات نقابية وأحزاب سياسية وغيرها. وإن كان الجواب يجد مؤداه في مثل «إذا ظهر السبب بطل العجب..». إذ كل هذه الأطراف مستفيدة من مطبة ذلك الإنحطاط للمدرسة العمومية، لهذا نراهم يتسابقون نحو تبييض أموالهم في بناء المدارس الخاصة وإغراء خيرة الأطر التعليمية بالقطاع العام من أجل الإلتحاق بها. ومن ثمة، تظل الحلقة الضعيفة والسور القصير، إن صح القول، في هذه الدوامة الجشعة هو المواطن المغربي البسيط الذي لا يجد أمامه بدا من إرسال أبنائه إلى المدارس الخاصة على الرغم مما  يكتوي به من لهيب أسعارها. أما إن عجز عن ذلك، فتولية أمره لله هو ما ينتهي إليه في أحسن الأحوال.

سناء بن حمزة، أستاذة التعليم الثانوي

المدارس العمومية تخلو من الحياة

صراحة أرى أن المدرسة العمومية اليوم أصبحت تحت الظل. لم يعد هناك أي اهتمام جاد بها.. مع أننا ندرك ان التعليم هو الضمان لرقي المجتمع. أكثر من هذا نرى قمة التناقض في تهميش المدرسة العمومية مقابل التشدق بكلام فضفاض، بل كذبة اسمها حقوق المتعلم الذي تسبب في تكسير علاقة احترام المتعلم لأستاذه..!! إذ في غياب هذا الاحترام يضيع المتعلم. وهنا أقول للأسف ليس هناك أي حق للمتعلم الذي يدرس في فصل يضم خمسين أو ستين متعلما..!! المدارس العمومية تخلو من الحياة. ومن منطلق تجربتي الشخصية، أشير إلى أنني أنفق من جيبي على نادي التربية على المواطنة بالجوائز وإعداد القسم وتلوينه وتجهيزه، دون أن أجني شيئا، حتى المساعدة المعنوية من طرف الإدارة لا أجدها..!! كيف نغطي الواقع ونلونه في عيون المتمدرسين لعلهم يحبون المدرسة العمومية وياتون إليها..؟! لنتعاون وننقذ المدرسة العمومية قبل فوات الأوان. لنستعن بالكفاءات البيداغوجية لإنقاذ أبناء شعبنا. لنكن عند حسن ظن ملكنا وشعبنا.

بوشعيب خلدون، فنان تشكيلي

كل السياسات العمومية فشلت في مجال التعليم

المدرسة العمومية أصبحت مجرد اسم على أوراق وزارة التربية الوطنية ورفوف خزاناتها.. والفشل أصابها منذ تغيير نظامها الأول الذي صادفنا فيه التعريب. ومنذ ذلك الوقت والسياسات العمومية في مجال التدريس والمدارس في تدن وانحطاط لا من حيث الجودة ولا من حيث البنايات.. إن الاهتمام بالتعليم الخاص والمغادرة الطوعية والتجارب المستمرة في مجال التعليم العمومي أثبتت فشلها، مما أفقد المدرسة العمومية قيمتها ودورها في بناء مجتمع المعرفة.. إننا امام فشل ذريع والخروج منه يحتاج لإرادة قوية ولجعل الجهة أحد اسس الإصلاح، لأنه بدون ذلك لا يمكننا أن نعيد للمدرسة العمومية دورها وتوهجها. فتجربة الاقاليم الجنوبية جديرة بالاهتمام والتعميم. ويجب ألا نبقى ننتظر من السلطة المركزية أن تمدنا بسياسات اثبتت فشلها الذريع..

مريم أكورام، مدبرة إدارية

الحاجة الاستراتيجية جديدة وفعالة لإنقاذ مدرستنا العمومية من الإفلاس

ثمة الكثير مما يمكن قوله عن المدرسة العمومية المغربية وما تعيشه من مفارقات وتناقضات وسلبيات. لا يمكن أن ننتظر نتائج إيجابية من المدرسة العمومية وهي تعاني من إشكاليات تتفاقم سنة إثر أخرى، مثل:
- النقص في الموارد البشرية وهو المعضلة الكبرى
- الاكتظاظ الذي يظل حالة عامة داخل الأقسام
- التردي في المناهج الدراسية وسوء التلقين
 لإصلاح المنظومة التعليمية في المغرب لابد من القضاء على ظاهرة الهدر المدرسي المنتشرة بكثافة في العالم القروي. إن تردي أحوال وأوضاع المدرسة العمومية تدفع ثمنه الفادح بلادنا، إذ لا يعقل أن تصبح المدرسة العمومية التي كانت فخر المغرب إلى مؤسسة طاردة للمتمدرسين..!!
الكثير من الأسر المغربية تلجأ إلى إلحاق أبنائها بالمدارس الخصوصية لأسباب عدة، منها ضعف مراقبة هذه الأسر لأبنائها في المدارس العمومية.. ثم تردي واقع التعليم في بلادنا على كل المستويات !!
لابد من إيجاد استراتيجية جديدة وفعالة لإنقاذ مدرستنا العمومية من الإفلاس. وكفى من سن سياسات بيداغوجية لا قيمة لها ولا نتائج..!!

ذة.الزهرة الحميمدي، فاعلة ثقافية

هذه وصيتي لإنقاذ المدرسة العمومية من الانهيار

شكلت المدرسة العمومية على امتداد عقود متلاحقة في المتخيل الاجتماعي والثقافي، والسياسي، رمزا وتجسيدا لأهداف ترتبط بالتقدم والتطور والنهوض المجتمعي، وقد علقت كل مكونات الأمة المغربية بمختلف طبقاتها أكبر الآمال على المدرسة العمومية كمرفق مفتوح امام جميع المواطنين بصرف النظر عن موقعهم الاجتماعي والاقتصادي. فهل مازالت هذه الثقة اليوم أم تراجعت؟ في الحقيقة اصبحت مشاكل التعليم ومعضلته بنيوية، حيث لم يعد لمشاريع إصلاح المنظومة التعليمية أثر على أداء المدرسة العمومية. فتقييم جميع الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني سلبي ومتشائم لمستقبلها ولبناء شخصية الإنسان المغربي المعرفية والعلمية والفلسفية والوطنية والانسانية. والذي ينتظر منه أن يساهم في بناء مغرب المستقبل، ونحن لا نستغرب أن صارت العملية التعليمية في المدرسة العمومية لا تقوم إلا بإعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، القائمة بالمجتمع المغربي. ومن اجل انقاد هذه المدرسة من الانهيار الفائق السرعة وإعادة الاعتبار للدور الذي تقوم به، يجب ربطها بالتنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، من خلال الإعداد الجيد للأطر الكفؤة انطلاقا من حاجيات المجتمع، وإنضاج الشروط الجيدة لأدائها وتكوين أطر إدارية فاعلة ومساهمة في تغيير دور المدرسة، وعودتها كمركز إشعاع معرفي وعلمي وفكري وتربوي. وذلك بوضع برامج تربوية تعتمد على العقل العلمي والفلسفي بعيدة عن الفكر الغيبي والخرافي والاسطوري، حتى لا يؤدي ذلك الى تعدد شخصيات الانسان المغربي الى درجة التناقض احيانا. فعلى الجميع المساهمة في إصلاح منظومة التعليم انطلاقا من مسؤوليتنا امام التاريخ وامام الشعب المغربي.

محمود أيت الحاج، أستاذ وفاعل في حملة «جميعا لإنقاذ المدرسة العمومية»

كل المؤشرات تدل على أن الأزمة مفتعلة وعن سبق إصرار وترصد

ربما قد لا أكشف سرا وأنا أؤكد أن المدرسة العمومية المغربية تعاني نوعا من الارتجالية والتخبط، وذلك عبر غياب معالم واضحة لإصلاح التعليم لدى الدولة المغربية. لكن ما ينبغي التنبيه إليه في المقابل هو أنه وبعد إعلان تحنيط العمل على الإرتقاء بالمدرسة العمومية وتجويد أدائها، نلاحظ فظاعة تعرضها لهجمة شرسة تتغيى القضاء عليها وخوصصتها. ويخجل حقا كون خلال بداية الموسم الدراسي الحالي صرح تلميذ يدرس بإحدى مدارس «تامسنا» بأنه وزملائه يجلسون بأعداد تتراوح بين 3 و4 في طاولة واحدة، بما ينتج عن ذلك من إحساسهم بالألم جراء التزاحم وتأثير الجزء الحديدي للطاولة عليهم، حيث أن الأقسام تشتمل على 60 و70 تلميذا في القسم الواحد.
إنها بالفعل معضلة الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية والخصاص المهول في الموارد البشرية المعينة لقطاع التربية الوطنية، مما يؤشر على خطر ما آلت إليه أوضاع القطاع. خاصة بعد استغناء الوزارة عن عدد كبير ممن تقدموا بطلبات التقاعد النسبي والمستفيدين أيضا من التقاعد العادي الذين بلغ عددهم، حسب تصريح الوزارة، 16.172 موظفا(ة)، إضافة إلى العوز التراكمي الذي يعرفه المجال لمواسم دراسية عدة. وفضلا عن ذلك، يسجل بأن الخصاص مس أيضا الأطر الإدارية للمؤسسات، حيث تعيش مجموعة منها على واقع غياب المدراء والحراس العامين، وخير دليل على ذلك أن الكثير من الثانويات والإعداديات يسهر على تسييرها مدير واحد دون حراس عامين، علما أن مجموع تلامذتها يصل أحيانا إلى 1500 تلميذ(ة).
اليوم، ومن منطلق تلك الظروف نجد أنفسنا أمام حقيقة مرة يصعب إزاءها التدريس ببيداغوجيا الكفايات التي تبناها المغرب مطلع الألفية الثالثة. وعليه، كيف يمكن الاشتغال بالمجموعات مع وجود 60 و70 تلميذا في القسم؟ وكيف للأستاذ أن يشرح الدروس بشكل يتفاعل معه فيه التلاميذ في ظل هذه الوضعية الكارثية؟ وكيف للمدرس أن يدرس في أقسام مشتركة من المستوى الأول الابتدائي إلى المستوى السادس؟
ناهيك عن ذلك، فالبنيات التحتية لمجموعة من المؤسسات مهترئة ومهددة بالسقوط في أي وقت على رؤوس الأساتذة والتلاميذ. كما تعاني العديد من المدن المغربية من انعدام المدارس أصلا، ما يتطلب من التلاميذ قطع مسافات طويلة لوصولهم إلى مؤسساتهم في ظروف صعبة يستحيل خلالها عليهم متابعة دراستهم في جو يسمح لهم بالتحصيل الجيد.
لذا، فعندما نتحدث عن المنظومة التعليمية في المغرب مع وجود نقاش عام في المجتمع يقر بأزمة التعليم، فإننا نؤكد أن هذه الأزمة هي أزمة مفتعلة. فالمدرسة العمومية تتعرض للتدمير ولنا في الوضعية السابقة للأساتذة المتدربين، والوضعية الحالية لمجموعة من الأطر التربوية المكونة التي تأبى الدولة المغربية توظيفهم رغم الخصاص المهول خير دليل عن ذلك. خاصة أنه في الوقت الذي كان فيه جميع المغاربة ينتظرون وصفة سحرية من الحكومة للنهوض بقطاع التعليم ببلادنا، وإنقاذه من الوضع المتأزم الذي يتخبط فيه منذ عشرات السنين، علما أنه استفحل في الفترة الأخيرة، ها هي الحكومة تسعى لتوظيف مجموعة من الطلبة دون تكوين عبر التعاقد مع الأكاديميات. وعلى هذا الأساس، يمكن التساؤل بـ: كيف يعقل لطالب لا يفقه شيئا في أسس التدريس أن يدرس أجيال المستقبل؟
من خلال المؤشرات السابقة، يمكن الجزم بأن المدرسة العمومية المغربية تتعرض لهجمة شرسة عن سبق إصرار وترصد من أجل تدميرها وتفويتها للقطاع الخصوصي. والحال أن التعليم العمومي المغربي يحتاج إلى مجهودات كبيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وطبعا، لن يتأتى هذا إلا بتوظيف عدد كبير وكاف من الموارد البشرية لسد الخصاص، وإحداث مجموعة من المؤسسات التعليمية لتخفيف البنية عن البقية ، علاوة على ضرورة التكوين المستمر للأساتذة الممارسين لمواكبة المستجدات في الحقل التربوي، كما يجب إعادة النظر في المناهج الدراسية وفي المقاربات البيداغوجية الحالية بالتركيز على الكيف بدل الكم. تلك إذن مجموعة من التوصيات التي رفعها المهتمون والمتخصصون إلى الحكومة المغربية، لكن غياب إرادة جادة للإصلاح تجعل من تلك التوصيات مجرد حبر على ورق.

عمر أجانا، صحافي

المدرسة العمومية أضحت حقلا لتفريخ أشباه الأميين

المدرسة العمومية تعاني من أعطاب مزمنة نتيجة عقود من السياسات التعليمية المفتقرة إلى المعايير البيداغوجية والرؤى العميقة. إن المدرسة العمومية أضحت حقلا لتفريخ اشباه الأميين ومشتلا لاستنبات متعلمين دون حس نقدي ولا وعي حضاري..!! ربط المدرسة بسوق الشغل بقدر ما له وجه إيجابي كانت له سلبيات كثيرة ندفع الآن بعض ثمنها. تراجعت المدرسة العمومية عن لعب دورها في مد البلاد بالكفاءات، والآن تمدنا بجيوش من العاطلين، نتيجة سطحية المناهج الدراسية..!! التعليم الخصوصي أضحى ميزة اجتماعية في ظل سوء أوضاع المدرسة العمومية.. وحالات الاكتظاظ وضعف التكوين وتزايد بؤس المناهج..!!
أعتقد انه آن الأوان لتنظيم مناظرة وطنية حول المدرسة الوطنية لإخراج التعليم العمومي من أزمته الخانقة.

عبد الواحد الحسني، مستشار جماعي

رحم الله بوكماخ

المدرسة العمومية نتكلم عنها ليس كبناية،وإنما كمناهج تعليمية. نجد مثلا أن سلسلة المرحوم بوكماخ (إقرأ) التي توجد اليوم في المتاحف، قد أثرت الحقل التعليمي المغربي عبر الأجيال. وأن السياسات التعليمية المتعاقبة استغنت عن هذا المنبع البيداغوجي واستبدلته بمناهج أخرى أبانت التجارب أنها غير مجدية ولا ترقى إلى مستواه. لإخراج المدرسة العمومية من المتاهة التي اضحت وسيلة لاغتناء بعض الأطراف، يتوجب حتما الرجوع إلى مناهجنا السابقة التي أعطت مفعولها عبر تعاقب أجيال من المتمدرسين. إن المدرسة العمومية تعاني الكثير في ظل غياب استراتيجات واضحة المعالم لإنقاذها.

فتيحة بناني كريش، إعلامية

لابد من نقاش عمومي لانتشال التعليم من الوحل

دوما كانت المدرسة العمومية ركيزة للتحديث في بلادنا، لأنها الخزان الأساسي للنخب. لذلك لعبت هذه المؤسسة أدوارا طلائعية في تاريخ المغرب الحديث. هكذا عرفنا المدرسة العمومية التي كانت مؤسسة للتعليم ذي المعايير العالية والمناهج المتميزة والأطر التربوية الرفيعة المستوى. فما الذي حدث حتى تحولت المدرسة العمومية إلى مؤسسات تعاني من خصاص في كل شيء؟! هل سبب تراجع التعليم العمومي يعود إلى سوء تدبير السياسات البيداغوجية؟! هل الإشكالية لها علاقة بالجانب المادي المرتبط بالخصاص في الأطر التربوية والبنى التحتية؟ كيف نعيد الاعتبار للمدرسة العمومية التي يدرس فيها أبناء الشعب؟
تساؤلات يجب ان يفتح بشأنها نقاش عمومي لانتشال التعليم في بلادنا من أعطابه.

ندير الشرقاوي، فاعل جمعوي

المدرسة العمومية أصبحت حاليا مؤسسة تثير السخرية لدى المغاربة!

 تعاني المدرسة العمومية معضلات بنيوية لا تقتصر على إشكالية المناهج، وكارثة الاكتظاظ في الأقسام، وسوء العلاقة بين الأستاذ والتلميذ.. بل تتعدى ذلك إلى ما هو أخطر..!
ولعل إغلاق المئات من المدارس العمومية في البلاد، دليل على المصير الذي يواجهه التعليم العمومي في ظل استفحال ظاهرة اللجوء إلى المدارس الخصوصية..!!
يحز في النفس أن نعترف بأن المدرسة العمومية التي تخرج منها قادة سياسيون ومفكرون وأدباء كبار.. أصبحت حاليا مؤسسة تثير السخرية لدى المغاربة بسبب توالي الإخفاقات..!!

محمد البغوري، كاتب وإطار تربوي

المدرسة المغربية في زمننا التاريخي لم تعد تحظى بثقة المواطن

إن سؤال المدرسة المغربية اليوم لم يعد يشجي ويلقح العقل والوجدان بمعازيف الأمل والثقة والسيكولوجية المستقيمة.. المدرسة المغربية في شرطنا الثقافي وزمننا التاريخي لم تعد تحظى بثقة المواطن. فهي مشاريع باردة، وغير مربحة في حسابات الكثير من الأسر المغربية ومعادلاتها.. إلا أن هذه الآراء والتمثلات في تصوري، وبحكم محايثتي واحتكاكي بالقطاع، أراها متسرعة وغير مبنية، ولا تعبر واقعا وحقيقة عما يمكن تسميته بـ»ظاهرة المدرسة». المدرسة تحشد الجموع الجمة من التلاميذ، وفي هذه الجموع تثوي الكثير من القيم والسلوكات، يمكن النظر إليها كعناصر قوية، واجتهادات لها وزن. بمعنى: أن المدرسة ليست فقط فضاء لقتل الوقت أو تصريف لقيم سلبية أو «بريستيج» اجتماعي وأسري أو بذر لأنماط غريبة ودخيلة على ضوابط المجتمع، وثوابت الهوية، ونظم التربية والثقافة والذوق.. إن ما تحتاج إليه المدرسة هو: التفكير الجدي والنقاش العمومي المسؤول بين مختلف الفرقاء والفاعلين لضخ روح التوازن في أوصالها، وذلك لا يتحقق إلا بإرادة حقيقية وفاعلة وجريئة... كل ذلك سيعيد لسؤال المدرسة المغربية أدوارها المطلوبة، والثقة المفقودة للجميع: مدرسا، متعلما، أسرة، مجتمعا... فلا تنمية حقيقية، ولا قيم للحداثة والمواطنة والاختلاف والعقلانية والسؤال الواعي والملتزم.. ولا حرية وإبداع وانفتاح وتواصل.. بدون مدرسة قوية ومساهمة في صناعة الإنسان والمواطن المعاصر بشخصية بارزة ومستقلة، بعقل أخلاقي وجمالي...