Thursday 15 May 2025
مجتمع

مصطفى ملكو: تناسل الاحتجاجات مدخل لتأسيس ديمقراطية مباشرة على أنقاض الديمقراطية التمثيلية

مصطفى ملكو: تناسل الاحتجاجات مدخل لتأسيس ديمقراطية مباشرة على أنقاض الديمقراطية التمثيلية

التقت "أنفاس بريس" مصطفى ملكو، أستاذ وباحث اقتصادي، وطرحت عليه بعض الأسئلة الآنية حول تنامي ثقافة الحركات الاحتجاجية السلمية الحضارية، كوسيلة تعبيرية للضغط على المؤسسات لتمكين الشعب من حقوقه وتحصين مكتسباته، في غياب دور الأحزاب السياسية الموكول لها تأطير الشارع والمواطن.في ما يلي جواب الأستاذ مصطفى ملكو:

"لا يمكن للمرء إلا أن يستشعر الحركات الاحتجاجية العفوية التي هزت أركان أنظمة عربية وتقض مضاجع أخرى ليتساءل عن دواعي هذه الفورة العربية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخنا، والتي سوف يكون لها ما بعدها.. لئن فهمنا وتفهمنا الانتفاضات التي طالت الأقطار العربية المحكومة منذ سنين عديدة بقوانين الطوارئ أو برسم الحزب الواحد الممأسس أو المقنَّع، أو الزعيم الأوحد، فإنه ليس من اليسير تمثل أسباب بزوغ الحركات الاحتجاجية في الشارع بالمغرب لما له من تقاليد مؤسّساتية منغرسة وتعدٌديّة حزبيّة حقيقيّة رغم بعض الشوائب، كما أن فضاء الحريّات فيه ليس بذلك الإكراه الذي تعاني منه شعوب عربيّة غيرنا.

إن فهم الحراك الشعبي ببلدنا يزداد عسراً إذا أدركنا أن جلّ مطالب شعبنا يمكن أن تٌحْمَل من طرف الأحزاب أو النقابات التي تعجُّ بها الساحة السياسية، نحاول تلمس الإجابة من خلال مٌعطيَيْن مترابطين: العامل الأول وطني والثاني عابر للأوطان، ويكاد أن يكون عنصراً بنيويّاً مرتبطا من جهة بالعولمة ومن جهة أٌخرى بما يُعرف بوفاق واشنطن. إنّ العامل الأول لشرح الحركة الاحتجاجية خارج التأطير الحزبي بالمغرب يكمن في ضعف الأداء لأحزاب سواء منها أحزاب الموالاة أو المعارِضة الرسمية التي تاهت في ردهات الحكم واللهاث وراء التكسب.

إن أحزابنا فقدت نضاليّتها إذ أصبح همُّها الوحيد هو الكراسي الحكومية الفارهة والمقاعد البرلمانية الوثيرة عن طريق ترضيات وتوافقات سياسوية فوقية، بذلك فقدت من جاذبيّتها ولم تعد قادرة على تعبئة القوات الشّعبية، وبالتالي نشأ بون شاسع بين الجماهير وبين النخب الحزبية نجم عنه فقدان الثقة في هذه الأحزاب وفي شعاراتها التي لم تعد تُلهب الحماس ولا تعد بالتغيير المنشود.

العامل الثاني الثاوي في ثنايا الغضبات الشعبيّة هو ما يعرف بوفاق واشنطن وهو عبارة عن نادي مالي يضم بعض المصارف الأمريكية بالإضافة إلى البنك المركزي والبنك الدولي وصندوق النقد... يكيِّف هذا النادي قروضه المالية حسب أنموذج من الحكامة مبني على الديمقراطية محصورة في بعدها السياسي الضيق وعلى اقتصاد السوق المتحرر من كل القيود، هكذا فرمانات تقيد سيادة الدول وتدفع الدولة دفعا للتخلي عن دورها المركزي للدولة الرزَّاقة للانخراط في دور الدولة المُناوِلة من الباطن ككل دول الأطراف.

هكذا وضع قزَّم الدولة واختزلها في دور الوسيط بين مواطنيها وبين مراكز القرار في دول المركز. والأنكى أن الأحزاب التي من المفروض أن تكون صمام أمان ضد استلاب الدولة، انخرطت بدورها في أتون العولمة، إذ تخلت عن أيديولوجيتها لتركب موجة البرغماتية وأصبح همها ليس المناضل والنضال بل الناخب والاستحقاقات الانتخابية، في ظل هذه التموجات العالمية مقرونة بتخلي الدولة والأحزاب عن المستضعفين، وفي ظل اقتصاد فوق لبرالي يغدق فقراً، لم يبق للمحرومين من بدّ إلا الخروج للشارع للاحتجاج عن الشرخ الاجتماعي الذي طالهم وليؤسسوا لنوع من الديمقراطية المباشرة التي تنذر بأُفول الديمقراطية التمثيلية.

إنّ التلويح بفزّاعة ايقاظ الفتنة لن يعدو كونه أكثر من تغطيّة عن فشل السيّاسات الرسميّة وعن عجز الأحزاب والنقابات في القيّام بالأدوار المنوطة بها. إنّه خطاب للاستهلاك السياسي وتبرئة الذمة لطبقة سياسية شاخت وترهّلت!!".