عندما قرر المجلس الحكومي المنعقد يوم الاثنين 24أكتوبرالجاري وقف استيفاء رسم الاستيراد على "العدس" تفاديا لأي " خلل" في تسويق هذا المنتوج وحفاظا على القدرة الشرائية للمواطنين، طرح السؤال حول طبيعة اشتغال حكومة تصريف الأعمال هذه؟ وحول المفهوم الذي أعطاه الدستور لهذه الحكومة؟ وهل يهم الأمور الجارية لضمان استمرار المرفق العام ام كل القضايا التي تقتضي الاستعجال؟ "أنفاس بريس" اتصلت برشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا جامعة محمد الخامس الرباط الذي قال ما يلي:
"لم يفصل الدستور المغربي لسنة 2011 بمواد صريحة وواضحة لتنظيم بعض الحالات الطارئة، المتعلقة بحدود قانونية الأعمال التي يقوم بها أعضاء الحكومة المنتهية ولايتها، في انتظار تنصيب مجلس النواب للحكومة التي ستحل محلها، بحيث برز نقاش على الساحة مؤخرا حول مدى درجة صحة التدابير التي أقدمت عليها حكومة بنكيران السابقة، وحول مدى جواز اتخاذها لهذه القرارات من عدمه.
رغم غياب هذا التفصيل، فإن المشرع الدستوري لم يتغافل عنها بالمطلق، بل خصصها بالإشارة في بعض الفصول، في إطار ما سماه بمسألة تصريف الأمور الجارية من طرف الحكومة المنتهية مهامها، ومن هذه الفصول، نذكر المادة 47 والمادة 87، مسندا مسألة التفصيل فيها إلى المجال التنظيمي.
وبالفعل، فقد صدر في سنة 2015 القانون التنظيمي 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها (19 مارس 2015 منشور بالجريدة الرسمية في عدد 6348 بتاريخ 02 أبريل 2015)، متضمنا لبعض المقتضيات التي يمكن الارتكاز عليها، إضافة إلى تلميحات الدستور، للخروج بمقاربة جوابية عن الإشكال المطروح.
وعليه، فاستنادا إلى المادة 12 من هذا القانون، يكون من حق رئيس الحكومة أن يقدم على تكليف أحد أعضاء الحكومة بالنيابة عن زملائهم الذين تغيبوا أو حال مانع دون مزاولتهم لمهامهم إذا اقتضت الضرورة ذلك، بحيث يمارس عضو الحكومة المكلف بالنيابة -تضيف نفس المادة- كامل الصلاحيات المخولة لزميله الذي تغيب أو عاقه عائق، ما عدا الصلاحيات المتعلقة بالتعيين أو اقتراح التعيين في مناصب المسؤولية. وطبيعي أن يشمل هذا العائق المحتمل، حالة إعفاء أو استقالة الوزير الغائب، وهذا يفهم من منطوق الفقرة الثانية من نفس المادة، التي تؤكد على أن التكليف بالنيابة، ينتهي فور استئناف عضو الحكومة المعفى من مهامه أو تعيين خلف له بعد إعفاءه طبقا لأحكام المادة 47 من الدستور، التي تنص صراحة على أن الحكومة المنتهية مهامها، تواصل تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة. هذا معناه إذن، أن الإعفاء، سواء كان بالاستقالة أو الإقالة، يدخل في باب "الموانع الحائلة" التي تكلمت عنها المادة 12 المشار إليه أعلاه.
وبالرجوع إلى نفس القانون التنظيمي، ولاسيما في الباب الثالث المتعلق بالقواعد الخاصة بتصريف الحكومة المنتهية مهامها للأمور الجارية ومهام الحكومة الجديدة قبل تنصيبها من قبل مجلس النواب، نجد أن المادة 37، لم تترك هذا التكليف عاما ومطلقا، بل قيدته بحالات جد محدودة، إذ بعد التوضيح الذي أوردته هذه المادة في فقرتها الأولى عن المراد بعبارة "تصريف الأمور الجارية"، محددة إياه في "اتخاذ القرارات والمراسيم والمقررات الإدارية الضرورية والتدابير المستعجلة اللازمة لضمان استمرارية عمل مصالح الدولة ومؤسساتها وضمان استمرار سير المرفق العام"، عادت لتحصر هذه التدابير في تلك التي ليس من شأنها "إلزام" الحكومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة، وأعتقد أن عبارة "تصريف الأمور الجارية" تفسير لمعنى "إلزام الحكومة"، أي أن المشرع يريد القول، وبمفهوم المخالفة، أن هذا "التصريف" جائز، ولكن في الحدود التي لا تصل إلى مستوى تحميل الحكومة المقبلة التزامات قد ينوء به كاهلها، أو يؤثر سلبا على التطبيق العادي لبرنامجها وتوقعاتها، كأن يكون التدبير من قبيل الالتزامات المالية المحملة للميزانية تكاليف كبيرة.
تأسيسا على ذلك، يمكن القول أن عقد مجلس الحكومة من طرف رئيس الحكومة في هذا الظرف، شرعي من الناحية القانونية، لاسيما وأنه يتعلق بقضيتين مستعجلتين، الأولى تتعلق بالقدرة الشرائية للمواطن وبمعيشه اليومي، إذ أن حبوب "العدس" يعد من المواد الاستهلاكية التي تعرف إقبالا مكثفا لدى الشريحة الواسعة من المواطنين ولا تعد من "الكماليات"، وبالتالي فارتفاع ثمنه إلى حدود قياسية من الأمور الاستعجالية التي تتطلب قرارات فورية حفاظا على استقرار الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطن وللأمن العام، ولا أعتقد أن رفع رسم الاستيراد المفروض عليه سيحمل الحكومة المقبلة بالتزامات قاهرة. نفس الشيء بالنسبة للمرسوم الثاني الذي نوقش هو الآخر في مجلس الحكومة المنعقد بداية هذا الأسبوع، والمتعلق بمنع استيراد الأغشية والأغطية البلاستيكية التي تم استعمالها في الإنتاج الفلاحي بالخارج، لأنه يسعى إلى رعاية أمرين، أولها ذو صبغة صحية بالنسبة للمستهلك ويتماشى مع قرار منع الأكياس البلاستيكية لما لها من ضرر، وثانيهما بيئي يهم المجال الترابي بصفة عامة، وأعتبره هو الآخر قرارا منسجما مع الظرفية التي يستعد فيها المغرب لاحتضان حدث الكوب 22، إذ يمكن إدراجه ضمن رزنامة التدابير المتعددة التي أقدمت عليها الدولة المغربية مؤخرا، استعدادا لهذا الحدث وتعبيرا منها عن عزمها الفعلي للمساهمة في تنفيذ التزاماتها الدولية الخاصة بالحد من التلوث، وغيرها من مقتضيات منصوص عليها في اتفاقية باريس المصادق عليها في كوب 21".