يكشف أحمد عصيد، كاتب وناشط حقوقي، في هذا الحوار هرولة بعض الأحزاب الوطنية إلى الانضمام للحكومة المقبلة، معتبرا أن حزب التقدم والاشتراكية قد ربط نفسه بشكل عضوي بالعدالة والتنمية لضمان كراسي في الحكومة. مضيفا أن حزب العدالة والتنمية بات يشكل خطرا على الديمقراطية بالنظر إلى توجهاته وأهدافه الحقيقية...
+ كيف تفسر هرولة زعماء الأحزاب السياسية في الصف الديمقراطي نحو اقتسام كعكة كراسي الولاية الثانية لحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية؟؟
- هناك عدة تفسيرات أهمها أن هذه الأحزاب بعد أن حاولت أن تحصل على نتائج إيجابية في الانتخابات ولم توفق، بدا لها أنها إن ظلت خارج الحكومة فمن شأن ذلك أن يفقدها الكثير من أطرها، خاصة وأن بعضها قد فقد الكثير من قواعده كما حدث بالنسبة للاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، فالمشاركة في الحكومة هي أخفّ الضررين بالنسبة لهذه الأحزاب. والملاحظ أن حزب التقدم والاشتراكية قد ربط نفسه بشكل عضوي بالعدالة والتنمية لضمان كراسي في الحكومة، وانتقل من الائتلاف البراغماتي إلى التحالف الاستراتيجي مع الحزب الإسلامي، وهو ما يطرح بشكل جدي مشكلة المرجعيات الفكرية والإيديولوجية للأحزاب اليسارية، حيث يمكن أن نتحدث عن نوع من فقدان الهوية لدى هذه الأحزاب.
+ ما هو أثر ذلك على المشهد السياسي المغربي، خصوصا على مستوى الدعوة القائمة لتجميع مكونات العائلة اليسارية الديمقراطية؟؟
- أعتقد أن فكرة تجميع عائلة اليسار لم تعد تأخذ بعين الاعتبار حزبي الاتحاد والتقدم والاشتراكية، بقدر ما تعتبر فقط المكونات الأخرى وخاصة فيدرالية اليسار.. فهناك على المستوى الفكري والإيديولوجي الكثير مما يباعد بين التيارين، حيث أنّ النزعة البراغماتية التي أبان عنها حزب الاتحاد الاشتراكي والتي بقي بموجبها 14 سنة في الحكومة، وكذا نزعة التبعية الواضحة التي ظهرت من حزب التقدم والاشتراكية لحزب المصباح، قد جعلت التيارات اليسارية الأخرى تعقد العزم على التوحد في غياب الحزبين المذكورين، من أجل جبهة يسارية قوية. ولعل الذي يشجع هذه التيارات على هذه الفكرة كون الكثير من الغاضبين من الاتحاد والتقدم الاشتراكية أصبحوا يلتحقون بتكتل فيدرالية اليسار ويتعاطفون معها، وقد صوت الكثيرون لهذا التكتل في الانتخابات الأخيرة. وأعتقد شخصيا أن نسبة مهمة من الغاضبين من الحزبين سيساندون بوضوح أكبر الفيدرالية في أية استحقاقات قادمة.
+ ما هو المدخل الأساسي في اعتقادك بعد نتائج استحقاقات 7 أكتوبر لرد الاعتبار للمشهد السياسي في أفق بناء قطبية سياسية حقيقية، لخوض معركة استرداد الحقوق والمكتسبات المغتصبة خلال الولاية الأولى لحكومة بنكيران؟
- المدخل الحقيقي هو تأطير المواطنين في ضرورة وحتمية المشاركة في الحياة السياسية بكثافة وبحس ديمقراطي، مع توفير جبهة ديمقراطية تعيد الأمل للصف الديمقراطي، وتجيب عن السؤال على من نصوت؟ لأن نسبة العزوف أصبحت علاوة على أنها تقوي الدولة العميقة والسلطوية التقليدية، تقوي كذلك التيار الإسلامي وحزب العدالة والتنمية الذي يشكل خطرا على الديمقراطية بالنظر إلى توجهاته وأهدافه الحقيقية. فهو لن يقبل البقاء في موقع المشاركة في تدبير الشأن العام لأن التيار الإخواني لا يؤمن بذلك بل غرضه الحصول على أغلبية مطلقة للاستفراد بالدولة وبالقرار.. ولهذا يعتبر الملكية حجر عثرة في طريقه، وهو ما يفسر التهجم على المحيط الملكي كمحاولة غير مباشرة لإضعاف شرعية النظام ثم السعي إلى الحلول مكانه، وهذا ما يفسر الأسلوب المافيوزي والسرطاني الذي يعتمده هذا الحزب في عمله داخل دواليب الدولة، حيث يعطى الأولوية للتمكين لنفسه على تدبير الشأن العام، وهي نفس الطريقة التي اتبعها "الإخوان" في مصر وكانت وبالا عليهم في النهاية حيث كانوا يتعجلون الاستيلاء على كل شيء ففقدوا كل شيء.
من جانب آخر لا بد من الضغط لإصلاح التعليم والإعلام من أجل نشر وعي مواطن وتأهيل المجتمع حيث يلاحظ على أن المشاركة في الانتخابات إما تكون بمنطق الاستفادة المادية من الرشاوى الانتخابية أو بمنطق الخضوع للتخدير الديني والإشاعة الكاذبة والتهييج، ويبقى الغائب الأكبر هو الوعي الديمقراطي الذي يجعل المواطن يختار مرشحيه بناء على برنامج سياسي واضح.
+ ما هي تنبؤاتك المستقبلية (طبعا خلال الولاية الثانية لحكومة بنكيران)على مستوى تنزيل وأجرأة مضامين دستور 2011، وترجمته على مستوى حقوق الإنسان (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية...)؟
- طبعا لم نعد ننتظر شيئا إيجابيا فكل القوانين التي انتظرناها والتي اعتبرت مكتسبات دستورية سنة 2011 قد تم إجهاضها أثناء الولاية السابقة، وخاصة منها ما يتعلق بحقوق المرأة والمساواة والمناصفة ومحاربة الميز وكذلك ما يتعلق بالحريات وبتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، حيث جاءت هذه القوانين كلها مخيبة للآمال وبعيدة عن نص وروح دستور 2011 وقد كان ذلك مقصودا سواء من طرف حكومة بنكيران السابقة أو من طرف السلطة العليا بدليل تمريرها في الأمانة العامة للحكومة على علاتها وبدون تعديلات، مما يدلّ على عدم توفر الإرادة السياسية لتفعيل الدستور، كما يدل أيضا على وجود نفس انتقامي ضد القوى التي ساهمت في الحراك الشعبي خلال سنة 2011. إن الوضع السياسي العام يعكس في الواقع نوعا من التردد وعدم الحسم وهو ما يميز النظام المغربين الذي يفضل اللعب على الحبلين للحفاظ على التوازنات التي يريدها، وهي توازنات في الغالب تؤخر الحل الديمقراطي وتشل دينامية المجتمع، وتحافظ على الكثير من مساوئ الماضين كما انها تشيع نوعا من الإحباط والعدم الثقة في المؤسسات، وهو ما يفسر نسبة العزوف الكبرى عن المشاركة في الحياة السياسية.