لاشك أن الباحث في المسار الإعلامي النسائي بالمغرب، لن يجد حرجا في إعلاء اسم سميرة الأشهب قائمة النساء اللواتي سقطن عن طواعية في معترك نضالهن الإذاعي، وأبدين خلال مسيرة طويلة من العمل قدرة جريئة على مواجهة مختلف الصعوبات والتحديات سواء تلك التي فرضتها طبيعة المجال أو التي صدرت عن جهات اعتبرتها الأشهب عدوة الإصلاح والتغيير.
وأمام كل هذه الضغوطات، أبت ابنة الدار البيضاء إلا أن تكمل المشوار الذي ابتدأته في مرحلة كان من قبيل المستحيل التحدث فيها عن المٍرأة، فبالأحرى اقتحامها لحقل غاية في الحساسية طالما أنها مقتنعة حتى النخاع بأن لكل عمل كبير ثمن غال. وتسخير ما قالت عنه دليل رضى الله عليها، إن كان موهبة أو اهتداء للمعهد العالي للصحافة أو بعد ذلك زوج أكثر من متفهم، لغاية المضي في طريق عشق "الميكروفون"، مدججة ببساطة لا قوة في الدنيا تقوى عليها، ولا ردة فعل ترعبها، كما سبق أن هزمت الأعاصير والتيارات التي لحقت الميدان دون أن تزحزحها من مكانها.
هذا، لتبقى ضيفة "أنفاس بريس" إسما لامعا يشهد على سخاء منطقة الحي المحمدي "الولادة" التي تعد الأشهب إحدى سليلاتها المتنفسة، حسب ما اعترفت، هواءه ملء رئتيها، ولا تحس بوجودها وكينونتها، رغم انتقالها للرباط قبل ربع قرن، إلا وهي تتجول في "قيسارية الحي المحمدي"، وتريح العين بالنظر إلى واجهة "دار الشباب" وبوابة "سينما السعادة".
"أنفاس بريس" وحتى تغوص أكثر في كل ما يترك أثرا يؤرخ لحقبة نريد لها أن تصبح مرجعا، كان لابد لها من أن تطرق باب إعلاميتنا وعدم العودة إلا ومعها إجابات عمرت لسنين وهي خفية عن الكثيرين بستار العزل.
بأحد بيوت الحي المحمدي المتواضعة أطلقت صرختها الأولى على حِجر أم تشتغل ربة بيت ومن أب عامل بمصنع للسكر. لتبتدئ الحكاية بانفتاح أعينها على هذه الدنيا وقد سبقها إليها أربعة إخوة قبل أن يكمل عقد التسعة أشقاء أربعة آخرين.
ولأن الحياة لا تخلو من مصاعب يقاسيها الناس، وبما أنها واحدة من الناس، فإن سميرة الأشهب التي تحمل في رصيدها الآن تجارب رحلات شتى وهبتها لها ظروف مهامها العملية، إن داخل المغرب أو خارجه، لم تكن تعرف للسفر معنى أيام طفولتها، وكل ما كانت تملأ به فراغ العطلة المدرسية هو "تنقية الزرع". إذ، لا الإمكانيات المادية كانت تسمح بذلك ولا وجود لمن يقبل ضيافة أسرة بـ 9 أبناء. ومع هذا، فجرت جميع طاقاتها الذكائية على مقاعد مدرسة "الإتحاد" الابتدائية بدرب مولاي الشريف، معلنة عن تحد لا رجعة فيه لتتسلق في مراحل لاحقة سلالم التعليم الإعدادي وبعده الثانوي إلى أن حصلت على شهادة الأخير سنة 1984. ومن ثمة، الإهتداء إلى المعهد العالي للصحافة الذي قضت به 4 سنوات توجت بنيل دبلوم ضَمن لها موطئ قدم في المحطة المركزية للإذاعة والتلفزيون. وذلك ما تعتبره من علامات رضى الله عليها لما مكنها من اقتحام ولوج مجال تعشقه حد الهوس.
وطبعا، لم يكن لهذا الحب إلا أن ينجب وليدا شرعيا اسمه النجاح، مازال إلى حدود اللحظة ينمو ويترعرع بين أحضانها. حضن سميرة الأشهب هذا، ولو أنه يبقى من قبيل المجازفة حصر ساكنيه، إلا أن الأكيد كون الابنتان بسمة وإيمان التي مازالت سميرة تميل إلى مناداتها بـ"الكتكوتة"، تحتلان الركن الرحب فيه، إلى جانب الزوج الذي تعتبر الإرتباط به أيضا من علامات رضى الله عليها، تبعا لما وجدت فيه من تفهم وتشجيع، وبقدر ما تفرضه عليه طبيعة عمله كرجل سلطة من صرامة، فإنها سرعان ما تتحول إلى بحر من الليونة وهو يضع المفتاح في قفل باب مملكة دار سميرة.