السبت 18 مايو 2024
مجتمع

تنامي مسلسل الإنهيارات السكنية بأزمور.. من المسؤول؟

 
 
تنامي مسلسل الإنهيارات السكنية بأزمور.. من المسؤول؟

تتهدد مدينة أزمور آفة جد مستعصية قد تأتي على رصيدها المعماري والفني المتوارث عبر التاريخ، شكل دوما أحد مميزاتها كحاضرة ضاربة في عمق الماضي يشهد على عراقتها وأصالتها ما تختزنه من مآثر عمرانية كشهادة حية على مختلف ألوان الفن المعماري المغربي الأصيل، بما يحمله ذلك من معاني ورموز تمثل ذاكرة المدينة هذه الآفة التي احتارت واختلفت بشأنها القراءات التأويلات. وذلك في غياب بحث تقني عميق يشفي تساؤلات الساكنة ويكفل وضع حد لمسلسل الانهيارات المفاجئة التي تقض مضجع الساكنة، والقطع مع التعليقات المتسرعة للمسؤولين بالمدينة بإحالتهم اللائمة دوما على عوامل تاريخية وجيولوجية مرتبطة بتكوين الطبقات الأرضية.

هذا، في حين يؤكد المتضررون بأن مجاري الصرف الصحي وقنوات الماء الصالح للشرب هي المتسبب الرئيسي، كما تتبث ذلك مجموعة من الأحكام التي صدحت بالمسؤولية المباشرة للعنصر البشري والتعاطي مع الظاهرة بوسائل تقنية متجاوزة وعفا عنها الزمن.

يوما بعد آخر تطالع سكان المدينة أخبار متواترة عن حدوث انهيارات سكنية وظهور حفر عميقة يظهر من بعضها بعض بقايا مآثر عمرانية  طامرة تحت المدينة، ما يحيل إلى تعاقب حضارات مختلفة على المدينة، ويثبت قدمها وتعرضها للغزو والتهديم في فترات تاريخية لازالت البحوث لم تصلها وتهتم بها لتحديد هذه الفترات بدقة وتدارك هذا النقص الذي يشكل إعاقة حقيقية في ذاكرة المدينة، وعدم الإكتفاء بما هو موجود من شذرات في هذا الكتاب أو ذاك الكتاب. أغلبهم من جنسيات بلاد الغزاة أو لبعض المستشرقين الدين تغالبهم الأحكام المسبقة التي تغرق في تحقير الأهالي وإلباسهم لبوس الهمجية وعدم التحضر، مع توصيف حكام تلك الحقب بروايات ولا في ألف ليلة وليلة.

فهذا الإشكال العويص الذي تعيش تحت تهديده الدائم فئات عريضة من ساكنة النسيج العمراني القديم، يستلزم في حقيقة الأمر وقفة متأنية لتحديد مكمن الخلل وتشخيص الحالة كبداية للبحث عن البدائل التقنية الملائمة. فغياب هذه الأمور تترك الباب مفتوحا لكل من هب ودب يشيع وسط الساكنة اجتهاداته الشخصية دون تخصصه في الميدان.

هذا التطفل طال بالمدينة وشكل مطية تتيح إمكانية الركوب على مآسي المنكوبين بالوعود العرقوبية، يحضر فيها ماهو سياسوي انتخابي ضيق وما هو سلطوي محض يروم عدم التهويل ومحاولة حجب الشمس بالغربال لتأجيل أمر التدخل والمعالجة لعدم توفرهم على هذه الإمكانية والاكتفاء بالتسويف والمماطلة، عوض إحالة الملف برمته على مكتب خبرة متخصص يحدد بشكل واضح ويقيني أين البداية والنهاية، لتظل المدينة تشكي حالها دون مجيب.

حاولنا البحث عن أجوبة شافية من أفواه المسؤولين، وكانت صدمتنا كبيرة نظرا لشح المعطيات، وأغلب التصريحات التي استقيناها تركز على عامل معين مع إغفال عوامل أخرى بالنظر لطبيعة التكوين، مما أفرز أمامنا معطيات متناقضة كلها تذهب في محاولة إعطاء تفسير للظاهرة. ففي ما يتشبثون الضحايا بشدة على مسؤولية الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء المكلفة بالتطهير السائل ويحملونها كل ما أصاب منازلهم من انهيارات وشقوق وتصدعات، تذهب السلطة المحلية إلى أن للأمر علاقة بقدم هذه البنايات وعدم توفرها على أساسات متينة، مع تواجد هذه المساكن فوق خنادق قديمة خاصة بالمدينة القديمة، بالإضافة إلى مشكل الصرف الصحي الذي يمر في بعض الحالات من تحت المنازل.

وقد قامت السلطات المحلية بعملية إحصاء للدور المهددة وأحالتها على مصالح البلدية ليجد له مكانا آمنا في رفوف مكاتبها الرحبة إلى الأبد. كما أفادت السلطة المحلية أن على كل من يلمس في نفسه ضررا أن يلجأ إلى الجهات القضائية لتحديد المسؤوليات والحكم بالتعويض الملائم.

وبين جهل المواطن بحقه في مقاضاة جهات إدارية والخوف من اتباع هذه المسطرة في بعض الأحيان، لم تسلك هذا المنحى إلا فئات قليلة أثبتت الأحكام أحقيتها في تعويضات وصلت إلى 100.000 درهم. ويؤكد أحد المسؤولين السابقين عن ورش التطهير السائل وتتبع أشغال التطهير الصلب والسائل بالبلدية، أن ظاهرة الإنهيارات قديمة بالمدينة وليست وليدة اليوم مع ملاحظته تناميها في السنوات الأخيرة، مرجعا أسبابها إلى تقادم هذه الدور وخاصة تلك المبنية بواسطة تقنية التابية.

وأشار إلى أن تساقط أخرى حديثة البناء بفعل إنشائها بطرق عشوائية ودون معايير تقنية، فيما البعض الآخر أضاف طوابق فوق سطوح بنايات متداعية أصلا، دون أن ينفي تورط ومسؤولية قنوات الماء الصالح للشرب والصرف الحي في بعض الحالات، حيث أكد بصفة خاصة على تآكل الشبكة وقدمها مما أعطى تسربات مائية ضربت الأساسات أدت إلى ظهور شروخ وحفر عميقة.

كما أفاد بكون المواطن يزيد ببعض تصرفاته الغير المسؤولة في تأزيم الوضع برميه لبعض النفايات الصلبة في مجاري الواد الحار، ما يؤدي إلى اختناقها وانفجارها تحت الأرض لا تظهر للعيان إلا بعد فوات الأوان. مع بروز أولى تباشير التصدعات والإنزلاقات الأرضية، محذرا من أن المدينة تنام فوق بركان.

بين هذه الجهة وتلك، وبين تحذير هذا وذاك، ومحاولة كل جهة تحميل المسؤولية لجهة أخرى ونفض يدها من الموضوع، تظل المدينة لحالها ويبقى المواطن في حيرة من أمره وعدم استساغته بلع شعارات متفائلة صدحت بها أفواه البعض برحاب البلدية، مبشرة بغد مشرق وتوليد مدينة سياحية بامتياز مع ما صار يحيط الشعار الكبير الذي يؤثث وسط المدينة ومخارجها، يتغنى بالألوان والماء والخضرة من تساؤلات جدية حول الرغبة في تأهيل المدينة، وإعادة رد الإعتبار لها الذي لم تر منه المدينة إلا يافطات يجتهد الزوار في التقاط صور لها اعترافا بالإحترافية التي تفننت في إخراجها دون أن تخرج المدينة من وضعها