بينما أنا أتجول بأحد شوارع مدينة "أوتاوا"، العاصمة الإدارية لكندا، وغير بعيد من إحدى الخزانات البلدية، لفت نظري صندوق من الزجاج بجانب الرصيف مكتوب عليه "خزانة متنقلة". اقتربت من الصندوق فوجدته مملوءا بمجموعة من الكتب من مختلف مجالات المعرفة. الصندوق مفتوح وبداخله ورقة مكتوب عليها "خذ كتابا وضع مكانه كتابا" ساعتها لم يكن بحوزتي أي كتاب وعدت لنفس المكان في اليوم الموالي وبحوزتي كتاب. وبالفعل فتحت الصندوق واستبدلت كتابي بكتاب وقع عليه اختياري.
عشت لحظة ممتعة وأنا أتفحص كتب الصندوق وأستبدل كتابي بكتاب آخر. وحتى لا أنسى، أخذت صورة تذكارية مع هذه اللوحة الرائعة.
حينها تساءلت مع نفسي لماذا لا يضع مسؤولي مدننا رهن إشارة المواطنين هذه الوسائل لتشجيع القراءة؟ أي خزانة ضمن كل تجمع سكاني وخزانات متنقلة، "أولسنا أمة إقرأ؟"
ربما فكرة الخزانة المتنقلة على شاكلة الصندوق الزجاجي في واجهة الطريق غير واقعية بالنسبة لبلدنا، حيث لازال تدبير المجال المشترك ضعيفا بالنسبة لمواطنينا.
لكن يمكن أن نعتمد نفس الوسيلة في المدارس والجامعات وفي مقرات الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني. هذه الواقعة طرحت علي بحدة سؤالا يؤرقني هو لماذا شبابنا وعموم مواطنينا لا يقرؤون؟
حينها تذكرت واقعتين الأولى برنامج تلفزي حول موضوع القراءة استضاف الراحل محمد زفزاف الذي صرح بكل حسرة ‘’نحن شعب لا يقرأ’’. أتذكر أن الصحفي منشط الجلسة تساءل ربما أن أثمنة الكتب مرتفعة وقد تكون من بين أسباب العزوف عن القراءة؟ رد عليه زفزاف بكل حزم: أبدا، ودعم موقفه هذا بأن أشار إلى أنه يعرف دورا فخمة تفوق قيمتها المليارين ولا تتوفر على مكتبات!
الواقعة الثانية التي خطرت على بالي في هذه اللحظة، هي التحول الذي شهدته البنيات التحتية المحفزة للقراءة في المدنية التي ترعرعت فيها ألا وهي مراكش الحمراء.
في حيّنا بروض العروس كنا نتوفر على خزانة بداخل قصر الباشا الكلاوي، كانت عبارة عن قاعة كبيرة مزخرفة بالخشب وتتوفر على المئات من الكتب، وهنالك قرأنا نحن نخبة من شباب الحي (سلسلة جورجي زيدان التاريخية وأيام طه حسين وكتب العقاد والمنفلوطي ونجيب محفوظ وسلامة موسي إلخ.)، أضف إلى هذا كتبيي جامع الفنا علاوة على عدة مكتبات في جل أحياء المدنية.
أما اليوم فخزانة قصر الكلاوي أغلقت وتحولت دار الباشا إلى إقامة ملكية قد تأوي أحد الضيوف ليلة أو ليلتين في السنة!! ثم أن الكتبيين أبعدوا عن ساحة جامع الفنا وتم تأثيث الفضاء بأصحاب المأكولات، وحدث ولا حرج عن المكتبات التي تحول جلها إلى مقشدات.