السبت 4 مايو 2024
سياسة

محمد الطنطاوي: حكومة عبد الإله بنكيران تعتبر أفظع حكومة عرفها المغرب على الإطلاق

محمد الطنطاوي: حكومة عبد الإله بنكيران تعتبر أفظع حكومة عرفها المغرب على الإطلاق

وجه موقع "أنفاس بريس" أسئلة لمجموعة من القيادات والفعاليات السياسية المحسوبة على اليسار قصد قراءة وخلخلت المشهد السياسي الراكض ونحن على بعد مسافات قليلة من محطة استحقاق 7 من أكتوبر2016 ، أسئلة مقلقة تمحورت حول مجموعة من القرارات اللاشعبية التي صاغتها حكومة بن كيران في غياب اليسار.. وحول قضايا المجتمع وتفاعل اليسار معها وبرامجه وآليات وطرق اشتغاله، والحلول الممكنة لتدارك غياب اليسار عن الساحة النضالية، في هذا الحوار نقدم للقراء رأي الفاعل الحقوقي والسياسي محمد الطنطاوي ووجهة نظره .

+ كيف تقرأ حضور اليسار في المشهد السياسي المغربي بعد خمس سنوات من فترة حكومة بنكيران؟

- تصاغ سياسات وقرارات مصيرية ترهن المغرب لسنوات طويلة في غياب قوة يسارية، قد تكون رادعة لهذه القرارات اللاشعبية، التي في أغلبها من إفتاء المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وغيرها مثل قرارات الاستدانة المفرطة لحكومة بنكيران، التي سيكون لها أوخم العواقب على مستقبل المغرب، و فيها مساس خطير بالحقوق الأساسية لأجيال المستقبل، فضلا عن تفويت القرار الوطني الاقتصادي لفائدة هذه المؤسسات التي ليس لها هم إلا الربح على حساب مقدرات الدول المدنية. إن اجتهاد الحكومة الوحيد الذي أبدعت فيه، تحدد أساسا في ضرب المرافق والقطاعات الاجتماعية مما سيؤدي إلى تفكك اجتماعي خطير داخل المجتمع المغربي. إن الهرم الاجتماعي للمجتمع، ستكون على رأسه قلة قليلة تجمع كل الثروات، أما القاعدة فتتكون من الأغلبية الساحقة الفقيرة، بل المفقرة من طرف الحكومة، التي تنهج سياسة ليبرالية متوحشة هدفها الإجهاز حتى على مؤسسة الدولة، بحيث سيصبح الرابط بين المواطن والدولة يتحدد في الضرائب التي يؤديها المواطن.. إن حكومة عبد الإله بنكيران تعتبر أفظع حكومة على الإطلاق عرفها المغرب، وهي نسخة ممسوخة لتوجهات الامبريالية الهادفة إلى تفتيت كل الأشكال الرافضة لضرب ما هو اجتماعي، سعت وتسعى إلى تدمير الوسائط الاجتماعية، التي ترسي أسس الاستقرار الاجتماعي وخاصة النقابات التي أصبح لها دور استراتيجي في خلق التوازن الاجتماعي وكبح كل عوامل تدمير المقدرات الوطنية والذاتية.

عبد الإله بنكيران والإعلام المأجور الذي يخدم أجندته، واهم إن كان يظن أنه انتصر على النقابات، إن هذا النصر هو سراب وخيط دخان سريع التلاشي لأنه يضرب أهم دعامة يقوم عليها البناء الوطني، ألا وهو الاستقرار الاجتماعي، والأمن المترتب عنه. الممهد لعمل الفاعليات الأخرى الضرورية للارتقاء ضمن الدول المتقدمة. إن هذه الهجمة الشرسة من طرف الليبرالية المتوحشة، جاء نتيجة عدة عوامل أهمها، عدم قدرة اليسار التأثير على القرار السياسي الوطني وعدم تمكنه من تعبئة قاعدة اجتماعية كرافعة لرؤيته وبرامجه فضلا عن التناحر بين مكوناتها، سواء على مستوى العلاقات البينية، وفي بعض الأحيان على المستوى السياسي، علاوة على تراجع اليسار على المستوى العالمي وتورطه في الدفاع عن قرارات لا تخدم القوى الشعبية من طرف حكومات يقودها اليسار كما يحصل في فرنسا. تراجع الفكر اليساري على المستوى الكوني مما أثر سلبا على الحركات السياسية ذات النفس اليساري، في إنتاج برامج يسارية تخدم القوى الشعبية.. وفي هذا الإطار، فإن الحالة المغربية تقدم مشهدا سياسيا يبدو للمتتبع بأنه سوريالي إلى حد أقصى، إذ يقوم على قطبين، يبدو ظاهرا بأن أحد طرفيه محافظ يقوده حزب العدالة والتنمية، والآخر حداثي يقوده حزب الأصالة والمعاصرة. فإن كانت العدالة والتنمية ترفع شعار الهوية لمواجهة التيار الحداثي بدعوى المحافظة على الثوابت التي تميز الذات عن الآخر العلماني الغربي، فإنها لا تتورع عن التماهي إلى حد الثمالة مع التوجهات الاقتصادية لهذا الآخر الغربي العلماني، التي تضرب المكتسبات الاجتماعية في مقتل، وتضرب الأسس الكفيلة لتحقيق عدالة اجتماعية، الرافعة الأهم للبناء الديمقراطي.. أما التيار الذي سمي ادعاء بالحداثي، فإنه لا يستعمل من الحداثة إلا ما يمكنه من مواجهة التيار المحافظ التمدد انتخابيا، لأن الحداثة هي مشروع شمولي لا يمكن أن يتجزأ. في ظل هذه الوضعية لابد للقوى اليسارية من أن تبادر لكي تلعب الدور المنوط بها حسب الدستور (تأطير المواطنين) والموكول إليها تاريخيا في الدفاع عن القوى الشعبية، وعن المصالح الوطنية الإستراتيجية، لذلك فهي مدعوة إلى تسطير برنامج آني مرحلي، وآخر استراتيجي بعيد المدى .

+ ما هي أهم الملفات والقضايا التي يستوجب على اليسار الترافع فيها مرحليا؟

- لقد كان مطلب الحركة التقدمية دائما، وخاصة التي تعمل من داخل المؤسسات، الارتقاء بالإدارة المغربية، باعتبارها قائدة للتنمية المحلية والوطنية، وكان تركيزها على مؤسسة العامل أساسي مما لها من دور في العملية الانتخابية، وفي الصفقات التي يعرفها الإقليم والعمالة، لكن هذا المطلب لم يعد من اهتماماتها، حسب منطوق الدستور 2011 إن العامل مسؤول سياسي وإداري في نفس الوقت ما دامت مسؤوليته قائمة، فالمحاسبة هي كذلك ضرورية، ولكن على أي أساس، ألا يمكن أن تخضع مؤسسة العامل هي كذلك للمقابلةEntretien ، لكل راغب في الاستفادة منها، وأن يتقدم بمشروع متكامل يسهر على تطبيقها لمدة خمس سنوات، على أساسه تكون المحاسبة، بالإضافة إلى الترافع بحدة لتصفية ملف حقوق الإنسان بما فيه الملف الذي لازال في أدراج المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي يهم ضحايا سنوات الحجر والرصاص والطلبة والنقابيين دون أن ننسى الترافع فيما يخص التصويت بالبطاقة الوطنية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لإنجاز المطلوب، والمطالبة بجعل وسائل السمعي البصري في متناول القوى اليسارية كسائر الأطراف السياسية والانفتاح على الرأسمال الوطني بما فيه نقابة الباطرونا وعلى الأكاديميين بالجامعات والمعاهد قصد الاستفادة من بحوثهم العلمية، وخلق منتديات لهؤلاء قصد الإنتاج الفكري والعلمي والانفتاح على المجتمع المدني وخلق منتديات لهم لإنتاج أفكار تكون قابلة للأجرة في برامجهم الانتخابية وحتى التسييرية.. علاوة على ضرورة الاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها العالم الأزرق لترويج الأفكار التقدمية، كالمنتديات في عالم التواصل الاجتماعي تحت إشراف مختصين ومشرفين والانفتاح على الهيئات التي تظم تقنيين ومهندسين للاستفادة من خبراتهم العلمية والانفتاح على رجال الفن والرياضة باعتبارهم فئة أصبحت تلعب دورا كبيرا في الثروة والترويج الإعلامي .

+ الانتخابات حلقة من حلقات الديمقراطية، ما هو تقييمكم لعمل اليسار بخصوص خوض استحقاقات 07 أكتوبر؟؟

- الانتخابات هي الخطة/ المفتاح الذي ستمكن اليسار من الولوج إلى المؤسسات المنتخبة التي وجب أن يحدد الأهداف المتوخاة منها، إن كل حزب يدخل غمارها وإلا ويكون هدفه هو الوصول إلى التسيير وإن كان هذا المبتغى غير متاح في الظروف الراهنة، فإن الغاية منها لليسار هو ولوج مؤسسة البرلمان بفريق يمكنه الحضور للمساهمة في التشريع وصنع القرارات الوطنية الحاسمة. إن الهدف الأساسي لليسار هو فريق برلماني، وقد لا تعوزه الإمكانات لتحقيق ذلك بـ: - لوائح انتخابية لا تضم الوافدين الذين تلوثت أيديهم بالمال العام، بل تضم وجوها يسارية، رجال أعمال وطنيين نزهاء أكاديميين آمنوا إلى حد ما بالفكرة اليسارية، وجوه من المجتمع المدني، أي الانفتاح على المحيط الذي يكون قريبا من الفكر الحداثي والذي يروم التقدم المحكوم بالوطنية والنبل الأخلاقية. - الحملة النظيفة التي كرسها اليسار في الانتخابات الجماعية والتي وطدت هويته الشفافة والنقية. - الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي وإخضاع مدراء الحملة الانتخابية للتدريب عليها. - الانفتاح على الطيف الذي يمثل العائلة اليسارية حتى الذين لا يتقاسمون معه نفس الأفكار، ولما لا وإن كان الخصوم وبالأخص الإسلاميين ينهجون نفس النهج. - صياغة برنامج انتخابي إجرائي عملي معزز بالأرقام قابل للتطبيق واقعي يمكن للفئات المتوسطة والفقيرة، والرأسمال الوطني أن يرى نفسه فيه. - الاستفادة من تجارب الأصدقاء في إدارة الانتخابات وفنون التأثير وصناعة رأي عام داعم لحملته الانتخابية، وخاصة تجربة الجارة إسبانيا .

+ ما هو السبيل، وما هي الوسائل الممكنة لعودة اليسار للساحة النضالية؟

- إن اليسار عليه خلخلة وضعية الجمود التي يعرفها وإبداع مخارج تمكنه من الرجوع بقوة إلى الساحة الوطنية، عبر المشاركة في المؤسسات المنتخبة للمساهمة في القرار الوطني والاستقرار السياسي والاجتماعي لبلدنا في وضعية تعرف اضطرابات وعواصف تهز حتى أعتى الديمقراطيات في العالم.. تجاوز الجمود الذي يعرفه الفكر التقدمي، عالميا ووطنيا بالمساهمة في نهضة فكرية وثقافية ترتكز بالأساس على إنتاج اجتهادات في المتن الديني تعتمد التنوير والعقل، بدون المس بالثوابت، سيرا على النهج الذي أرساه الفكر الوطني الإصلاحي ممثلا في علال الفاسي وشيخ الإسلام  بلعربي العلوي وإعادة قراءة والاستفادة من المشروع الفكري النهضوي للدكتور محمد عابد الجابري والاهتمام بالتراث الشفهي والفني المغربي، وقراءته على ضوء المصالح الوطنية التي تروم الوحدة في ظل التعدد والتنوع الذي يمز الإنسية المغربية.. تجديد آليات استراتيجية النضال الديمقراطي وخلق نقاش فكري حولها بين مكونات الطيف اليساري لأجل تفعيلها بشكل يلائم التطورات التي مست البنيات الاجتماعية والقيم والتمثلات والقضايا الطارئة التي همت المجتمع المغربي، ومنها خاصة: قضايا السكن لشرائح اجتماعية التي تسكن الأحياء والدواوير الهامشية بالمدن الكبرى.. قضايا الأرض التي أضحت من القضايا المركزية للفلاحين الصغار أو السلاليون  والسلاليات في مواجهة حادة للوبي العقار، سواء في المدن او البادية المغربية.. مشكل الماء الذي يمس حقا من الحقوق الأساسية للإنسان والذي أضحى مطلبا من المطالب الجوهرية لفئات عريضة من ساكنة البادية والمدن.. مشكل البيئة وما يرتبط بالتنمية المستدامة.. ظهور أجيال جديدة من الشغيلة، عمال الحراسة والنظافة، والقضايا المرتبطة بعقد العمل المؤقت، شباب العالم القروي وقضاياه المرتبطة بالشغل والمرافق الاجتماعية سجناء الحق العام وقضياه المرتبطة بمطالبتهم بحقهم في إعادة الإدماج.. شباب المدن وتطلعه عبر انفتاحه على العالم الخارجي إلى حقوقه الأساسية بشكل ملفت .

+ ألا يطرح حجم هذه المشاكل والتحديات وطبيعتها حركة اجتماعية سياسية ذات نفس وحدوي؟؟

- إن هذه القضايا وما يرتبط بها يقتضي رؤية تستهدف مبادرات ترتكز على إجراءات عملية، نظرا لطبيعتها وكذلك المناخ العام المؤطر لها، والخصوم الذين يقعون على الطرف النقيض من أنصار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية نحو حركة اجتماعية ديمقراطية تقدمية.. إن حجم المشاكل التي طرأت على الساحة، وطبيعتها الجديدة والتحديات المطروحة تقتضي حركة اجتماعية ناشئة، تشتغل على هذه القضايا قصد مواجهة التوجه النيوليبرالي الذي يهدف إلى الإجهاز المطبق على كل الحقوق الاجتماعية والأساسية للإنسان.. هذه الحركة تكون متمحورة حول النقابات كنواة صلبة، مسنودة من الحركات الاجتماعية الناشئة للشباب، السلاليون، الحركة النسائية، الحركات الشبابية لليسار الذي يجب أن تكون مبادرة ومبتكرة لأساليب الأداء العملي والفكري كما عهدنا ذلك في الشبيبات سابقا. يجب أن يلعب اليسار دورا أساسيا في الفعل النضالي لهذه الحركة من أجل خلق مساحات وآفاق للديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتحصين الوحدة الوطنية التي يجب أن تكون من مرامي اليسار الذي ظل دوما يتكئ على أرضية وطنية لمعالجة القضايا الاجتماعية والسياسية للبلد.

إن حجم التحديات تستجوب على الأحزاب السياسية خلق امتدادات في الفضاء المغاربي لخلق قطب ديمقراطي مغاربي يعمل على ابتكار إطار للتحاور والتداول في القضايا المغاربية، محط خلاف بين الدول لإيجاد مخارج لها وتجنيب المنطقة ويلات الصراعات التي تستنزف الدول ماليا ومعنويا. الامتداد الإفريقي أضحى ضروريا بعد الدور الاستراتيجي الذي ستلعبه القارة في المحيط الدولي.. لذلك فاليسار بحكم امتلاكه لمشروع مجتمعي موكول إليه تاريخيا بإطلاق مبادرات من شأنها مواجهة النيوليبرالية التي تستهدف الكيانات الوطنية عبر تفتيتها، وفي نفس الوقت وكلائها عبر مشاريعهم التي تستهدف التماسك الاجتماعي وتعزيز الديمقراطية التشاركية.. وعليه يستوجب على القوى اليسارية إطلاق دينامية فكرية، يتناغم فيها بالأساس الوطني مع الاجتماعي مع الجهوي مع الدولي والوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي .