الأربعاء 1 مايو 2024
سياسة

رشيد لبكر:الملك في خطابه تحدث عن الفوضى الفتانة وفضح مروجي الفوضى الخلاقة و"سخن" لغة الخطاب الديبلوماسي البارد

رشيد لبكر:الملك في خطابه تحدث عن الفوضى الفتانة  وفضح مروجي الفوضى الخلاقة  و"سخن" لغة الخطاب الديبلوماسي البارد

تميز الحدث الذي شهدته الرياض عاصمة المملكة السعودية، خلال هذا الأسبوع بخطاب،قوي ومباشر ألقاه الملك محمد السادس أثناء القمة التي جمعت دول التعاون الخليجي مع المغرب حيث وضع الخطاب أصبعه على مكامن الخلل في سياق إقليمي ودولي مضطرب أمام تحديات الإرهاب وإذكاء الصراعات ونزعات الانفصال التي تقف وراءها قوى عالمية تسعى إلى زعزعة استقرار الدول الآمنة.. "أنفاس بريس" اتصلت، برشيد لبكر أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا جامعة محمد الخامس وأجرت معه الحوار التالي:  

كيف تقيمون الخطاب الملكي الأخير الذي القاه العاهل المغربي في القمة المغربية الخليجية؟

 سؤالك هذا، يحيلني على جواب سبق أن أدليت به لصحيفة  الأيام في أحد الحوارات السابقة حول موضوع الخطب الملكية، قلت فيه بأن محمد السادس، ومنذ  توليه  مسؤوليته كملك للمغرب، اتخذ لنفسه طابعا خاصا وأسلوبا منفردا، أصيلا ومتميزا عن سلفه المرحوم الحسن الثاني، يمكن الاستدلال عليه بالعديد من المؤشرات التي لا يسعفنا المجال في هذه العجالة للإحاطة بها كلها،  نذكر منها: إذنه لحرمه بالظهور العلني والمشاركة في الحياة العامة كمناضلة جمعوية في مجال محاربة السرطان؛ تكثيفه من الجولات الميدانية عبر  مختلف أرجاء التراب الوطني ومنها مناطق الشمال التي كانت نادرا ما تحظى بزيارات ملكية وأيضا مناطق الجنوب التي زارها في  عز الأزمة بل وخصها بخطاب تاريخي، كان بمثابة فيصلا حاسما بين عهدي: الديبلوماسية المهادنة  والديبلوماسية  الصارمة فضلا عن  تخفيفه إلى حد متقدم من صرامة البروتوكول  من خلال تجواله متحررا من هذا الأخير في العديد من المدن المغربية بل حتى في الدول التي يحل ضيفا بها في الخارج، في تونس وكوت ديفوار والسينغال و الغابون والإمارات العربية والسعودية وفرنسا وروسيا والتشيك وهولاندا ... قلت أيضا أن له أسلوبه  الخاص في الطريقة التي يلقي بها خطبه وكذا في اللغة التي يعتمدها في كل خطاب، فعلى مستوى الطريقة، نلاحظ ميله إلى اعتماد نصوص مختصرة وجمل مباشرة الشيء الذي يجعل معظم خطاباته قصيرة من حيث الزمن وبعيدة عن الرتابة، ثم أنه يتحاشى الارتجال وهذا ما أعتبره مؤشرا إيجابيا يعكس جانبا من شخصية الملك، الذي يريد أن يكون دائما دقيقا في توجيهاته وقراراته، بحيث يبني اختياراته على معطيات علمية  وموضوعية، وإضافة إلى كل هذا، نجده يعتمد على لغة عصرية ( من العصر) وذات قاموس حديث، بحيث يفضل الحديث دائما   عن الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة والاقتصاد المنتج والاندماجية والفعالية والشراكة ، الآن في الخطاب الأخير، صعد من أسلوب الصراحة إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه رجل دولة من مستوى كبير ، حيث بدأ يتكلم عن المخططات العدوانية وعن الحرب بالوكالة وعن الخلط الفاضح في المواقف وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف  ومحاولات الطعن من الخلف... وغيرها من مصطلحات قوية جدا وغير مألوفة في لغة الخطاب الديبلوماسي البارد الذي ما قدم حلا ولا فك إشكالا، على العكس من ذلك، محمد السادس بهذا الخطاب وسابقه الذي ألقاه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، دخل إلى نادي  الرؤساء الثوار، المنتفضين على الخطاب الدولي السائد وعلى أسلوب التعامل الرائج بين الكبار، وهو أسلوب بات واضحا جدا ولا يحتاج إلى تحليل لتبيانه، و لن يعول عليه في وضع حد لقضية يبدو وقد أريد لها أن تدوم، بل يمكن القول، أن العلاقات الدولية الجديدة كما خطط لها نادي الكبار، ما زادت النظام الدولي إلا تعقيدا وتشابكا، ، على النحو التي جعلت الملك  وبلغة التنظير الاستراتيجي، ينذر بأن " هناك تحالفات جديدة قد تؤدي إلى التفرقة و إلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد، وستكون لها تداعيات  خطيرة  على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي". وضع سبق لكونداليزا رايس أن أسمته بالفوضى الخلاقة، وقد لا تعني شيئا،  أما محمد السادس فيسمها بالفوضى الفتانة، أي المهددة لاستقرار الدول، خدمة لأجندات خفية. فكأني بها أضحى أكثر ميلا لفكر المؤامرة والتآمر الذي يبطن في الخفاء  ما لا يظهر لك في الواقع.  أعتقد أن هذا الأسلوب واضح ولا يحتاج لتعليق آخر، يكفي أنه يسمي الأشياء بمسمياتها ويخاطب الجميع بلغة يفهمها الجميع وبدون أجهزة فرز.

 في نظرك من يقصد الملك بكلامه عن "ازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف  ومحاولات الطعن من الخلف"؟

أعتقد أنه يقصد الحكومة الجزائرية  التي ما زالت تصر على  تعقيد مشكل الصحراء وإغراقه في شكليات مفبركة، منها  استغلال بعض موظفي الأمم المتحدة للتأثير على رئيس المنظمة وحجب عينيه عن الحقائق أو حتى تبخيس  مقترح الحكم الذاتي  الذي تقدم به المغرب، فاللعبة أضحت محبوكة ولم تعد تحتاج إلى تحليل كما جاء في خطاب  الملك، وأعتقد أن هذا يحيلني إلى حواري مع صحيفة الأيام،  والذي أشرت فيه تعليقا على الموقف الجزائري، بأن الجميع أضحى مدركا، في الداخل والخارج، بكون الجزائر طرفا مباشرا ورئيسيا في القضية، وهي معامل هام في معادلة الحل، فلا أقل إذن من تسمية الأشياء بمسمياتها، فالمغرب إذن مل من سياسة الكيل بمكيالين، ومرماه الآن إيجاد ترجمة فعلية لخطاب " الأخوة" حتى يكون واقعا معاشا يمشي على الأرض، وليس كلاما باردا للاستهلاك الدبلوماسي،  خطاب لن يبنى إلا بالمكاشفة وتوضيح المواقف، وليس بسياسة العناق بالنهار والطعن بالليل.

لما ذا توجيه هذا الخطاب وبهذه الحدة  عند دول الخليج بالذات؟

أولا  دول الخليج كانت دائما وستظل دولا شقيقة للمغرب، مصالحهما مشتركة واهتماماتها كذلك، بينها والمغرب وبينهم العديد من الروابط المشتركة و تكاد وجهات نظرنا تتطابق في كل القضايا الدولية والإقليمية، لذلك  فقد كان الملك بالغ الذكاء في خطابه عندما انتهج  أسلوبا أدبيا بليغا،  مفعما بالتاريخ والعاطفة والحميمية،حيث قال: " المخططات العدوانية، التي تستهدف المس باستقرارنا، متواصلة  ولن تتوقف، فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي ، ها هي اليوم، تستهدف غربه، وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية لبلدكم الثاني المغرب". أعتقد أن هذه الجملة تحبل بالعديد من الإشارات الذكية والبالغة الأهمية، فالملك يؤكد بضميري " نا" و "نحن"  على وحدة المنطقة العربية وعلى مصيرها المشترك، واعتبر التمزيق الذي يطال عددا من بلدانها تهديدا يمس " استقرارنا" جميعا، لا فرق بين شرق المنطقة و غربها، وينبه القادة الخليجيين  إلى أن المؤامرة التي تدبر ضد المغرب، إنما تدبر ضد بلدهم الثاني. إذن فهو إعلان صريح وواضح عن تماهي وتلاحم المغرب مع دول الخليج  في كل القضايا التي تهم الطرفين، وبالتالي يدفعهم إلى إعلان تأكيدهم بأن ما يحاك ضد المغرب يحاك ضدهم أيضا، أو بلغة أكثر وضوحا، أن قضية الوحدة الترابية للمغرب، أضحت قضية السعودية و البحرين وقطر وكل دول الخليج،  و هذا مكسب كبير جدا، إذا استحضرنا القوة التي تحظى بها هذه الدول بالنظر إلى إمكاناتها المالية الكبيرة  التي تستطيع الضغط بها. إذن أنا أعتبر هذه القمة مدخلا جديدا من مداخل إنهاء الصراع تستند على دعائم قوية وتحالفات  إستراتيجية ضاغطة وذات تأثير، بدلا عن محادثات الصالونات الديبلوماسية الباردة. وبالمناسبة  فموقف دول الخليج اتجاه قضايانا يدعوني إلى احترامهم أكثر وارجو أن يفطن الجميع إلى هذه النقطة.

كيف يمكن للشراكات المتنوعة أن تعزز استقلالية المغرب في مبادراته المختلفة داخل المنتظم الدولي؟

الجواب واضح، وهو مضمن في الخطاب الملكي ذاته، الذي أشار فيه إلى أن المغرب ورغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الإستراتيجية  مع حلفائه " توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته" معتبرا ذلك حقا سياديا للدول لا يمكن أن تحاسب عليه، لكن على شرط ألا يكون على حساب قضايا مصلحية مشتركة أخرى، قد تخلط الأوراق وتزج  بالدول إلى الفوضى. هذا معناه، أن المغرب لا تحدوه رغبة في الانقلاب على حلفائه، ولكنه يسعى إلى تطوير شبكة تحالفاته وتعاقداتها خدمة لمصالحه الاقتصادية والسياسية وحشدا لمزيد من الدعم لقضاياه وهذا من حقه،  حتى لا يبقى رهينا لتحالف وحيد، قد يعمل أحيانا وللأسباب  المستورة ذاتها التي تكلم عليها الخطاب، في اتجاه يضر بالمصلحة ولا يرعاها. ولعلنا نتذكر كيف حاول الاتحاد الأوروبي مثلا استغلال هذه الورقة في منع استيراد المنتوجات المغربية القادمة من جهة الصحراء، وعليه، أعتقد كما قلنا سابقا، أن إشارات المغرب واضحة ومشروعة، فهو بلد لا يتنكر لتعهداته ولكنه كأي دولة، يبحث عن مصالحه ويرفض الرضوخ للابتزاز، لذلك يسعى إلى تنويع شركائه أولا وتمثين علاقاته مع الشركاء المتميزن ومنهم دول الخليج ثانيا، وما يقال على الاتحاد الأوروبي يقال بمناسبة قضايا أخرى عشناها في إطار أزمتنا مع السويد أو بانكيمون ذاته أو روس أو غيره.