بمناسبة حلول اليوم العالمي للحق في معرفة الحقيقة، الموافق ليوم 24 مارس، حرر مصطفي المانوزي مقالة، توصلت "أنفاس بريس"، بنسخة منها، جاء فيه ما يلي:
كان الإرهاب مجرد وسيلة لتبليغ رسائل معينة وتقديم مطالب وللابتزاز ، لكن الآن صار القتل الجماعي يتم مباشرة دون سابق إنذار وبالتالي لا يعقل اعتباره إرهابا أو ترهيبا ، إنه جريمة كاملة العناصر من سبق إصرار وترصد ، لذلك ينبغي فهم أن كل العمليات التي تجري في البلدان المجاورة وتحصد الأرواح وتخرب الممتلكات وتخلق الرعب في النفوس فيها ، هي إرهاب مادي وحقيقي ، يمارس في حقنا يوميا ويؤثر على وضعنا السيكولوجي ، غير أن ثماره الإجرامية تجنيها لوبيات السلاح وتجار « الأمن » العابرون للقارات . وهو ما يقتضي ربطه بما يطرأ من مناورات جيوسراتيجية / إقليمية ودولية تجاه كل ما هو مرتبط بالسيادة الوطنية ، من سياسة مالية واقتصادية أو وحدة ترابية ، مما يستدعي كثير من اليقظة ، وعوض أن تواكب الحكومة الوضع وفق ما تتطلبه درجة المخاطر المحذقة ، نسجل الحرب التشريعية والاقتصادية على كرامة المواطنين وقدراتهم الشرائية كعنوان للهجمة الشرسة على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية ، غير آبهة بالتيه والإحباط الذي ينتاب الشعور الوطني والرأي العام ، فليست الانتظارية والتجريبية والتيئيس سوى أحد مظاهر حالة الترقب القصوى وفوبيا التوقع السلبي تجاه المستقبل والمجهول .
إن المغرب على فوهة بركان ، والسياسيون لا تهمهم سوى المصالح الحزبية الضيقة ، والجميع حجز تذكرة السفر نحو التنافس على بضعة عشرات المقاعد في مجلس النواب ، والصراع السياسي والثقافي في الدرك المبين ، فعزاؤنا واحد في حق الخزينة العمومية التي تضخ الملايير من أجل حملة وهمية لاستقطاب المصوتين والمرشحين ، والحال أن الخريطة السياسية كالعملة الوطنية ، لا تتغير ، اللهم في القيمة التبادلية ، والمد المحافظ في تصاعد بحكم مقصلات الإعدام التي نصبها العهد البائد ضد كل ما هو تنويري ومفيد لتقدم الوطن ورفعته ، لكن ومهما كانت الظروف والملابسات والوسائل ، فإن تحصين المكتسبات يفرض نفسه بتقوية الجبهة الداخلية وتصفية الأجواء السياسية والبيئة الحقوقية ، وبارساء ضمانات عدم التكرار ، بما سن استراتيجية عدم الإفلات من العقاب ، وبما تستغرقه من ضرورة ربط المسؤولية والممارسة بالمحاسبة ، وإقرار أمن قضائي مؤطر باستقلالية حقيقية وبحكامة أمنية رشيدة ، ودون هذا ، فالثقة في طريقها نحو الاندثار ، والسياسة في طور الاحتظار ، ولأن الوطن في حاجة إلى دولة قوية ومجتمع متماسك ، فليس القانون وحده يؤمن المسالك ، فالمسؤولية الاجتماعية شرط لكل اطمئنان ، فإذا غابت السكينة ، وسيطر الخوف ، وتماهت المسؤوليات والصلاحيات فيما بين القائمين على السلطة التنفيذية ، عمت الفوضى وانتعشت العدمية وعدم الانضباط .
ألسنا نعيش وضعا قلقا ، يطوقنا بين الإحساس بالتوجس والشعور بالتيه في ثنايا حالة الاستثناء ، وكلاهما أفظع من زمن الرعب والإرهاب ، خاصة وأننا نرهن غابة الوطن كلها حطبا وثمنا ، من أجل أن تفرز لنا الطبخة غرفة تسجيل ، تتمخض عنها أغلبية بشرية ، فيتولد عنها حزب أول يتبرع علينا بزعيم مرشح لكي نسميه ، ضمن حفل عقيقة نسبية ، على إيقاع الحقيقة النسبية ، رئيسا للحكومة ، يختار فريقه جزافا دون مراعاة لدمقراطية الاقتراع ، يبرم تعاقدات ويوزع صكوك الغفران وحصانة الجلاد في مجال القمع والاقتصاد ، تنتهي الطقوس وتهدأ النفوس الأمارة بسوء النية ، وتفسخ جميع التسويات ، لا مصالحة ولا حقيقة ولا إنصاف ، ونعود الأدراج في انتظار موعد جديد ، موسم الهجرة نحو الحصاد.