الخميس 2 مايو 2024
سياسة

فاطمة التامني: حكومة بنكيران مارست التطبيع مع المفسدين وفاقدة للالتزام السياسي والأخلاقي

فاطمة التامني: حكومة بنكيران مارست التطبيع مع المفسدين وفاقدة للالتزام السياسي والأخلاقي

اعتبرت فاطمة الزهراء التامني، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الاتحادي الوطني، في تقييمها لمسار حكومة بنكيران أن هذه الأخيرة مسؤولة عن المقاربة التحكمية التي تعتمد الأسلوب الترقيعي والتقني والإداري بدل الاصلاح الشامل والعميق.. مشيرة إلى أن هناك غياب للرؤية الواضحة وفقدان للبوصلة والالتزام السياسي والأخلاقي بما تم التعاقد عليه مع الناخبين. مؤكدة أن حصيلة هذه الحكومة فيما يخص محاربة الفساد هي التطبيع مع المفسدين بدل محاسبتهم، بمعنى أن الوعود التي حملتها البرامج الانتخابية لم تترجم على أرض الواقع.

+ نريد أن نبدأ حوارنا معك، بصفتك عضوة المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، بمساءلة وقراءة وتيرة عمل المؤسسة التشريعية في ظل الحكومة وأغلبيتها الحالية.. إلى أي حد هناك جدية ومسئولية في التعاطي مع قضايا الوطن؟

- بداية لابد أن نضع الأمور في سياقها، وهو أن المغرب اليوم، وفي ظل تحولات كونية ومتغيرات إقليمية، مطالب بمواجهة الأسئلة المطروحة بحس وطني وإرادة قوية تمكنه من القطع مع كل الأساليب اللاديمقراطية ومع كل أشكال التنميط والاحتواء التي تستهدف التحكم في المؤسسات وإفراغها من أي محتوى. ولاشك أن الدولة مسؤولة عن المقاربة التحكمية التي تعتمد الأسلوب الترقيعي والتقني والإداري بدل الاصلاح الشامل والعميق، والذي نعتبره في حزب المؤتمر الوطني الاتحادي شرطا أساسيا للتنمية وللديمقراطية، في ظل مشهد سياسي متسم بالتشتت والتيه وتمييع العمل السياسي وتلاشي القيم الوطنية الإنسانية وتصاعد الاحتجاجات واشتداد حدة الاحتقان السياسي والاجتماعي من جهة واستغلال الفقر والأمية والجهل من طرف الاصولية من جهة اخرى .

أمام هذا الوضع، الكل يقر بعدم الرضى عن وتيرة عمل المؤسسة التشريعية في ظل الحكومة الحالية وأغلبيتها. نحن في المؤتمر الوطني الاتحادي، ومن موقع دورنا الرقابي للسياسات العمومية، لدينا تقييم برؤية شمولية للأداء التشريعي والتنفيذي. فالمخطط التشريعي الذي برمجته الحكومة لم يتجاوز إنجازه حتى النصف.. فهناك  مجموعة من القوانين التنظيمية لم تخرج بعد إلى الوجود رغم الوعود والبرامج (قانون هيئة المناصفة، قانون الامازيغية...)، مما يؤكد غياب الجدية في الممارسة التشريعية. بل أعتقد أن المسألة ليست مسألة جدية ومسؤولية فقط لدى الحكومة بقدر ما هي مسألة غياب الرؤية الواضحة وفقدان البوصلة والالتزام السياسي والأخلاقي بما تم التعاقد عليه مع الناخبين.. وتم بدل ذلك تكريس التبعية للمؤسسات الدولية بمقاربة محاسباتية تغيب البعد التنموي الذي نحن في أمس الحاجة اليه، وتغيب التشارك مع مكونات المجتمع، وهو ما يعكس عدم الإيمان بالديمقراطية التشاركية  .

+ الكثير من المراقبين والمحللين يتحدثون اليوم عن أزمة تدبير وتسيير حكومي، ما هي في نظرك أهم مؤشرات هذه الأزمة؟ وهل هناك تراجعات على مستوى المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية بسبب هذه الأزمة؟

- مؤشرات أزمة التسيير والتدبير الحكومي واضحة من خلال الارتباك في العمل السياسي وعدم الإيمان بالديمقراطية التشاركية، والذي عكسته التعديلات المتتالية للحكومة، وعدم الانسجام بين مكوناتها وتخلي رئيس الحكومة عن صلاحياته المخولة دستوريا. وأهم ما يمكن تسجيله هو المنحى التراجعي الذي تعرفه بلادنا على جميع المستويات، وازدواجية على مستوى الخطاب والممارسة.. فالتراجعات واضحة على مستوى الحقوق والحريات كما على مستوى الأوضاع الاقتصادية باستحضار المعطيات الرسمية نفسها. فالمؤشرات الإحصائية تبين التراجع على مستوى النمو الاقتصادي والتشغيل والتصنيع، والارتفاع المهول للمديونية، مما يدل على غياب مشروع اقتصادي متكامل من أجل نمو اقتصادي مستدام.

اجتماعيا تبدو المفارقة أفظع، لأن ما سمي بإصلاح صندوق المقاصة برفع الدعم عن المواد الأساسية بدون برنامج لدعم الفئات المعوزة، بل أكثر من هذا ضرب القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة التي تعتبر عماد التوازن والتماسك الاجتماعي.. والحصيلة هي اتساع دائرة الفقر وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين وتدهور الخدمات في الصحة والتعليم وارتفاع نسبة الأمية وتفاقم البطالة.كما أن المرفق العمومي، والذي يعتبر معيارا لنجاعة السياسات الحكومية من حيث الارتقاء به ليكون في مستوى تطلعات المواطنين والاستجابة لحاجياتهم، يعرف استمرار مظاهر الفساد والمحسوبية والزبونية، إلى جانب ضعف المردودية الناتج عن عدم إحقاق الحقوق والافتقار إلى التحفيز والتكوين المستمر وتحديث الإدارة بما من شأنه أن يواكب تطور احتياجات المواطنين وانتهاج سياسة لاشعبية بالإجهاز على مكتسبات الشغيلة المغربية في الوظيفة العمومية من خلال المس بالحريات والحق في الاضراب.. وما تصريحات رئيس الحكومة بقوله "آن الأوان أن ترفع الدولة يدها عن التعليم" إلا دليلا عن الاختيارات اللامسؤولة تجاه المغاربة والفاقدة للحس الوطني.. وما المقاربة المختلة في ما أسمته الحكومة بإصلاح التقاعد سوى انعكاس للمد التراجعي الذي طبع توجهاتها وسياساتها المكرسة للاحتقان الاجتماعي والمهددة للاستقرار، بالإضافة إلى التراجع الخطير في السياسة العمومية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين. فالمؤشرات التي تدل على ذلك جد خطيرة بحيث أن الأمية تمس أكثر من 50 بالمئة من النساء فضلا عن التراجع الكبير في  نسبة التشغيل.

+ كيف تقرئين حصيلة الحكومة والأغلبية الحالية؟ وما هي أهم وأبرز الملفات التي فشلت في تدبيرها حكومة بن كيران؟ وهل تم الوفاء بالتعاقدات السياسية بين العدالة والتنمية والكتلة الناخبة؟

- لا يمكن الحديث عن حصيلة حكومية دون ربطها بالبرامج الانتخابية والشعارات والوعود التي قدمت للناخبين ولعموم المغاربة، خصوصا من طرف الحزب الذي يقود الحكومة، والذي التف بالأساس على مطالب الشارع المغربي من خلال الشعارات التي رفعتها حركة 20 فبراير المنادية بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والمفسدين.. وهي الشعارات التي تبخرت بمجرد استلامه للحكم، لتصبح الحصيلة مخيبة لكل الآمال، وتمثلت في إلغاء صندوق المقاصة وزيادات متتالية في الأسعار واستهداف جيوب المغاربة وضرب القدرة الشرائية، علاوة على اتخاذ القرارات الانفرادية وتغييب الحوار وضرب منطق التشارك، دون أن ننسى إصدار مراسيم مجحفة بغرض التهييج وتغذية الاحتقان (طلبة الطب، الاساتذة المتدربون...).. وأيضا لا بد من الإشارة إلى المقاربة الإحسانية المغيبة لمبدئ الحق في العيش الكريم والمواطنة الكاملة (خطة إكرام)... أما الحصيلة في محاربة الفساد فهي التطبيع مع المفسدين بدل محاسبتهم، بمعنى أن الوعود التي حملتها البرامج الانتخابية لم تترجم على أرض الواقع. وهذا في رأيي يعتبر نوعا من التضليل الذي مورس على الشعب المغربي، والذي أدى ويؤدي بالضرورة إلى فقدان الثقة في العمل السياسي وفي ما يمكن أن ينتظر من العملية الانتخابية برمتها .

+ ما هي تصوراتكم العملية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لوضع قطار التغيير على سكة الوطن؟ وما هي المحطات المتسلسلة التي يمكن الانطلاق منها للوصول لحلول ناجعة لاستئصال كل مظاهر الفساد والريع؟

- المغرب اليوم في حاجة ملحة إلى الإصلاح الشامل والعميق من أجل تجاوز المعالجات الترقيعية والظرفية، والحاجة أيضا إلى إصلاح الإدارة وتحديثها وعقلنتها، وإصلاح القضاء واستقلاله وإقرار الحقوق الاجتماعية لعموم المواطنين والحد من التفاوتات المترتبة عن التوجهات السياسية اللاديمقراطية.. كما أن هناك حاجة قوية إلى إصلاح حقيقي للمنظومة التربوية التي تعرف اختلالات بنيوية واستحضار دور المدرسة العمومية في التنمية وفي صناعة الانسان. كما أن الفقر والهشاشة يتطلب إطلاق برنامج للحد من آثاره بمقاربة مبنية على استحضار الإنسان كثروة بشرية، وليس بمنطق الصدقة والإحسان والحسابات الانتخابوية. وهذا يقودنا إلى طرح وضعنا الاقتصادي الهش والمتفكك، والذي يعرف هو الآخر اختلالات ويسوده القطاع غير المهيكل، وهو ما يتطلب استراتيجية فعلية للتنمية الاقتصادية والحكامة كأساس في التدبير والاعتماد على سيادة القانون والشفافية ومحاربة الرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة. ونحن في حزب المؤتمر الوطني الاتحادي نعتبر محاربة الفساد ضرورة وطنية لأنه أخطر عنصر معيق للتنمية وللديمقراطية ومهدد للاستقرار، ولذلك فمسؤولية الدولة ثابتة أولا في تطهير أجهزتها وهياكلها من الفساد والريع والزبونية وتطبيق القانون .

+ كيف تقيمين الوضعية السياسية والنقابية بالمغرب، وهل هناك آفاق واضحة المعالم يتقاسمها اليسار لمواجهة المد الأصولي وخطابات العدمية من أجل الانتصار لقضايا الشعب المغربي الملحة؟

- لا شك أن الوضعية السياسية والنقابية تعرف تداعيات الأزمة الاقتصادية والسياسية وما لها من انعكاس على الصراع الطبقي بصفة عامة، وكذا الهجوم الحكومي على الطبقة العاملة وضرب الحقوق والحريات لدى العمال والتضييق عليها في الأرزاق وممارسة القمع في حق المناضلين النقابيين ومصادرة الحقوق النقابية بالوحدات الصناعية، كل ذلك بغرض إضعاف العمل النقابي، مما يؤدي إلى صعوبات على المستوى السياسي والنقابي ويزيد من عسر النضال من أجل الانتقال إلى الديمقراطية ويزداد الأمر تعقيدا بهيمنة المد الأصولي على الشارع مما يتعين معه اليوم إعادة الثقة والاعتبار للعمل السياسي والنقابي عبر سياسة عادلة مدخلها نظام ضريبي عادل لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير تعليم جيد ومجاني للجميع وخدمات عمومية جيدة وتعاقد اجتماعي مع المواطنين لتلبية احتياجاتهم اليومية.

نحن في حزب المؤتمر الوطني الاتحادي لدينا وضوح في الرؤية، وهو أن مواجهة الاستبداد تتطلب تكثيف الجهود مع التنظيمات النقابية وتنظيمات المجتمع والقوى الحية في إطار جبهة اجتماعية قادرة على التصدي للاستبداد المتمثل في الانفراد والاقصاء واتخاذ قرارات مصيرية بمنطق اللامسؤولية .

+ ما هي آفاق اليسار وحظوظه على مستوى التكتل السياسي لمواجهة كل التحديات والإكراهات التي أضحت حديث الخاص والعام؟ وهل يمكن أن نحلم بيسار موحد يعيد لجسد المشهد السياسي روحه؟

- كحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وإلى جانب حلفائنا في فدرالية اليسار الديمقراطي، والتي اعتبرناها لبنة في إعادة بناء اليسار، نتشبث بمشروع إعادة بناء حركة اليسار المغربي وتوحيد الطاقات والجهود من أجل تحقيق تغيير ملموس في ميزان القوى وإيقاف المنحى التراجعي الذي تعرفه بلادنا والمطبوع بالتراجعات على جميع المستويات السياسية والحقوقية والاجتماعية والتضييق على الحريات، فضلا عن الارتجال والارتباك وسوء التدبير الحكومي والتحكم في العملية السياسية، وذلك في إطار النضال الديمقراطي الجماهيري السلمي وتبني شعار الملكية البرلمانية وفصل حقيقي للسلط وربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد والاستبداد وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة... وهو الأمر الذي يتطلب تجميع قوى اليسار المناضل والقوى المؤمنة بالديمقراطية من أجل الانتصار لقضايا الشعب المغربي .