الخميس 28 مارس 2024
منبر أنفاس

أشرف طانطو: شرفات أفيلال، غياب منطق رجل دولة والمشكل أكبر من 2 فرانك

أشرف طانطو: شرفات أفيلال، غياب منطق رجل دولة والمشكل أكبر من 2 فرانك

هناك مثل مصري دارجي بأبعاد عالمية يقول "المية بتكذب الغطاس"، أو بعبارة أخرى من يدعي مهارة الغوص والسباحة فالماء كفيل بإثبات ذلك.وفي ساعة الحقيقة يظهر المعدن الصافي للإنسان .

في برنامج ضيف الأولى للمتألق التيجيني الصحفي الإعلامي، أطلت يوم الثلاثاء المنصرم السيدة الوزيرة المنتدبة في قطاع الماء شرفات أفيلال على المغاربة من أجل المحاورة والنقاش.

هذا النقاش أو هذه الحلقة الحوارية لم تكن كسابقاتها لأن السيدة شرفات خرجت عن النص ولم تعرف طريق الإجابة السليمة والمسؤولة حينما وجه لها الصحفي سؤالا جوهريا حول ريع تقاعدات ومعاشات البرلمانيين والوزراء.إذ قابلته بجواب مجحف يحيل في باطنه عن ماهية العقلية المدبرة للشأن العام بالمغرب والموسومة بالارتجالية والنفعية الشخصية المقيتة، كان مفاده أن البرلمانيين -حسب قولها- لا يقبضون سوى 2 فرانك يؤدونها من أموالهم الخاصة سنويا لصناديق التأمين الخاصة بالمؤسسة العمومية صندوق الإيداع والتدبير.بل نعتت المطالبين بإلغاء هذا الريع بالشعبوية والمتفوهين بالترهات والخزعبلات، نظرا لما يقوم به المعنيين بهذه المعاشات من مجهودات جبارة تستحق التقدير والتثمين حسب لسان حالها.الشيء الذي خلق موجة سخط عارمة لدى المغاربة المهتمين بالشأن العام، الذين أحسوا بالمهانة وبشعبوية التسيير في هذه البلاد العزيزة.

للأمانة السياسية، لو كنا في الدانمارك، فرنسا، أمريكا.... لما فتح المواطن المغربي نقاشا حول هذه المعاشات أو قيمتها حتى لو كانت بملايين الأوروهات، لأنه بكل بساطة برلمانيو ووزراء تلك الدول نزهاء ويؤدون واجبهم على أحسن وجه سهرا على كرامة وجودة عيش مواطنيهم... وإن كان في الحقيقة مسؤولو هذه الدول متشبعون بقيم الديمقراطية والقاضية بالابتعاد عن كل مظاهر الريع والفساد سواء أثناء أو بعد، بل حتى قبل تحمل المسؤولية العمومية.

وفيما يلي سأحاول إبراز أهم النقط التي توضح ابتعاد شرفات أفيلال عن منطق رجل الدولة وعلى أن القضية أكبر من 2 فرنك أو الثمن البخص :

1- أول الريع ريع المساواة المغلوطة أو وزيرة بالانتداب :

في فلسفة الأمثال هناك قولة بليغة تقول "أول الغيث قطرة" تيمنا وإيمانا بأن النجاح والسعادة لا تأتي هكذا دفعة واحدة بل بالتدرج والصبر.

هذا المثل الإيجابي سيصبح سلبيا في حالة السيدة شرفات أفيلال، كيف ذلك؟

قبل الانتخابات البرلمانية 2011، وفي خضم الحراك الشعبي المحلي والإقليمي العربي حيث رفعت شعارات المطالبة بإسقاط رموز الفساد والمفسدين وحتمية ضمان مستوى عيش كريم للساكنة، وأثناء الحملات الانتخابوية للأحزاب المغربية كررت هذه الأخيرة خطابات الإصلاح والوعد بالرفع من وتيرة النمو الاقتصادي وتعهدت بترشيد النفقات وحوكمة التدبير عن طريق تخفيض عدد الوزراء إلى 15 أو أقل كون العدد كاف جدا لنجاعة التسيير الحكومي بخلق وزارات قوية موضوعاتية مركزة.إلا أنه بمجرد اتضاح الخارطة السياسية الجديدة وانخفاض حدة الحراك الجماهيري، فوجئنا ب 39 وزير بشكل يكشف بجلاء اقتسام كعكة الحكومة بمنطق الترضيات والوصولية.

السيدة شرفات أفيلال التي اتهمت المغاربة بالشعبوية والترهات، لم يكن لها نصيب في النسخة الأولى من الحكومة، لكن في النسخة الثانية حصلت على منصب وزير منتدب.

السؤال المطروح هنا، لماذا قبلت السيدة أفيلال بهذا المنصب وهي المدافعة عبر برنامج ضيف الأولى عن الحكومة وإنجازاتها رغم الوضعية الاقتصادية الصعبة للمحيط العالمي.

ألم يكن الأجدر بالوزيرة المحترمة أن ترفض هذا المنصب بدعوى الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها المغرب؟ لأنه على الأقل كانت الميزانية العمومية ستوفر رواتب عدد مهم من التابعين لقطاعها ودواوينها. فهذا هو المنطق الإصلاحي اليساري.

للأسف الوزيرة لم تفعل واستفادت من ريع شعارات المساواة المغلوطة بعدما رفعت أصوات شعبوية، بكل ما للكلمة من معنى، تستنكر وجود امرأة وحيدة في حكومة عبد الإله بنكيران في نسختها الأولى.ليتم بعدها ذر الرماد في الأعين وتعيين وزيرات منتدبات أخريات في التعديل الحكومي.

المرأة تستحق أكبر من سياسة التأثيث والتزيين، لكن شريطة القبول باللعبة الديمقراطية والابتعاد عن عقلية الكوطة، فلا مشكل عندنا إن قادت الحكومة النساء فقط أو العكس صحيح بوجود الرجال فقط، لكن شريطة تطبيق تكافئ الفرص واحترام المعايير التنافسية الشريفة.

2- 2 فرانك والعنف المعنوي الرمزي ضد الموظفين والمواطنين المغاربة:

مسألة 2 فرانك في الحقيقة تتحاوز معاشات البرلمانيين والوزراء، لتهين السواد الأعظم من المغاربة.فتحليل كلام السيدة الوزيرة بخصوص تبخيس تلك المعاشات، يحيل على تصنيف واحتقار للموظفين والمواطنين البسطاء الذين لا يحققون أكثر من 10000 درهم شهريا وبالتالي فهم لا يساوون شيئا ما دون عتبة المليون سنتيم.ناهيك عن غياب عدالة معاشية، فكيف يعقل أن يشتغل موظف أكثر من 21 سنة وفي الأخير يخرج بمعاش لا يتجاوز 6000 أو 7000 درهم والطامة الكبرى أن هناك أناس لا يتجاوز تقاعدهم الألف أو الألفين وخمس مئة بعد سنوات طوال في الحدمة،،، في حين يأتي وزير أو برلماني لا تتجاوز مدة مهامه في الولاية الواحدة الخمس سنوات على أقصى تقدير ليحصل على مرتب مريح وسهل.

3- برلمانيون فاسدون لا يساوون حتى 2 فرانك :

المثير للجدل في جواب السيدة أفيلال هو استماتتها في الدفاع عن برلمانيين، عدد كبير منهم وصل للقبة بواسطة المال وشراء الذمم، بل الاتجار في المخدرات والممنوعات، الاستحواذ على أراضي الغير، يتهافتون على قضاء ماربهم الشخصية والتحايل الضريبي، لا ينطقون ولو بكلمة داخل البرلمان، كثيرو التغيب...

فأنا أعرف برلمانيا سابقا، من مدينة صغيرة لا داعي لذكر اسمها، فاز بولايتين متتابعتين، لم ينبس ولو بكلمة واحدة تخص حال وأحوال السكان الذين من المفترض أنه يمثلهم في إطار الديمقراطية التمثيلية...وبعد اندحاره سياسيا بسبب ممارسات لا أخلاقية وهمجية دعم ابنه الأكبر ليفوز هو الاخر بمقعد برلماني بتوزيع المال والولائم. ليسير على نفس درب أبيه الموسوم بالتغيب وعدم النطق بالبرلمان. ويبدو أنه ابن بار طبق المقولة الدارجة بالحرف "تبع حرفت بوك ليغلبوك".

4- 2 فرانك وسؤال منطق رجل دولة؟ وهل نحن ديمقراطيون أكثر من فرنسا، بريطانيا والبرازيل؟

في الحقيقة أشكر الوزيرة شرفات أفيلال على ردها الشعبوي بما بات يعرف إعلاميا ب 2 فرانك، فالسيدة أكدت بالملموس عن افتقاد مسيري الشأن العام من وزراء وممثلي الأمة من البرلمانيين لحس المواطنة الحقة ومنطق رجل الدولة الذي يفكر في المصلحة العامة ومصلحة الشعب أولا وأخيرا.

فلو كان لدينا نخبة حقيقية لتخلو وبمسؤولية أخلاقية كبيرة عن معاشاتهم منذ زمان ومن تلقاء أنفسهم خاصة والحكومة الحالية، ليل نهار، تردد أسطوانة الأزمة وضرورية ترشيد النفقات للتعامل مع الأزمة.

بل كان من المفروض لو كان لدينا مرة أخرى رجال دولة، تقليص عدد الوزراء من 39 إلى 15 وزيرا كإجراء عملي يهدف للتقليل من النفقات كبادرة إيجابية من شأنها إعادة الثقة والمصالحة بين المواطن والأحزاب السياسية.فلا يوجد أخطر من الدفاع عن سياسة الريع يا سيدتي الوزيرة شرفات.

في فرنسا مثلا حيث الكل يعمل على محاربة الريع، قدم جيروم كاوزاك وزير الخزانة المالية استقالته سنة 2014  لتوفره على حساب بنكي في سويسرا ولم يعلن عنه.بل طلب الرجل، الصفح من الشعب الفرنسي. وقال إنه ارتكب خطأ مجنونا، وذلك بعد اعترافه بامتلاك حساب سري في بنك أجنبي  يحتوي على 600 ألف يورو (787 ألف دولار). وهو مبلغ بسيط يقدر بحوالي 6 مليون سنتيم مغربي.

أما نحن في المغرب، حيث تدبر الحكومة بمنطق الضيعة الخاصة، نجد أن وزيرا اتهم بتبديد 3 أو 4 ملايين من المال العمومي لشراء الشكلاطة إحياء لحفل العقيقة ولم يحاسبه أحد، بل تم منحه في التعديل الحكومي منصب وزير منتدب لذى وزير التربية والتعليم ليلقن ربما الناشئة أوليات وأبجديات تبديد المال العام لمصالح شخصية.

والأخطر من هذا، فعوض أن يعتذر للمغاربة هدد حينها برفع دعاوى قضائية ضد صحف وجرائد وطنية ومواقع مستقلة ونزيهة كشفت المستور والجريمة الأخلاقية لفعله.

وفي نفس الطرح استقالت وزيرة الثقافة البريطانية سنة 2014 ماريا ميلر من منصبها في ظل خلاف بشأن مصروفاتها الخاصة.حيث اتهمت بتمويل إنشاء منزل لوالديها على نفقة دافعي الضرائب، والسيدة رغم تبرئتها لاحقا مما نسب إليها اعتذرت للشعب البريطاني العريق لأنها تفكر بمنطق رجل دولة وتقدر جسامة مسؤولية تدبير الشأن العام.

في بريطانيا دائما حيث يتنفس المسؤولون ديمقراطية وينهلون من فكر رجل دولة، قام رئيس الوزراء في هذه السنة 2015 البريطاني ديفيد كاميرون، بتجميد رواتب الوزراء في حكومته لمدة خمس سنوات.حيث عبر الرجل في مقال صحفي "كلنا مشاركون" في سداد الدين العام.

ومن المتوقع أن توفر مبادرة كاميرون 800 ألف جنيه استرليني في العام، بإجمالي 4 ملايين استرليني بحلول عام 2020.حيث أكد كاميرون إن القرار يأتي ضمن "مبدأ الأمة الواحدة" في التعامل مع عجز الموازنة العامة، وليصبح بمقدور "كل من يعملون بجد أن يستفيدوا".

ويذكر أن النواب البريطانيون لا يتقاضون أي مبالغ إضافية نظير عملهم في اللجان الفرعية المتخصصة في البرلمان.

أما دولة البرازيل، فبحسب وسائل إعلام رسمية، أن رئيسة البلاد ديلما روسيف تعتزم إلغاء عشر وزارات في الحكومة بغية  القضاء على البيروقراطية في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.حيث قالت وكالة الأنباء البرازيلية (اجنسيا برازيل) إن تقليص الوزارات جزء من إصلاح إداري الغرض منه تقليص نفقات الدولة.

هذه الأمثلة لدول ديمقراطية تحترم نفسها ومواطنيها بمثابة مران ودروس في الدعم والتقوية السياسية لحكومتنا الموقرة التي لم تفعل أي شيء سوى الزيادات الشعبوية على المعيش اليومي للمواطنين، مروجة أكاذيب على أنها إصلاحات مثل التخلي التقني عن صندوق المقاصة والرغبة التقنية كذلك في إصلاح صناديق التقاعد والتبجح بدعم الأرامل اللواتي بيع لهن الوهم بتعويض ب 2 فرانك.. وهذه المرة 2 فرانك اسم على مسمى وبشروط تعجيزية لهؤلاء النساء.. بالإضافة للتطبيل والبهرجة لما يسمى الراميد في قطاع الصحة.. فالراميد هذا أثبت فشله والذي أعتبره شخصيا مجرد ورقة بيضاء لن تمكنك من المعالجة إن لم تكن لك من الأموال الشيء الكثير لتذهب للمستشفيات الخاصة هربا من جحيم العمومية وفسادها الكبير.

الإصلاح الحقيقي يا سيدتي الوزيرة شرفات أفيلال يبدأ من طرق أبواب ملفات الفساد الكبرى والجرأة على مناقشة من يحتكر ريعيا البحر الأبيض المتوسط والواجهة الأطلنتيكية، مقالع الرمال، المأذونيات، شركات التأمين، الضيعات الفلاحية الكبرى التي تستنزف الموارد المائية وتعرض مناطق بحجمها للجفاف وأنت وزيرة لقطاع الماء بسبب لوبي ريع الفلاحة التسويقية التصديرية الشيء الذي يؤخر التنمية القروية ويجعلها معلقة على الدوام.

الإصلاح يا سيدتي أفيلال يكمن في القطع مع سياسة الترضيات الخاصة بتعيين الوزراء المنتدبين، فما جدوى وجود وزيرين في نفس الوزارة؟؟؟ أكيد للاستفادة من 2 فرانك في قمة الريع السياسي وغياب منطق رجل دولة.