الأحد 19 مايو 2024
سياسة

عثمان بن شقرون:هؤلاء جعلوا طنجة عاصمة للبارود..

 
 
عثمان بن شقرون:هؤلاء جعلوا طنجة عاصمة للبارود..

وأنا أقرأ هذا الصباح مقالة الأستاذ عبد الرحيم أريري "من جعل طنجة عاصمة البارود؟ " أحسست وكأن هذا السؤال المستفز موجه لي كقارئ أولا، وكمواطن ثانيا أعيش في هذه المدينة التي تسكنني. إنه سؤال وجيه يطرح نفسه بإلحاح في اللحظة الراهنة. سؤال يسائل التنمية بالدرجة الأولى، تنمية لم تقد في مسالكها ومنعرجاتها سوى إلى الاحتقان. وهي مفارقة كبيرة بالنظر ما أنفقته الدولة من أموال طائلة على تنمية طنجة والشمال بالخصوص.

الاحتقان الذي تعيشه طنجة ليس وليد اليوم، هو وليد سنوات من التهميش وتراكم الاختلالات، التي أنتجها كل اللاعبين المركزيين والمحليين. المشكلة اليوم أكبر من أزمة أمنديس، فأمنديس ليست سوى تلك النقطة التي أفاضت الكأس. شخصيا ألخص ما يجري في طنجة في عنوان واحد: إنها "التنمية المعاقة".

لم تأخذ التنمية في طنجة المسار الصحيح، فرغم أن الدولة صبت الأموال الطائلة تحت مسميات عديدة. من قبيل التنمية المستدامة والمشاريع الكبرى، إلا أنه دائما يبقى ذلك السؤال العجيب العريض قائما: أين هذه الثروة التي من المفروض أن تحول طنجة إلى فردوس وسكانها إلى ميسورين سعداء؟

الإجابة عن هذه الأسئلة تفرض علينا طرح أسئلة أخرى: من المستفيد؟ من المستفيد من التنمية في طنجة ومن المشاريع الكبرى؟

إذا كانت طنجة مجمع البحرين فهي أيضا وبلا شك وبكل وضوح هي مجمع المتربصين بثروة التنمية.

في طنجة سحبت الدولة الأراضي من الناس وشيدت المشاريع التي لم يغتن منها سوى أولئك الذي يصنفون ضمن أغنياء إفريقيا أو المغرب. بينما المواطن البسيط المغلوب على أمره لم يحظ سوى بقبر سيؤدي ثمنه أقساطا تكبله وتجعله رهينة للأبناك. في طنجة نزعت الدولة الأراضي من أصحابها بدون تعويضهم، بل أفقرتهم وطرحت تلك الأراضي للمزايدة بين التماسيح والعفاريت لتنمية ثرواتهم. (أراضي خليج طنجة بمالاباطا) على سبيل المثال لا الحصر.

انظروا إلى الميناء المتوسطي، أيضا. هل استفاد سكان القصر الكبير وقصر المجاز وقبيلة أنجرة، على العموم، من أكبر مشروع في الشمال؟ خصوصا أنه انتزعت منهم آلاف الهكتارات، ولم يعوضوا عنها إلا بثمن بخس. سكان أنجرة اليوم لا يشاهدون الميناء إلا من الخارج، فأغلب أبنائهم بقي عندهم الحصول على فرصة عمل بالميناء من الأحلام  التي يصعب تحقيقها في غياب أي تكافؤ للفرص بين  المواطنين.

من جانب آخر، إنشاء مناطق صناعية ومناطق حرة تجلب المستثمر وتوفر مناصب شغل أمر في غاية الأهمية، لكن هل تم بالمقابل التخطيط لمواكبة حاجيات الآلاف من اليد العاملة، التي تفد من كل مناطق المغرب، والتي تجد نفسها محرومة من كل الخدمات الاجتماعية. لقد تم بناء الآلاف من المعامل لكن في المقابل أين باقي المرافق الاجتماعية من مؤسسات تعليمية تتوفر فيها شروط الجودة أين هي المستشفيات وقس على ذلك من المرافق الضرورية للعيش الكريم.

لمعرفة مزيد من الأجوبة عن هذا السؤال الإشكالي: "من جعل طنجة عاصمة البارود؟ "، قارنوا كيف يأتي المسؤول إلى طنجة في مختلف المصالح الإدارية، عند أول تعيين له بطنجة وكيف يصير بعد مدة  من الزمن ليست بالطويلة. يكفي أن نعطي مثالا بمدير أمن القصور  السابق الذي كان واليا على أمن طنجة وانتهى به الأمر إلى السجن، في الوقت بدل الضائع من حملة غير اعتيادية، لكونه كان راعيا رسميا لأباطرة المخدرات عوض أن يرعى أمن المواطنين.

 البحث في الإجابات عن هذه الأسئلة سيقودنا حتما إلى المعضلة الكبرى، هل نحن فعلا في دولة الحق والقانون؟ الجميع يعرف أنه في طنجة كل شيء قد يصبح ممكنا في ظل سريان الفساد من احتلال الرصيف إلى الحصول على رخصة سحق غابة بأكملها بدون أي وجه حق.

أما السؤال المخيف هو: ما دور كل المتدخلين في مجال الإعمار؟ من أسفل السلم الإداري إلى أعلاه. ما دورهم في تأزيم المجال ورعاية نشوء الهوامش وأحزمة الفقر، أصل كل داء؟. من المسؤول عن قيام أحياء بكاملها اجتمعت فيها كل عوامل صناعة البارود؟ ما دور هؤلاء في مسح وجه طنجة الحضري والحضاري؟ ماذا قدم المسؤولون المنتخبون لطنجة بمختلف ألوانهم السياسية وعلى مر السنوات ومع توالي الانتخابات غير تكديس الثروات؟  بناء على ما سلف ذكره. هل يجب إعادة النظر في أسس التنمية في طنجة والشمال عل العموم؟

هي إذن أسئلة عريضة تطرح نفسها بإلحاح وتستأثر باهتمام الساكنة يوما بعد يوم، وفي جميع مناحي الحياة اليومية. وإن التهرب من هذه الأسئلة والاحتيال عليها لن يجدي نفعا ولن يخرج طنجة من الوضعية الحرجة التي تعيشها. طنجة اليوم تعيش إشكالات المدن الكبرى، وستعرف وضعيات حرجة وتعثرات محتملة في حالة الاستمرار في عدم الإنصات إلى هذا الشعب غير المحظوظ، وفي حالة تأخير أولويات التمدن الحقيقي وحاجياته  المعاصرة.