الاثنين 13 مايو 2024
سياسة

الصديقي: القرار السويدي ليس بجديد والخلل في الديبلوماسية المغربية التي مازالت أسيرة أساليب تقليدية

الصديقي: القرار السويدي ليس بجديد والخلل في الديبلوماسية المغربية التي مازالت أسيرة أساليب تقليدية

أكد الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بكل من جامعتي العين بأبو ظبي وسيدي محمد بن عبد الله بفاس، على أن الأزمة الديبلوماسية الحالية بين المغرب والسويد، تأتي في ظل الضعف الديبلوماسي المغربي الذي لا يزال أسير الأساليب التقليدية، وما أهداه ذلك الفراغ من فرص لنشاط الدعاية الانفصالية في الدول الاسكندنافية. مشيرا في حوار مع "أنفاس بريس" إلى أن موقف الحزبين الحاكمين حاليا في السويد من قضية الصحراء كان معروفا من قبل، بحيث سبق للبرلمان السويدي وبضغط من هاتين الهيأتين السياسيتين أن ناقش في عام 2012 مسألة الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية"، إنما موقف الرباط انبرى كعادته خارج التغطية. وحتى إن نجح الوفد المشكل من الأحزاب المغربية في التخفيف من خطورة القرار الذي ستتخذه الحكومة السويدية بشأن قضية الصحراء، فإن المبادرة، يستدرك الصديقي، تبقى مجرد رد فعل على غرار ما دأبت عليه الدبلوماسية المغربية التقليدية التي لا تتحرك بقوة إلا بعد استشعارها الخطر المحدق أو بعد فوات الأوان.

+ كيف تقرأ الاأزمة الديبلوماسية الحالية بين المغرب والسويد على ضوء احتمال اعتراف ستوكهولم بـ "دولة البوليزاريو". وهل يمكن إسقاط الخطوة السويدية على ما عرفته فلسطين، إذ بدا الإعتراف بها من السويد ثم توالت الاعترافات إلى أن رفع العلم الفلسطيني بمقر الأمم المتحدة؟

- تأتي هذه الأزمة الدبلوماسية في ظل ضعف العمل الدبلوماسي المغربي في الدول الإسكندنافية، بل أكثر من ذلك فمنصب سفير المغرب بستوكهولم لا يزال شاغرا منذ مدة طويلة، مما ترك الساحة فارغة للدعاية الانفصالية التي تنشط في هذه الدول بكثافة منذ سنوات مدعومة بتمويل جزائري سخي. إضافة إلى هذا فإن موقف الحزبين الحاكمين في السويد من قضية الصحراء كان معروفا منذ زمان، حيث عبرا عن موقفهما المتعاطف مع البوليزاريو عندما كانا في المعارضة، وكانت الحركة الانفصالية تحظى بدعم سياسي ومادي مهم من الأحزاب اليسارية والبيئية في الدول الاسكندنافية مما كان يفرض على الدبلوماسية المغربية الرسمية أن تقوم بمبادرات استباقية منذ تولي هاذين الحزبين الحكم. لذلك فيمكن أن نتوقع الأسوأ، وهو إصدار البرلمان السويدي لقانون يلزم الحكومة بالاعتراف بما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية"، خاصة وأن إسرائيل بجماعات الضغط الموالية لها في مختلف أنحاء العالم لم تفلح في إقناع الحكومة السويدية من العدول عن الاعتراف بدولة فلسطين. لذلك أرى أن تركز الدبلوماسية المغربية في هذه المرحلة الحرجة على التخفيف من خطورة أي قرار سياسي للحكومة السويدية في قضية الصحراء، وأن تستثمر عامل الزمان، فعلى الأقل أن تحول دون صدور قرار نهائي بالاعتراف الرسمي وإقناع الحكومية السويدية بتأجيل البث في هذا القرار ريثما ينتهي مسلسل المفاوضات، على اعتبار أن أي قرار نهائي سيؤثر على القضية برمتها.

+ البعض اعتبر القرار السويدي جواب على موقف المغرب المساند للسعودية في أزمتها مع ستوكهولم في مارس 2015. وبالتالي "ردت السويد الصرف" للمغرب بالاعتراف بدولة البوليزاريو. هل تتفق مع هذا الطرح؟

- لا أرجح هذا التفسير لكون موقف الحزبين الحاكمين حاليا في السويد من قضية الصحراء كان معروفا من قبل، ويجدر الذكر هنا أن البرلمان السويدي وبضغط من هاذين الحزبين ناقش في عام 2012 مسألة الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية". وتجدر الإشارة هنا أن السويد والدول الاسكندنافية عموما تتميز بدبلوماسية هادئة وذي نظرة بعيدة المدى، وليس بردود الأفعال مثل دبلوماسيتنا التي لا تزال أسيرة الأساليب التقليدية.

+ القرار السويدي معروف منذ زمان (خاصة البرلمان) لكن المثير أن المغرب لم يبادر حتى بملء منصب سفير بالسويد الشاغر منذ 2012 فأحرى أن يتحرك منذ تلك اللحظة لإبراز حججه ومواقفه للطرف السويدي. ما السبب الذي أدى الى صحوة الرباط اليوم؟

- مع الأسف فدبلوماسية المغرب يحكمها كما سبق القول رد الفعل وليس الفعل والمبادرة، ولم يستنفر المغرب آلياته الدبلوماسية إلا في آخر لحظة. رغم أن هذا الوفد المشكل من الأحزاب المغربية قد ينجح في التخفيف من خطورة القرار الذي ستتخذه الحكومة السويدية بشأن قضية الصحراء، لكن تبقى هذه المبادرة مجرد رد فعل وهذا ما دأبت عليه الدبلوماسية المغربية التقليدية التي لا تتحرك بقوة إلا بعد استشعارها الخطر المحدق أو بعد فوات الأوان. وقد كتبت عند تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران أن المغرب مدعو لنهج دبلوماسية هجومية فيما يخص قضية الصحراء. في المعارك الدبلوماسية، كما هو الشأن في المعارك العسكرية، فإن الهجوم هو أحسن طريقة للدفاع، كما أن الطرف الذي يبادر بالهجوم يكسب هوامش أوسع للمناورة والضغط.

+ قضية السويد أظهرت أن بنكيران اكتشف وجود المعارضة بالمغرب مما جعله يخطب ودها لكي ترسل مبعوثيها للسويد لكي تلتقي مع البرلمانيين هناك. ألا ترى أن بنكيران أخطأ حينما عمل على قتل المعارضة وتمطيط هيمنته على الحقل السياسي مما يفقد هؤلاء كل مصداقية أدى الطرف الأجنبي؟

- أرى بأن قضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها قضية الصحراء شأن ملكي خاص ولا دخل للحكومة في اتخاذ القرار الاستراتيجي بشأنها وهذا ما اعترف به أعضاء الحكومة الحالية مرارا وتكرارا وعلى رأسهم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، ووزير الشؤون الخارجية السابق، سعد الدين العثماني، وغيرهم. لذلك فإن رئيس الحكومة ينفذ في هذا الشأن التعليمات الملكية ويظل هامش اجتهاد الحكومة في هذه المسألة محدودا جدا.

أما بالنسبة للاستعانة بالمعارضة، فإن المؤسسة الملكية اعتمدت دائما هذا النهج عندما تكون بصدد اتخاذ قرار مصيري في قضية الصحراء سواء في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أو في ظل هذا العهد، حيث يتم إشراك أحزاب المعارضة في الحملات الدبلوماسية إلى الخارج، وقد تٌشْرك في بعض المؤتمرات مثل تشكيلة الوفد الرسمي الذي مثل المغرب في القمة الإفريقية بأديس أبابا في نوفمبر1984، التي أعلن فيها المغرب انسحابه من هذه المنظمة بعد ما منحت صفة العضوية لـ«الجمهورية الصحراوية» حيث أشرك الملك الراحل الحسن الثاني جميع الهيئات الممثلة في البرلمان في هذا الوفد. وتهدف المؤسسة الملكية أيضا في مثل هذه الفترات الحرجة إلى إظهار الجبهة الداخلية موحدة ومجمعة على موقف واحد من هذه القضية.

+ ما العمل لكي لا يبقى المغرب في موقع دفاعي بشأن ملف الصحراء. ألا ترى أنه ينبغي أن يحل المشكل مع الجزائر بأي ثمن أم أن القوى الكبرى ستمنع ذلك حماية لمصالحها وحماية لاستمرار الأمر الواقع؟

- أتصور أن قضية الصحراء هي أولا مظهر لطبيعة النظام المغاربي الراهن الذي يطغى عليه الشك والتوجس والخوف من الآخر، ويجعل كل طرف يسعى لضمان أمنه بمزيد من التسلح أو إضعاف الآخر مثل ما تفعل الجزائر بتوظيفها لقضية الصحراء ضد المغرب. لذلك لا أتوقع أن تحل هذه المعضلة بالنوايا الحسنة ومبادئ حسن الجوار أو الرهان على تغيير جزئي في التشكيلة الحاكمة في الجزائر، بل يكمن الحل في تغيير جذري لبنية النظام المغاربي الراهن، وهذا أمر يصعب تحقيقه الآن على الأقل، لأنه لا يظهر في الأفق أن أي من الدولتين المغاربيتين الأساسيتين قادرة على فرض نفسها قوة جهوية قوية تستطيع أن تفرض تصورها للمنطقة. وهذا ما يجعلني متشائما من الوصول إلى حل لقضية الصحراء في المستقبل المنظور إذا استمرت بنية النظام المغاربي كما هي، اللهم إذا حدث تحول مفاجئ كأن يقع مثلا تغيير جذري للنظام السياسي في الجزائر الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تغيير موازين القوى القائمة أو الوصول إلى توافق واقعي بين المغرب والجزائر على قائدة لا غالب ولا مغلوب.