الأحد 5 مايو 2024
سياسة

هل تحول رمضان إلى أكبر طقس لـ «النفاق الديني»؟

هل تحول رمضان إلى أكبر طقس لـ «النفاق الديني»؟

تعود القيمة المقدسة لشهر رمضان لدى المسلمين بالنظر إلى المكانة التيخصه بها الإسلام، ولكونه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، والمتضمن لليلةالقدر التي هي «خير من ألف شهر». ولذلك يعرف هذا الشهر الفضيل فورةوجدانية ينخرط فيها المؤمنون الممارسون طيلة السنة، ويلتحق بهم «هواة الصلاة» الذين لا يعرفون السجود والركوع إلا في هذا الشهر. الأمر الذي يجعل الملاحظين يسجلون حصول فورة وجدانية ناتجة عن حوارات داخلية باطنية للمواطن طيلة السنة.

رمضان إذن شهر التدين بامتياز. ومن ثم فمن الطبيعي أن تشكل الطقوس المصاحبة له موضوع تأمل جدي للمهتمين بالظاهرة الدينية، وبالسلوك الاجتماعي بشكل عام. ولعل مبعث التأمل ليس فقط الفرق بين منسوب التدين في رمضان، ومنسوبه في الأشهر الأخرى. ولكن أيضا الفرق بين درجات الإقبال على التعبد، وصداه وآثاره الفعلية في المجتمع، لدرجة يحق فيها التساؤل حول ما إذا كان هذا الإقبال له مردود إنتاجي اجتماعي وأخلاقي في ممارسات الناس طوال السنة كما هي أهداف الدين، وجوهر الرسالة الإسلامية، أم هو مجرد انصياع طقوسي، أو قناع مجتمعي أم هو في أحسن الحالات أنوع من التقرب إلى الله طمعا في مراكمة الحسنات، تماما كما لو أن الله لا يوجد إلا في شهر رمضان المعظم. إذ أمام رؤية المساجد ممتلئة بالمصلين يعني أن هناك جد في العمل وولاء في أداء الواجب المهني (تجارة + وظيفة + مهنة حرة إلخ وبأن هناك عفة في السلوك واللسان بين الناس في الشوارع والقيساريات ...) والإدارات والملاعب. والحال أن المرء يعاين ارتفاع الغش في المعاملات التجارية والعنف اللفظي في الشارع وقلة المردودية في الإدارات والجماعات والأبناك، مما يجعل السؤال يطرح: لماذا هذه الشيزوفرينيا عند العديد من المغاربة؟

لا يمكن أن نذهب بعيدا في وصف هذا السلوك كتعبير عن نفاق ديني، فبدون شك فإن المقبلين بتزايد على التعبد لهم حسابهم الخاص مع الله الذي وحده يعلم الحقيقة والقناع، ويعلم صدق المؤمنين ونفاقهم. ولكن ما يهمنا أساسا، في هذا المقام، هو التفكير في ما إذا كان بالإمكان أن تتم إعادة توجيه هذه الفورة الوجدانية المؤكدة في رمضان لتصبح طاقة إيجابية ينعم المجتمع بخيراتها طوال السنة. ذلك أننا ننظر إلى هذه الفورة على سبيل المجاز، كالأمطار التي تتهاطل بسخاء خلال فصل الشتاء، ونتركها تضيع، في حين ابتكرت فكرة السدود للحفاظ على تلك الأمطار لاستثمارها في لحظات الحاجة، ولضمان تحقق مواسم فلاحية متوازنة ولذلك سيكون من المفيد أن نشق لتلك الفورة سبلا جديدة برعاية مسؤولي القطاعات الوزارية ذات  الصلة، ونشطاء المجتمع المدني المهتمين بالمعيش اليومي للمواطن تكون استراتيجيتها الأساسية تحقق جملة من الرافعات يكون هدفها الأساسي استدراك أضرب القصور التنموي والثقافي والاجتماعي والتمثلي. ودفع الناس لتمثل جوهر الدين بدل الاكتفاء بقشوره وبهذا الخصوص يمكن  للقطاع الوزاري المسؤول مباشرة عن الحقل الديني أن يعمل على إعادة النظر في المقاربة المتبعة اليوم في ما يتعلق بحماية الأمن الروحي للمغاربة، وهو ما لا يمكن تحققه سوى بابتكار صيغ جديدة عوض تلك التقليدية المكررة كل سنة داخل المساجد، بدون تجديد أو إبداع. في هذا الإطار مثلا ينبغي إعداد منهاج تربوي وديني جديد يتم فيه الاشتغال بوعي على بلورة قيم تشكل أهدافها وجدانية، وذلك خلال مدة كافية قد تصل إلى خمسة أشهر على سبيل المثال، وذلك بتعاون وبتنسيق مع رجال الكفاءة والاختصاص من المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والجامعات. وتكون الاستراتجية الأساسية لهذا الإعداد هو استدراك القصور القيمي ليكون كل رمضان لا يشبه رمضان السالف وضمن نفس الاستراتيجية ينبغي العمل، في المستوى الاجتماعي، على وسائل التنشئة الاجتماعية، وعلى العلاقات الحيوية للمواطن داخل الأسر والشوارع والمدن. وبهذا الخصوص لا بد أن ننتبه إلى الخلاصة التي توصل إليها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية التي تفيد وجود خلخلة في قيمنا، وتفيد أيضا أن أكبر الأعطاب التي نعيشها تنبع من الهوامش، وهي التي تتغذى منها التنظيمات الأصولية المتطرفة، نظرا لتصدع المظومة القيمية المشتركة للمغاربة، ولاهتزاز الأنساق التقليدية، بفعل الهجرة وتحولات البنى المجتمعية، خاصة داخل المجال الأسري الذي تحول من الآلية الجامعة إلى أنوية معزولة تحت نفس السقف.

ويكتسي العمل في الإطار الثقافي نفس الأهمية، ذلك ان الوزارة المعنية مدعوة هي الأخرى إلى الإسهام في هذا الرهان الاستراتيجي بتشجيع المبدعين على التوجه نحو الإبداع  في مجال الأغاني الدينية والسماع والمديح، والاتفاق مع الفرق الفنية المختصة بهذا النوع على اختيار القصائد الحاملة للرسائل المشجعة على قيم التسامح، وعلى الأخوة، وعلى ترسيخ مبدأ المواطنة عوض الاكتفاء بتكرار نفس الأناشيد بدون تجديد كما من شأن وسائل الاتصال المسموعة والمرئية بشكل خاص أن تسير نحو نفس الأهداف كأن تفكر في تهيىء مجموعة من السيناريوهات بتعاقد مع الكتاب والمخرجين، وذلك من أجل إعداد «سيتكومات» ومسلسلات وأفلام تلفزيونية للكبار والصغار تتمثل القيم الروحية، وتقدمها ضمن حلقات مفردة أو متسلسلة، على أساس أن تشتغل كل حلقة على قيمة من القيم وبكل تأكيد فكلما تم الوعي بأهمية هذه الفورة الوجدانية، وكلما تم ابتكار المجاري السليمة لجعل الفكرة ممكنة كلما سرنا نحو التأهيل السليم لمجتمعنا. آنذاك فقط، يكون المجتمع قد فتح أوراشا هامه لا تقل نتائجها عن باقي الأوراش المفتوحة التي يشهدها مغرب اليوم مثلا في مجالات الاستثمار وشق الطرق. بل ربما ستكون هذه النتائج على درجة كبرى من الأهمية بالنظر إلى أنها تستثمر في الإنسان، وفي مستقبله الوجودي. كما من شأن ذلك أن يجعل من التدين، لا لحظة زمنية ووجدانية معزولة في ممارسات المغاربة، ومرتبطة فقط بهذا الشهر الكريم، ولكنه يصبح لحظة ممتدة طول السنة بكاملها. ونتيجة ذلك نعيد التدين إلى نصابه الطبيعي الذي لا يعني فقط ممارسة شعائرية منحصرة في علاقة الفرد بربه، ولكن متمثلة في نسيج العلاقة بين الأفراد في ما بينهم، وفي ما بين ألأفراد وخالقهم. آنذاك فقط سيجني المجتمع أفضال الفورة الوجدانية، وسيتم إقرار التجديد في نظر الناس إلى مجتمعهم، وإلى دينهم بقيمه المنتجة، السمحة والمنفتحة على المستقبل.

(تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع تقرأونها في غلاف العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"، تجدونه في كل الأكشاك)