السبت 4 مايو 2024
خارج الحدود

كشفته تصريحات و زير خارجية الإمارات: عندما يصدح صوت الحق في وجه الطائفية المقيتة

كشفته تصريحات و زير خارجية الإمارات: عندما يصدح صوت الحق في وجه الطائفية المقيتة

هل جانب وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الصواب حين ذكر أن الحكومة العراقية هي السبب في خلق الإرهاب؟ وهل يستحق التصريح الذي أطلقه في موسكو كل تلك الجعجعة التي جعلت المسؤولين العراقيين، وعلى رأسهم ابراهيم الجعفري (وزير الخارجية) يطالبون بـ"استدعاء السفير الإماراتي في العراق لتسليمه ورقة استنكار لهذا التصريح"، والدفع في اتجاه اختلاق أزمة ديبلوماسية للتغطية على ما يجري على الأرض؟

لقد اعتبر "الغضب العراقي" أن كلام عبد الله بن زايد تبريرا واضحا لجرائم داعش، والحال أن السؤال المطروح هو: كيف تحولت مساحات واسعة من الأراضي العراقية إلى محضنة للإرهابيين؟ وكيف استطاعت داعش أن تقيم "دولة الخلافة" هناك؟ وما السر وراء القوة التي باتت تتمتع بها إلى أن تحولت إلى منطقة جذب للإرهابيين العابرين للقارات؟

أما السؤال الأكبر، الذي لا بد من طرحه تأسيسا على ما سبق، فهو: من يرعى الصراع الطائفي في العراق؟ ومن الذي يساهم في تأجيج  هذا الصراع، ويسمح لداعش بالحفاظ على الغطاء البشري الذي أتاحته التجمعات السنية لمقاتلي داعش ضدا على التحكم الشيعي؟

إن ما نسيه الغاضبون هو أن نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، لم يجد بدا من الاعتراف، في 4 يناير 2015 أمام البرلمان، بأن "السياسيين في العراق هم من يقف وراء الخلاف الطائفي بين السنة والشيعة"؛ فمن هم هؤلاء السياسيين إذا لم يتم اختزالهم في السلطة الحاكمة؟ وهل يمكن إنكار أن المالكي نفسه سعى، أثناء ولايته، إلى الارتكاز على هذا الخلاف من أجل الحفاظ على موقعه في عراق يعاني من التمزق والتشرذم؟ ولماذا يجمع المراقبون على أن العبادي عاجز عن المحافظة على وحدة العراق، ولا يستطيع إيجاد "حل وطني للأزمة"؟

إن افتعال أي أزمة ديبلوماسية مع دولة الإمارات لن يخدم القضية العراقية، ولن يخدم الحرب على داعش، ولن يساهم سوى في تعميق الأزمة الطائفية.

ففي ظل تصاعد نفوذ الطائفة وضعف الدولة المركزية، وفي ظل خضوع القرار السياسي لمزاج زعماء الجماعات والطوائف على الأرض، ولإملاءات القوى الدولية الكبرى على المستوى الخارجي، يبدو أن فشل الحكومة في استرجاع قرارها، وفي إقناع التكتلات السياسية والعرقية ب"الحل الوطني للأزمة"، هو ما يساهم في تبئير دور داعش في الصراع الدائر واحتلالها لجميع المساحات الفارغة التي  يتيحها التوصيف الطائفي للأزمة. والحل- بدل البحث عن أزمات خارجية للتغطية على الفشل الداخلي- هو الإيمان بالعجز والبحث عن مناطق تهوية أخرى للدخول في لحظة تأسيس دولة تضمن الحقوق والحريات لمواطنيها جميعا بصرف النظر عن عرقهم وعقيدتهم، وتتعامل مع حاملي جنسياتها بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق خارج كل توصيف عرقي.

إن الحكومة العراقية التي انتفضت لسمعتها وأعلنت عن غضبها من تصريح رئيس الديبلوماسية الإماراتي مدعوة، الآن، إلى التدبير الواقعي للأزمة، وإلى إدراك أنها أمام اختبار صعب يضعها أمام خيارين اثنين: إما التوجه نحو الديمقراطية، وإما النكوص نحو الطائفية، مع ما يعنيه ذلك من انهيار لمؤسسات الدولة واضمحلالها، ونشوء كيانات صغرى غير قادرة على الإيفاء بمطالب الشعوب في الحرية والكرامة الوطنية، فضلا عن إتاحة الممرات أمام الاكتساح الداعشي الذي يستخدم بنجاح "استراتيجيا الاستنزاف وتشكيل المحاور السنية"، وذلك عن طريق استغلال ذاكرة الصراعات المذهبية، لإقامة المحاضن الشعبية.

ولذلك فإن التشكيل النهائي لحل الأزمة العراقية يقع خارج تصريح دبلوماسي إماراتي يبدو للمسؤولين العراقيين أنه "طائش". ذلك أن ما يجري على الأرض العراقية يضعنا أمام محورين متقابلين: شيعي مكتمل وسني (متردد). أما نقطة الاتفاق الوحيدة بينهما، والتي بإمكانها أن تساعد على تسريع وتيرة الديمقرطية على أساس المواطنة، وليس على أساس الطوائف والاثنيات، فهي القضاء على داعش. ولن يتحقق ذلك سوى بتذويب بذور الخلاف الكبيرة حول الوسائل والأساليب التي تساعد على إتمام الاتفاق، لأن الأهم ليس هو من من يرث نفوذ داعش وسيطرتها، ويرسم إعادة تشكيل المنطقة بعد سقوطها، ووفق أي معادلات. بل الأهم هو العمل من أجل فتح الحوار بين المحورين على أساس ديمقراطي والتعامل الإيجابي مع القضايا الخلافية الكثيرة والمتراكمة.

إن الحل ليس في البحث عن إثارة أزمة مع الإمارات تأسيسا على تصريح صادق وواقعي، بل الحل هو في دعوة الدول العربية إلى أن تكون جزءا من الحل، لأن الخطر الداعشي جاثم على صدر الدول العربية جميعها، وليس على العراقيين أو السوريين فحسب. والبداية طبعا لن تتم سوى بإطلاق حوار وطني للقضاء على الصراعات الداخلية وإيقاف وتيرة الانقسام الطائفي والمذهبي الذي فتح ثغرة أمام مقاتلي أبي بكر البغدادي للتقدم والسيطرة على مساحات إضافية أوسع.