الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

رشيد صفـر: الديكتاتور والسيناريست...

رشيد صفـر: الديكتاتور والسيناريست...

إن التعريف الذي يسوق: "السيناريو عبارة عن فيلم على الورق وقد تستغرق كتابته عدة شهور ولكنه وقت غير ضائع"، لا يعني الظروف التي يشتغل فيها السيناريست المغربي الموهوب، لأنه حتما سيقول عاجلا أم آجلا: "كتابة السيناريو وعرضه بين يدي ديكتاتور وقت ضائع"، في قطاع يجعل من السيناريست "أضعف حلقة"، رغم أن حرفته تخوِّل له أن يكون "أقوى حلقة".

قدر السيناريست المغربي، أن يرزح تحت رحمة منتج "مول الشكارة" لا يفقه في الإنتاج السمعي البصري سوى عدد أيام التصوير وكلفة العمل الفني دون احتساب الضرائب hors taxe، وتاريخ الدفعة الأولى والدفعة الثانية من مال دافعي الضرائب الذين لا يجدون أنفسهم وقضاياهم داخل الأعمال الفنية، مُنتج لا يهتم إلا بتصريح التنازل عن حقوق المؤلف لصالح شركته، وتاريخ تسليم المنتوج للقناة الراعية للرعية.

قدر السيناريست الذي يسهر الليالي ويرهق نفسه وعائلته، أن يمتثل لـ "بنود فرمان" مُخرج فاشل، لا يُشاهد أفلامه ومسلسلاته سوى أفراد عائلته. مُخرج  ارتمى على مهنة الإخراج، رغم أنه لا يتقن سوى "الإخْ" "راج"، ولا يهدف سوى ("راجَ" "يُروِّجُ" "ترويجا") فهو مروِّجٌ للحركة الربحية، لا الفنية.

أقولها لكل الأصدقاء والمبدعين، الذين اكتووا بنار كتابة السيناريو، "الله ينجيكم من مُنتج مُخرج".. فإذا اجتمع الإخراج والإنتاج، فاعلم أنه غالبا ما سينظر لأعمالكم نظرة "التريتور" للدجاج... في بلد تتحول فيه سكرتيرة شركة إنتاج لناقدة فنية، ومُخرج لقاض في محكمة (مُحاكمة النوايا الفنية)، ومُنتج لمقص الرقيب، ليس على عمق رسالة العمل الفني أو عنفه النقدي، أو سخريته المستفزة، بل مقص مُقلص لعدد شخوص العمل، الذي يوازي عدد الممثلين وتعدد "الكاشيَّات"، منتج مخرج يغير شكل ونوعية الديكور ويخفض كلفته بشكل فج، غالبا ما ينجز تصوير العمل في منزله أو منزل صديق يحلم بتضمين الجينيريك لقب سلالته، مُخرج مُنتج لا يحيد عن ثنائية "لارج .. سيري"، رافض لتنوع زوايا الكاميرا والزيادة في مدة تصوير اللقطات لإتقانها، فهو يُؤمن بصدق في هذه المرة بـ "الزيادة من راس لحمق"، وهي قاعدة يطبقها في رفضه للزيادة في تعويضات السيناريست والفنانين والتقنيين. وقد تتحول هذه القاعدة الذهبية للديكتاتور إلى قاعدة "أداء عرق الجبين من راس لحمق"، فتجد ضحاياه يتجولون في المقاهي ويتلقون التهاني بمشاركتهم في العمل الفني، رغم أنهم لم يتوصلوا بعد بمستحقاتهم..

فطوبى لنا بمشهد سمعي بصري يؤكل "السيناريست" لتتناسل وتتكاثر ضباع الإنتاج.

لا تحزن أيها السيناريست الموهوب، عندما ستنفذ أعمال الديكتاتور وأعمال المقربين منه، سوف تتصل بك السكرتيرة، وإذا لم تكن قد استسلمت لـ "تعليق القلم" على وزن "تعليق الحذاء في كرة القدم" والاعتزال، سوف يفكرون في قراءة أعمالك، لكن لا أضمن أن ينجزوها كما تتصورها أنت فأنت "لا تتصور" فهم من "يصورون" و"يتصورون".