الأحد 5 مايو 2024
سياسة

وظائفه، سياقاته، أبعاده الحقوقية والدولية.. ما لا تعرفونه عن ميلاد الذراع القضائي لـ "الديستي"

وظائفه، سياقاته، أبعاده الحقوقية والدولية.. ما لا تعرفونه عن ميلاد الذراع القضائي لـ "الديستي"

ابتداء من اليوم لم يعد مقبولا أن ينتصب فرد ما بالادعاء أنه تعرض للتعذيب وبأنه جلس بالقوة فوق «القرعة» في مخفر أو مركز اعتقال لانتزاع اعتراف أو للحصول على توقيع على محضر.

وإذا حدث أن زعم أنه كان ضحية «القرعة»، هناك مدخل واحد لدحض ادعاءاته، ألا وهو استدعاء أطباء أوروبيين أو آسيويين أو أمريكيين أو أفارقة، مسلمين أو مسيحيين أو يهود أو ملحدين، لفحص «مؤخرته» للتحقيق من مزاعمه!!

هذا التحول مسنود بثلاث شرعيات:

أولا: إن الدانمارك، وهي دولة راقية وذات تقاليد عريقة في الديمقراطية، اقترحت على المغرب في مارس 2015 بجنيف أن يكون شريكا لها في مبادرة لحشد الدعم والمصادقة الكونية على الاتفاقية الخاصة لمناهضة التعذيب، والتي سبق أن صادق عليها المغرب كما صادق منذ شهرين على البروتوكول الاختياري الملحق بها. ليس هذا فحسب بل وتم إشراك المغرب من طرف الدانمارك في رئاسة مجموعة أصدقاء اتفاقية مناهضة التعذيب. والدانمارك ليست بليدة إلى حد أن تلطخ سمعة تاريخها ورصيدها الحقوقي للمناداة على بلد مثل المغرب ليكون شريكا قويا لها في مثل هذه المبادرات، خاصة وأن كشافات الدول الاسكندنافية (وعلى رأسها الدانمارك) مسلطة بشكل كبير على المغرب منذ مدة وتراقب الحراك السياسي وانفتاح المغرب المتزايد على المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، وتابعت زيارة المقرر الخاص الأممي خوان مانديز حول التعذيب، وكذا زيارة فريق العمل الأممي الخاص بمناهضة الاعتقال التحكمي للمغرب بشكل ولد القناعة لدى الدانمارك بأن المغرب هو البلد الوحيد في الجوار الممكن الاعتماد عيه بدون مركب نقص خاصة في تيمات لها حساسية خاصة في الوسط الحقوقي الدولي (تعذيب - اختطاف – مكافحة الكراهية - مكافحة التطرف بجميع أشكاله - الاعتقال التحكمي – محاربة الإرهاب). 

الشرعية الثانية تتجلى في خطة الرباط ضد الكراهية والعنف، وهي الخطة التي ترتبط بانشغالين يؤرقان العالم اليوم، وهما الانشغال حول حرية التعبير وحرية المعتقد اللذين يؤديان في كل محطة أزمة إلى ترويج خطاب الكراهية واللاتسامح. وهنا أيضا علينا أن ننتبه إلى أن العقل الكوني لم يختر الرباط عبثا ليصدر منها خطة أممية منذ عام 2012، بالنظر إلى أن المغرب -مقارنة مع دول المنطقة- هو الأفضل ليكون محطة مهمة في النقاش الكوني حول خطاب الكراهية وحرية التعبير واللاتسامح والعنف. وتعزز ذلك بإعطاء مجلس حقوق الإنسان بجنيف في مارس 2015 الضوء الأخضر لبدء إحصاء عداد تطبيق خطة الرباط (انظر الحوار مع المحجوب الهيبة في ص: 6، "الوطن الآن").

ثالثا: إقدام المغرب على خلق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية التابع لمديرية مراقبة التراب الوطني يوم الجمعة 20 مارس 2015، وهو المكتب الذي رأى النور ليس لوجود همزة عقارية بيد «الديستي» تتمثل في حيازة أرض بجوار مقر عمالة سلا أو لوجود منحة مالية دولية حصلت عليها الداخلية لبناء المقر، بل إن إحداث المكتب المركزي للتحقيقات القضائية يندرج في المسار الواسع لتحديث الدولة، بما في ذلك مجال الحريات والأمن. وهو المسار الذي انطلق منذ صيف 1999 بهدف واحد ألا وهو الجواب عن سؤال التوفيق الأمثل بين متطلبات حفظ الأمن والنظام العام وحماية التراب الوطني من جهة، وضرورات تأمين حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما يساعد على تحرير الطاقات وانصرافها نحو التنمية من جهة ثانية.

إن تعيين الوالي عبد الحق الخيام رفقة نخبة من الأطر الأمنية، لإدارة هذا المكتب ليس بالحادث المعزول، بل هو تتويج لإصلاحات تراكمية بالمغرب بدأت منذ تقعيد العدالة الانتقالية وإنشاء مؤسسات حقوقية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الوسيط، المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان)، وفي التفاعل المتزايد للمغرب مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان. كما يأتي خلق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية في إطار مراقبة شمولية مترابطة العناصر في مجال مكافحة الإرهاب، العدو رقم واحد لحقوق الإنسان.

هذه المقاربة مبنية على أربعة أضلع:

1- تطوير الحكامة الأمنية من خلال تطوير القوانين أو تعزيز القدرات في التكوين في مختلف المعاهد الأمنية (جيش، درك، شرطة، قوات مساعدة).

2- مراجعة المنظومة الجنائية سواء على مستوى المضمون (القانون الجنائي) أو الشكل (المسطرة الجنائية)، وهنا علينا أن نستحضر التحول الفاصل بتخويل ضباط «الديستي» الصفة الضبطية.

3- اعتماد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتجفيف معظم منابت الهشاشة والإقصاء التي (أي المنابت) يغرف منها الإرهابيون وشبكات الجريمة المنظمة زبناءهم.

4- تأهيل الحقل الديني عبر تأهيل فضاءات المساجد وتحيين التكوين وترسيخ الاعتدال بالارتكاز على موروث مغربي خالص غير موجود في بلد آخر، ألا وهو مرجعية إمارة المؤمنين التي أضحت الحارس الأمين للقلعة المالكية لتطويق كل اشكال الغلو القادمة من محاضن الأصولية والتمثلات المتطرفة للدين. بدليل أن دول إفريقية وعربية وأوروبية بدأت تطلب اقتباس التجربة المغربية في الحقل الديني، آخرها بلجيكا وفرنسا وإسبانيا بعد حالات تونس ومصر وغينيا ومالي والنيجر والسينغال وليبيا بشكل أعطى مصداقية للمقاربة المغربية..

والقرائن لا تعوز المراقب اللبيب، فبين الأحداث الإرهابية لعام 2003 بالبيضاء والتفجير الإرهابي لمقهى أركانة بمراكش عام 2011 مثلا، نجد أن معظم  المؤشرات تصب في خانة تجويد وتطوير الحكامة الأمنية، وحسبنا هنا التوقف عند 5 مؤشرات:

1- بين 2003 و2011 نجد أن الأجهزة الأمنية كانت أسرع في التحري وفي إعلان النتائج

2- إذا استحضرنا عدد المعتقلين سنجد أن الفرق واضح بين 2003 و2011

3- التدبير الشمولي للحالة سواء في مواجهة الأظناء أو الضحايا

4- تأمين كل متطلبات المحاكمة العادلة

5- تبني برنامج حذر واعتماد خطة استباقية، بدليل أن كل تصريحات كبار المسؤولين الأمنيين بفرنسا تضمنت الندم على قطع حبل السرة الاستخباراتي مع المغرب قبل أحداث «شارلي إيبدو» وهو ما دفع باريز إلى تصحيح موقفها بعد أحداث 7 يناير 2015 لاستئناف تعاونها مع المغرب (راجع تصريحات شارل باسكوا، سكوارسيني، ساركوزي...إلخ).

أبعد كل هذا يحق لأي واحد ليزعم أن المغرب يتبنى سياسة عمومية في التعذيب؟

نعم، قد تقع حالات تعذيب، لكنها فردية وليست مملاة من طرف الدولة. خذ مثلا فرنسا التي تكتشف فيها من حين لآخر حالات تعذيب أو سوء معاملة (آخرها اغتصاب كندية على يد ثلاثة من نخبة البوليس الفرنسي داخل مقر الشرطة القضائية في باريز)، أو الولايات المتحدة التي تهتز منذ أسابيع بسبب تعذيب السود بمدينة فيرغسون على يد بعض البوليس. لكن الساذج من يدعي أن فرنسا أو أمريكا تعتمد سياسة رسمية في التعذيب.

إذا كان الأمر كذلك، فلم الخجل إذن من إشهار هويتنا الحقوقية الكونية في وجه الحساد والحاقدين من جيراننا؟!

(تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع تقرأونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن" والذي تجدونه في الأكشاك)

une-Coul-Corrig