الأحد 6 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: إنهم طيبون.. نقتلهم ويدخلون في ديننا!

عبد الحميد جماهري: إنهم طيبون.. نقتلهم ويدخلون في ديننا!

نجتهد لكي نصدق المعجزة، التي تجعل شعوب الدنيا تفتح قلبها لديننا، كلما قتلنا منها نفرا أو جماعة! ونردد على مسامعنا ، كما في هاوية بين جبلين: يزداد عدد المعتنقين للإسلام بعد مجرزة شارلي ايبدو. ثم نتذكر من جديد معجزتنا في غزوة واشنطن، في 11 شتنبر: لقد توافد علينا الكثيرون للصلاة على النبي الكريم، بعد أن قتل أناس منا ثلاثة آلاف نفر منهم!

وسننتظر حصول المعجزة من جديد في ليبيا الحديثة، بعد أن ذبحوا باسمنا 21 قبطيا: هل سيعود نصارى نجران إلى لقاء النبي، أم هل يعودون بدون رؤوس إلى الفوسطاط في مصر ويعلنون انعتاق الشرق من مسيحه الأخير؟

سننتظر، أن يدخل الإسلام من جديد في ليبيا بعد أن أصبح الإيمان مهنة البوليس الإديولوجي الجديد!

آه، كم يحبوننا عندما نعبر لهم عن حبنا بالسيف، وكم يفرحون بالإيمان بما نؤمن به بعد أن نقتلهم، فرادى أو جماعات...

لم نعد نسلم بالمبررات التي تجعلنا أحسن آدميين فوق الأرض، وتحتها أيضا، فقط، بل صرنا نعتبر أن من واجب الذين نقتلهم أن يؤمن الأحياء منهم مباشرة بعد دفن الضحايا.. والغريب أن الذين يقنعوننا بأمر كهذا، يقدمون الأرقام، كما لو أنهم اكتشفوا فجأة أن الشعوب تفرح بإبادتها وبحرق أبنائها..

وإذا استمر هذا المنطق إلى نهايته، فستصبح داعش أكبر داعية إسلامي في التاريخ، وتكون قد نشرت الإسلام بالسيف أكثر من أريحية الإسلام نفسه.

وسنكون، شعوريا أو لا شعوريا، ممتنين لهؤلاء الجزارين والقتلة، لأنهم يهيئون قلوب الأعداء للدين الحنيف! ونكون ممتنين، لهؤلاء الذين بدأوا بقتلنا قبل غيرنا، لأنهم يعرفون اللغة التي تعرفها القلوب الكافرة، ويجيدون تطويع الدنيوي للسماوي!

لنا طريقتنا التي لم تسبقنا إليها أي معجزة، منذ عهد المايا وشعوب الأزتيك إلى يوم الناس هذا: نحن نقتلهم لكي يشعروا بالذنب، ولكي يعرفوا أن الخلاص بيدنا!!

إن المضمر الرهيب في هكذا تعريف مفاده أنه لا جدوى من الكلام الطيب،

لا جدوى من رسالة الحضارة في دين الشرق العرب،

لا جدوى من الجدال بالحسني،

لا جدوى من أكثر من 90 % من الكلام الرباني في كتاب الله عز وجل..

لا جدوى من دعاء الأنبياء، يكفي كلاشنيكوف وثلاثة حمقى وسيزداد دين النبي وسواد أمته!

والحقيقة هي أننا لا نلتفت إلى ما في المعادلة من مكر، ومعناه أن اعتناق الإسلام حقا يتم ضدنا وليس فيه من رسالة جديدة سوى أننا لا نستحقه أكثر منهم!!

سواء قتلناهم أو هديناهم!

والغريب أن المعجزة لا تسير أبدا في الطريق السيار، لها طريق واحد لا يصل إلينا: فكم تعرضنا، نحن العرب المسلمون لقتل الغرب المسيحي ولم نشعر أبدا بأن علينا أن نعانق المسيحية.

وكم قتلتنا إسرائيل ولم نجد الحاجة أبدا إلى أن نصبح يهود الديانة.

ولم نشعر قط في أية لحظة بالحاجة إلى أن نغفر لهم قتلهم بأن نصبح مثلهم... ولم نغن وراء حائط المبكى بلغة العرب!

ما نعرفه هو أنهم، في داعش يستبيحون اليهود الأفراد في متجر باريزي، لكنهم، في محفل الدولة الغامضة ينفون أن تكون للرب نية في أن يبعثهم إلى مدينة إسرائيل الكبرى لقتل الاحتلال!

نحن نسقط في فخ الامتنان للقتلة منا ، كما لو كنا أثرياء الرعب، إذ أن أمة بكاملها تعتقد بأن كل جريمة سيتبعها جيل جديد من العلوج المؤمنين ونروج لذلك، بمن فينا الذين يصفقون للحاكم العربي الذي يقتل أهله، بدون أن تعقب ذلك موجة إسلام متجددة..!

إن خطورة هذا الاعتقاد تكمن في أننا ننتظر أن يقتلوا الآخرين لكي يؤمن الآخرون، ونسمد نحن الأرضية لذلك بأن نجعل وراء كل عملية قتل مناسبة لنصر الله.. وعلينا في الحقيقة الدينية التي نحن مشبعون بها أن نقوم بالعكس ونصرخ: لا نصدق أبدا أن قتلهم للناس يقودهم إلى ديننا، نريدهم أحياء يملأون أرضنا ويسعون إلى إنقاذنا من الجهلة ومن الجلادين..

نريدهم إخوة كاملين، وليسوا منهم قتيل سابق قاد حيا إلى.... الكعبة!