يستعد المغرب لتنزيل مقتضيات القرار الأممي رقم 2797، الذي كرس السيادة المغربية على إقليم الصحراء المغربية، و يعتبر مقترح الحكم الذاتي لسنة 2007 الإطار الوحيد والواقعي للتفاوض من أجل وضع حد للنزاع الإقليمي المفتعل الذي لم يعد مجرد خلاف سياسي إستمر لنصف قرن من الزمن، بل تحوّل إلى عامل تهديد مباشر للأمن والسلم في المنطقة المغاربية، ومنطقة الساحل والصحراء على وجه الخصوص، مما يفرض ضرورة إنهائه.
إن استمرار هذا النزاع في شمال إفريقيا يفتح المجال أمام تمدد الحركات الإرهابية، ويغذي شبكات تجارة البشر والسلاح والمخدرات، في مجال جغرافي هش لم يعرف الاستقرار منذ عقود، مما يزيد من حدة المخاطر العابرة للحدود ويقوّض جهود التنمية والاستقرار الإقليمي.
في المقابل، عززت الدينامية التنموية التي شهدتها الأقاليم الجنوبية، في ظل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، واقتراب انتهاء الأشغال في ميناء الداخلة الأطلسي، وتحسّن التخطيط الحضري لمدن مثل العيون والداخلة، إلى جانب التراكم المؤسساتي الذي حققه المغرب في إطار الجهوية المتقدمة،من جدية المغرب أما المجتمع الدولي.
وفي سياق هذا التنزيل، يبرز خيار الانفتاح على تجارب دولية قريبة ومشتركة في المرجعيات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كمدخل أساسي لإغناء النقاش الوطني. ومن بين هذه التجارب، تبرز تجربة الحكم الذاتي في إسكتلندا داخل المملكة المتحدة، كنموذج حديث نسبيا(حوالي 25 سنة)، نمودج استطاع أن يوفق بين الحفاظ على وحدة الدولة وتمكين شعب عريق من إدارة شؤونه الداخلية بصلاحيات واسعة، في احترام تام للإرادة الشعبية.
الخلفية التاريخية للحكم الذاتي في إسكتلندا
رغم توقيع قانون الاتحاد بين إنجلترا وإسكتلندا سنة 1707، وقيام المملكة المتحدة ككيان، احتفظت إسكتلندا بعدد من الاختصاصات، مثل التعليم والقضاء والكنيسة، إضافة إلى بعض المكتسبات السابقة كمنتخبات كرة القدم والريكبي. لكن ومع تصاعد المد القومي في بداية القرن العشرين، ارتفعت عدد من الأصوات للمطالِبة بالاستقلال أو بإقرار حكم ذاتي حقيقي وموسع.
تعود المحاولات الأولى لدسترة الحكم الذاتي إلى سنة 1979،لكن تعطل تنزيله بعد استفتاء لم يف بنسبة المشاركة المطلوبة.
غير أن المسار توج بنجاح سنة 1997، حيث أُقر إنشاء البرلمان الإسكتلندي في إطار نظام التفويض عبر Scotland Act لسنة 1998، ثم جرى توسيع صلاحياته بموجب تعديلات سنتي 2012 و2016.
الاختصاصات المفوضة للحكم الذاتي الإسكتلندي
(وفق Scotland Act 1998)
أولا: السلطة التشريعية والقضائية.
بالإضافة إلى القانونين الجنائي والمدني الإسكتلنديين، يشرع البرلمان الإسكتلندي في معظم القوانين الداخلية، كما تختص حكومة الإقليم بـ:
بالإضافة إلى القانونين الجنائي والمدني الإسكتلنديين، يشرع البرلمان الإسكتلندي في معظم القوانين الداخلية، كما تختص حكومة الإقليم بـ:
أولا: تنظيم المحاكم والنيابة العامة.
الشرطة والسجون وتنفيذ العقوبات.
ثانيا: التعليم والثقافة.
يشمل التفويض التعليم بجميع مستوياته، من الجامعات والبحث العلمي إلى المناهج الدراسية، إضافة إلى حماية اللغة الغيلية، والسياسات الثقافية، وصون التراث.
ثالثا: النظام الصحي والشؤون الاجتماعية.
عبر تدبير النظام الصحي والإشراف على جزء مهم من الضمان الاجتماعي والمساعدات الاجتماعية.
رابعا: الاقتصاد والتنمية
يدبر الإقليم برامج و ميزانية
التنمية الاقتصادية المحلية ودعم الاستثمار و القطلع السياحي.
الإسكان والتخطيط العمراني.
النقل الداخلي (باستثناء السكك الحديدية العابرة للأقاليم).
خامسا: البيئة والموارد الطبيعية
السياسات المناخية وحماية البيئة و إدارة المياه.
قطاع الفلاحة والصيد البحري و الطاقات المتجددة.
سادسا: المالية والضرائب
لا يعد النظام المالي والضريبي الإسكتلندي متقدما جدا، إذ تكتفي حكومة الإقليم بـ:
إعداد الميزانية.
التحكم الجزئي في استخلاص الضريبة على الدخل والضرائب العقارية و المحلية.
سابعا: تنظيم الجماعات المحلية
تنظيم الجماعات المحلية والخدمات البلدية.
السياسات الاجتماعية المحلية والتخطيط الترابي.
الشرطة والسجون وتنفيذ العقوبات.
ثانيا: التعليم والثقافة.
يشمل التفويض التعليم بجميع مستوياته، من الجامعات والبحث العلمي إلى المناهج الدراسية، إضافة إلى حماية اللغة الغيلية، والسياسات الثقافية، وصون التراث.
ثالثا: النظام الصحي والشؤون الاجتماعية.
عبر تدبير النظام الصحي والإشراف على جزء مهم من الضمان الاجتماعي والمساعدات الاجتماعية.
رابعا: الاقتصاد والتنمية
يدبر الإقليم برامج و ميزانية
التنمية الاقتصادية المحلية ودعم الاستثمار و القطلع السياحي.
الإسكان والتخطيط العمراني.
النقل الداخلي (باستثناء السكك الحديدية العابرة للأقاليم).
خامسا: البيئة والموارد الطبيعية
السياسات المناخية وحماية البيئة و إدارة المياه.
قطاع الفلاحة والصيد البحري و الطاقات المتجددة.
سادسا: المالية والضرائب
لا يعد النظام المالي والضريبي الإسكتلندي متقدما جدا، إذ تكتفي حكومة الإقليم بـ:
إعداد الميزانية.
التحكم الجزئي في استخلاص الضريبة على الدخل والضرائب العقارية و المحلية.
سابعا: تنظيم الجماعات المحلية
تنظيم الجماعات المحلية والخدمات البلدية.
السياسات الاجتماعية المحلية والتخطيط الترابي.
الاختصاصات الحصرية للحكومة البريطانية.
ينص Scotland Act لسنة 1998 على أن عددا من الاختصاصات تبقى حصرا على الحكومة البريطانية، ولا يمكن تفويضها بأي حال، ومن بينها:
السياسة الخارجية (مع تمثيليات إسكتلندية في الخارج ذات طابع اقتصادي وثقافي دون صفة دبلوماسية).
الدفاع والجيش والأمن القومي.
قانون الجنسية والهجرة.
العملة والسياسة النقدية.
التجارة والاتفاقيات الدولية.
العلاقات مع المنظمات الدولية (لا يمكن لإسكتلندا الانخراط في الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو غيرهما).
الدستور والتاج الملكي.
الدفاع والجيش والأمن القومي.
قانون الجنسية والهجرة.
العملة والسياسة النقدية.
التجارة والاتفاقيات الدولية.
العلاقات مع المنظمات الدولية (لا يمكن لإسكتلندا الانخراط في الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو غيرهما).
الدستور والتاج الملكي.
ما حكاية المنتخب الإسكتلندي لكرة القدم واختصاصات الحكم الذاتي؟
تأسس الاتحاد الكروي الإسكتلندي سنة 1873 أي قبل وجود الفيفا، وهو ما يفسر مشاركة إسكتلندا ككيان مستقل في المنافسات الدولية، وليس كجزء من منتخب بريطاني موحد، وهو النهج نفسه الذي اتبعته إنجلترا و ويلز و إيرلندا الشمالية.
وبالتالي، فإن حضور المنتخب الإسكتلندي في المنافسات القارية يسبق بكثير اتفاقات تفويض الاختصاصات بين لندن وإدنبرة.
وبالتالي، فإن حضور المنتخب الإسكتلندي في المنافسات القارية يسبق بكثير اتفاقات تفويض الاختصاصات بين لندن وإدنبرة.
مسطرة إقرار الحكم الذاتي في إسكتلندا.
(Scotland Act 1998)
(Scotland Act 1998)
الأساس السياسي و القانوني.
بعد فوز حزب العمال البريطاني في انتخابات سنة 1997 بقيادة توني بلير، شرعت الحكومة الجديدة في تنزيل برنامجها الانتخابي المتعلق بالحكم الذاتي لإسكتلندا، والذي شكل ركنا حاسما في نتائج تلك الانتخابات.
الشرعية الشعبية.
تم تنظيم استفتاء 1997 داخل إسكتلندا فقط، وطرحت فيه سؤالان:
تم تنظيم استفتاء 1997 داخل إسكتلندا فقط، وطرحت فيه سؤالان:
هل توافق على إنشاء برلمان إسكتلندي؟
هل توافق على منح البرلمان الإسكتلندي صلاحيات ضريبية؟
فكانت النتائج كالتالي:
إنشاء البرلمان: نعم 74%.
الصلاحيات الضريبية: نعم 63%.
نسبة المشاركة: حوالي 60%.
هل توافق على منح البرلمان الإسكتلندي صلاحيات ضريبية؟
فكانت النتائج كالتالي:
إنشاء البرلمان: نعم 74%.
الصلاحيات الضريبية: نعم 63%.
نسبة المشاركة: حوالي 60%.
مع الإشارة إلى أن خيار الاستقلال لم يكن مطروحا، وأن سقف الاستشارة كان محددا بوضوح، مما منح المشروع شرعية ديمقراطية مباشرة لكن بسقف محدد و واضح.
المسار التشريعي داخل البرلمان البريطاني.
قدم مشروع القانون من طرف الحكومة البريطانية إلى مجلس العموم، وخضع للقراءات الثلاث (الأولى، الثانية، والثالثة)، ثم انتقل إلى مجلس اللوردات وفق المسطرة نفسها.
المصادقة النهائية
بعد موافقة المجلسين، حصل القانون على الموافقة الملكية بتاريخ 19 نونبر 1998، ليصبح قانونا نافذا ويدخل حيّز التنفيذ بشكل تدريجي.
بعد موافقة المجلسين، حصل القانون على الموافقة الملكية بتاريخ 19 نونبر 1998، ليصبح قانونا نافذا ويدخل حيّز التنفيذ بشكل تدريجي.
الطبيعة الدستورية للقرار.
رغم أن القانون صادر عن البرلمان البريطاني فقط، فإنه يتميز بـ:
سند شعبي مباشر (الاستفتاء).
طابع دستوري خاص.
وهو ما يجعل إلغاؤه ممكنا قانونيا و نظريا، لكنه صعب سياسيا و عمليا.
رغم أن القانون صادر عن البرلمان البريطاني فقط، فإنه يتميز بـ:
سند شعبي مباشر (الاستفتاء).
طابع دستوري خاص.
وهو ما يجعل إلغاؤه ممكنا قانونيا و نظريا، لكنه صعب سياسيا و عمليا.
خلاصة
يبرز النموذج الإسكتلندي/الإنجليزي قدرة الأنظمة الديمقراطية المرنة على التوفيق بين وحدة الدولة والاستجابة للتعددية المجتمعية، عبر حكم ذاتي موسع يستند إلى الشرعية الشعبية والتشريع الدستوري، ما يجعله تجربة مرجعية في سياق التفكير المغربي حول تنزيل الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية.
يبرز النموذج الإسكتلندي/الإنجليزي قدرة الأنظمة الديمقراطية المرنة على التوفيق بين وحدة الدولة والاستجابة للتعددية المجتمعية، عبر حكم ذاتي موسع يستند إلى الشرعية الشعبية والتشريع الدستوري، ما يجعله تجربة مرجعية في سياق التفكير المغربي حول تنزيل الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية.
الدكتور مشيج القرقري /باحث في السياسات العمومية و العلاقات الدولية

