الإنصاف الترابي مدخلٌ للعدالة والتنمية المتكاملةيشكّل البلاغ الملكي الصادر عقب أشغال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 19 أكتوبر 2025 محطةً نوعيةً في مسار تجديد النموذج التنموي للمملكة، فقد ركّز على العدالة المجالية والتنمية المندمجة، في أفق جعلها رافعةً رئيسيةً لتحقيق التوازن الوطني والإنصاف الترابي.
ويُعدّ هذا التوجّه بمثابة انتقالٍ رمزيٍّ نحو مرحلة جديدة من هندسة الدولة الحديثة، مؤسسٍ على مبدأ الإنصاف الترابي لبناء مغربٍ تتكامل فيه الجهات، وتتوزع فيه فرص التنمية بعدالةٍ لا بمنطق الامتياز.التوجّه الملكي يعكس تحولًا عميقًا في فلسفة الدولة، من منطق الاستثمار المجرّد إلى منطق إعادة ترتيب الأولويات لصالح المجالات التي ظلّت لعقود خارج دوائر الاهتمام الاقتصادي الكبرى، وعلى رأسها المناطق الجبلية، والواحات، والسواحل، والمراكز القروية الصاعدة.وتتجلّى أهمية الأوراش الاجتماعية الكبرى في تخصيص غلافٍ ماليٍّ يناهز 140 مليار درهم لقطاعَي التعليم والصحة، وإحداث 27 ألف منصبٍ ماليٍّ جديد، بما يعكس إرادةً ملكيةً واضحة لترسيخ العدالة في توزيع المجهود المالي للدولة، وجعل الصحة والتعليم ركيزتَين لتوطين الكفاءات وتحفيز الاستقرار بالجهات. وهي سياسة ستجعل من الإنسان محور التنمية، ومن المجال فضاءً للإنصاف والفرص، لا مجالًا للحرمان والتفاوت.فالإشارة الملكية القوية إلى العدالة المجالية تُعتبر لحظةً مفصليةً في إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، حيث أصبحت العدالة المجالية اختيارًا سياديًا لتجديد العقد الاجتماعي وترسيخ الثقة في المؤسسات الجهوية المتقدمة، من خلال تنزيلٍ فعليٍّ لمبدأ التضامن بين الجهات، وتحويل المجال الجغرافي من عبءٍ إداريٍّ إلى طاقةٍ إنتاجيةٍ متكاملةٍ ومتضامنة.فمفهوم «المغرب الصاعد»، كما ورد في البلاغ الملكي، ليس شعارًا ظرفيًا أو خطابًا إنشائيًا، بل هو مشروعٌ وطنيٌّ متكاملٌ يجعل من العدالة المجالية عموده الفقري، ومن الإنصاف الترابي محرّكه الأساس.ويُعدّ توجيه الاستثمارات نحو الجهات الهشة، وإعادة توزيع المجهود المالي للدولة بشكلٍ منصف، وتوسيع قاعدة التكوين والتشغيل، تأسيسًا للمشروع الملكي لبناء نموذج دولةٍ قادرةٍ على تحقيق النهوض الشامل والعادل بين جميع المناطق والفئات.فمشروع قانون المالية لسنة 2026 يُعدّ إعلانًا فعليًا عن انتقال المغرب من تنمية الفوارق إلى فوارق التنمية، ومن منطق المشاريع المركزية إلى منطق التكامل الترابي، في انسجامٍ تامٍّ مع روح دستور 2011 الذي جعل من الجهوية المتقدمة والعدالة المجالية مدخلًا لبناء مغربٍ متوازنٍ، منفتحٍ، ومتماسكٍ في وحدته وتعدده.
مصطفى يخلف، محامي بهيئة أكادير، وعصو جمعية عدالة