Wednesday 10 September 2025
خارج الحدود

كريم مولاي: الجزائر وأزمتها الصامتة.. شباب ضائع ونقل منهار وبحر يبتلع الأحلام

كريم مولاي: الجزائر وأزمتها الصامتة.. شباب ضائع ونقل منهار وبحر يبتلع الأحلام كريم مولاي، خبير أمني جزائري
ليست كل الأزمات تُعلن ببيانات رسمية أو جلسات طوارئ. أحياناً، هناك أزمات صامتة، تُسمع في تنهدات المسافرين أمام محطات الحافلات، وتُقرأ في عيون أم تنتظر ابنها الذي لم يعد، وتُلمس في قوارب مطاطية تشق عتمة البحر. الجزائر اليوم تعيش أزمة من هذا النوع: انهيار منظومة النقل، اختفاء الشباب، وزحف قوارب الموت نحو المجهول.
 
نقل يرهق بدل أن يربط
النقل في أي بلد هو العمود الفقري للحياة اليومية. لكنه في الجزائر تحوّل إلى مصدر اختناق. حافلات مكتظة، قطارات بطيئة أو متوقفة، وصيانة شبه غائبة. السفر بين المدن أصبح مغامرة، والطلبة يضيّعون حصصهم، والباحثون عن عمل يرفضون فرصاً لا يستطيعون بلوغها. حتى التجار يخسرون زبائنهم بسبب هذا الشلل. وعندما تضيق الطرق، تضيق معها الحياة، ويتحوّل الإحباط إلى قناعة عند الشباب بأن الخلاص موجود فقط "خارج الحدود".
 
اختفاءات بلا أجوبة
وراء كل خبر عن اختفاء شاب أو فتاة، هناك قصة عائلة تعيش الفقدان بلا تفسير. الأسباب متشابكة: بطالة خانقة، ضغط اجتماعي، عنف صامت، أو إغراءات افتراضية عبر الإنترنت. الفتيات أكثر عرضة للتهديد، حيث يجتمع عليهن التحرش والخوف من الفضيحة وثقل الصمت. أما الفتيان فيتسربون عبر مسارات عمل مؤقت أو شبكات استغلال، ثم يذوبون في الفراغ. في النهاية، تبقى العائلة مع شائعة وآخر مكان شوهد فيه ابنها أو ابنتها.
 
البحر الذي لا يشبع
لكن الوجه الأكثر مأساوية يبقى في قوارب الهجرة غير الشرعية، التي صار ركوبها أشبه بطقس اجتماعي بين الشباب. المدهش أن الصفوف الأولى فيها لم تعد تضم المغامرين وحدهم، بل القُصَّر أيضاً. هؤلاء لا يهربون من نزوة، بل من انسداد: شهادات بلا قيمة، مستقبل مجهول، أفق يضيق. بالنسبة لهم، البحر يبدو أهون من انتظار طويل بلا جدوى. وما إن تتعطل محركات القارب أو تهب عاصفة، يتحوّل البحر من نافذة أمل إلى مقبرة جماعية.
 
نحو أفق آخر
المأساة أن هذه ليست أزمات منفصلة، بل خيوط متشابكة في نسيج واحد من الإحباط والخذلان. ومع ذلك، الحل ليس مستحيلاً. إصلاح النقل لا يوقف كل قارب، لكنه يمنح الشاب سبباً للبقاء. خط ساخن لن ينهي كل اختفاء، لكنه قد ينقذ فتاة من مصير غامض. كل ورشة عمل، كل ملعب مفتوح، كل مشروع حقيقي يفتح باباً بديلاً عن البحر.
 
شباب الجزائر ليسوا "مشكلة" يجب إدارتها، بل وعداً يجب الوفاء به. البحر يجب أن يعود مرآتنا لا مقبرتنا. وحين يصبح ركوب القطار صباحاً أسهل من ركوب قارب ليلاً، وحين يغدو طلب المساعدة أيسر من الاختفاء، عندها فقط يمكن أن نقول إن الأزمة الصامتة انتهت.