شهد العالم خلال العقدين الأخيرين تجربتين بارزتين في مواجهة الانقلابات: التجربة الفنزويلية و التجربة التركية. كلاهما تقدم نموذجا مختلفا في كيفية تفاعل الشعب، الأحزاب، والجيش مع لحظة الصدام بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية.
فنزويلا: الشارع كسلاح مضاد
في أبريل 2002، واجه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز انقلابا عسكريا أطاح به لساعات. غير أن التعبئة الشعبية الهائلة لأنصاره، إلى جانب ولاء جزء معتبر من الجيش، أجبرت الانقلابيين على التراجع، ليعود تشافيز إلى القصر الرئاسي في ظرف يومين فقط. هنا، كان الشارع هو الفيصل؛ الجماهير التي رأت في تشافيز رمزا لخياراتها الاجتماعية والسياسية لم تتردد في النزول والدفاع عن شرعيته.
تركيا: الإعلام والشرعية الشعبية
أما في تركيا، فقد مثّل انقلاب يوليو 2016 لحظة فارقة. محاولة إزاحة الرئيس رجب طيب أردوغان فشلت خلال ساعات بفضل تضافر عناصر حاسمة:
خروج أردوغان عبر الهاتف والإعلام يدعو الشعب للنزول.
نزول الجماهير فعليا إلى الشوارع لمواجهة الدبابات.
تماسك جزء مهم من الأجهزة الأمنية ورفضها الانقلاب.
في النهاية، لم يكن الدفاع عن أردوغان رهين النخب السياسية فقط، بل كان قرارا شعبيا حاسما.
الجزائر: سيناريوهات غامضة
في الجزائر، يعيش المشهد السياسي على وقع ازدواجية السلطة بين الرئاسة والجيش. الرئيس عبد المجيد تبون، الذي تقول الأرقام الرسمية إنه حاز 84% من أصوات المنتخبين في الاستحقاقات الأخيرة، يظل في موقع ملتبس: شرعية انتخابية قوية على الورق، لكنها في الممارسة اليومية محكومة بظل المؤسسة العسكرية.
وهنا يطرح السؤال: إذا تحركت آلة الجيش ضد الرئاسة، هل سيدافع هؤلاء المنتخبون عن تبون؟
التجربة الفنزويلية والتركية توضح أن الحسم لا يكون بالأرقام ولا بالبرلمان، بل بمدى استعداد الشارع والفاعلين الحقيقيين للدفاع عن الرئيس.
في الحالة الجزائرية، يصعب تصور أن المنتخبين – الذين يدين معظمهم بوجودهم لنظام مغلق قائم على الولاء أكثر من الاقتناع – سيغامرون بمواجهة الجيش لحماية الرئيس.
بل إن جزءا كبيرا منهم قد يفضّل الاصطفاف مع القوة الغالبة كما جرت العادة في أزمات النظام الجزائري منذ الاستقلال.
الخلاصة
التجارب الدولية تُظهر أن مواجهة الانقلاب تتطلب شرعية حقيقية متجذرة في الشعب، وليست مجرد نسب انتخابية ضخمة تُعلن على الورق. فنزويلا نجت بفضل الشارع، وتركيا نجت بفضل الشعب والمؤسسات المتماسكة. أما الجزائر، فتبقى أمام سؤال معلق: هل يكفي 84% من المنتخبين على الورق لحماية الرئيس من آلة الجيش إن تحركت؟ أم أن الشرعية في الجزائر ما تزال بيد من يملك القوة الصلبة؟
