في انتخابات 1997رفع حزب الاتحاد الاشتراكي، في شخص رئيس بلدية السالمية آنذاك، بناصر المعز، لواء توسيع المدار الحضري للدار البيضاء، على اعتبار أن السالمية كانت هي أبشع ظاهرة حضرية بالمغرب. فالسالمية كانت بلدية، لكن ترابها القروي كان يغطي 90 % من مساحتها الإجمالية، بينما مدارها الحضري لا يغطي سوى 10 % من مساحتها، بشكل كان يعيق تدخل الأجهزة المحلية للاستجابة لحاجيات 60 ألف نسمة (آنذاك) تقطن بالسالمية (من مدارس ومراكز صحية ومساجد... إلخ)؛ ذلك أن البناء كان ممنوعا بالمدار القروي، بدليل أن الإعدادية التي بنيت بالسالمية قرب الأوطوروت آنذاك تم الترخيص لها من طرف السلطات "بشق الأنفس".
هذا الوضع سيتفاقم مع بروز ظاهرة كاريانات "تقلية" (لمكانسة بالاسم الإداري) و"الشيشان" (الهراويين بالاسم الإداري) بالعاصمة الاقتصادية، حيث انتفخت ضاحية الدار البيضاء بالكاريانات والبناء العشوائى على طول الخط الفاصل بين مدارها الحضري ومدارها القروي.
وفي أواخر التسعينات (تحديدا يوم 19 فبراير 1999)، سيصل السجال حول توسيع المدار الحضري للدارالبيضاء إلى ذروته، إذ ترأس إدريس البصري، وزير الداخلية السابق، اجتماعا مع المنتخبين ومع العمال في العاصمة الاقتصادية بمقر عمالة بنمسيك، وصاح فيهم بقولته المشهورة: "مدار الدار البيضاء مدار موضوع من طرف القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، ولن يفوت المدار الحضري بمتر رغم الضغوط القوية التي تأتي من جميع الأطراف. وأنتم تعرفون كتمان السر الذي تتميز به وزارة الداخلية وسنقف أمام كل متدخل بغا ينزل بنا لي ما فيهش مصلحة الدارالبيضاء".
هذا الحزم الذي واجهت به الدولة مخاطبيها قاد إلى تهدئة السجال مؤقتا، على اعتبار أن وفاة المرحوم الحسن الثاني ستترتب عنها تغييرات في الهندسة الترابية والحكومية، تجلت بالأساس في النقاشات التي فتحها كل من إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، ومحمد اليازغي، وزير إعداد التراب الوطني في حكومة اليوسفي، حول التقطيع الجماعي والحاجة إلى إحداث رجة في تقطيع الدار البيضاء على هامش استعداد المغرب للدخول إلى تجربة وحدة المدينة عام 2003.
هذا النقاش فتح شهية المتتبعين للمطالبة بفتح ورش المدار الحضري للدار البيضاء على اعتبار أن هناك تلازما بين نجاعة التقطيع الجماعي وتغيير المدار الحضري. إلا أن هذه الدعوة لم تحظ بالإجماع، مما حذا بالمشرع إلى اعتماد تقطيع جديد للدار البيضاء (تقطيع انتخابي وجماعي وترابي) بدون إحداث تغيير في المدار الحضري.
هذا النقاش فتح شهية المتتبعين للمطالبة بفتح ورش المدار الحضري للدار البيضاء على اعتبار أن هناك تلازما بين نجاعة التقطيع الجماعي وتغيير المدار الحضري. إلا أن هذه الدعوة لم تحظ بالإجماع، مما حذا بالمشرع إلى اعتماد تقطيع جديد للدار البيضاء (تقطيع انتخابي وجماعي وترابي) بدون إحداث تغيير في المدار الحضري.
لكن تجربة ست سنوات من نظام "وحدة المدينة"، عقب تطبيقه عام 2003، جعلت الأمور تنضج لدى صانعي القرار ليبادروا إلى دراسة جديدة لمراجعة المدار الحضري للدار البيضاء. هذه الدراسة تزامنت آنذاك مع تهييء المخطط المديري للتهيئة الحضرية للدار البيضاء (SDAU)، حيث حصلت القناعة لدى كل الأجهزة العمومية بوجوب إجراء تعديل جزئي في مدار المدينة ليصبح حده الفاصل هو الأوطوروت (أو المدار الجنوبي الغربي) المعروف باللغة الفرنسية باسم la rocade sud ouest، بدل شارع عبد القادر الصحراوي، كما كان محددا في مرسوم 1971.
هذا المسلسل تم تتويجه بالمباركة الملكية للمخطط المديري للتهيئة الحضرية يوم 21 أكتوبر 2008، بإضافة 13 كيلومترا إلى مدينة الدار البيضاء وتحديد الأوطوروت ( la rocade)، كحاجز بين المدار الحضري والمدار القروي للبيضاء.
الآن، وقد مرت 17 سنة على توسيع المدار الحضري للدار البيضاء وفتح مساحات شاسعة في وجه التعمير، يحق للمتتبع التساؤل عن حجم الاستثمارات العمومية والمرافق والبنية التحتية الملائمة المنجزة بهذا الشريط الضاحوي، وكذا التساؤل عن نجاعة مقاربة الإنصاف المجالي والسكاني لتخفيف حدة الفوارق بين المجالات البيضاوية المثقلة بالأعطاب والاختلالات.
إن المدار الحضري للدار البيضاء تم توسيعه بالدم والنار فوق جثث البيضاويين. ومن العار أن ينعم بالغلة حفنة من النافذين فقط، ويتم إقبار حقوق المواطنين الموجودين في أسفل السلم الاجتماعي!
إن الواقع الذي صنعه هذا المسلسل الذي لا يراد له أن ينتهي بالعاصمة الاقتصادية ليس توسيع المدار الحضري للدار البيضاء، وإنما توسيع الفوارق بين المجالات البيضاوية!
