Thursday 7 August 2025
منبر أنفاس

عبد العالي بلقايد: غياب المشيخة وحضور ظلالها

 
عبد العالي بلقايد: غياب المشيخة وحضور ظلالها عبد العالي بلقايد
غياب المشيخة يفضي إلى نذرة أو زوال الفنانة التي تتقن أصول وقواعد الموسيقى التقليدية التي من ضمنها العيطة التي لا تتأسس على بعد واحد ووحيد، فمن الملاحظات التي تستأثر باهتمام الملاحظ والمتتبع أن جل العروض التي يتم تقديمها من طرف الفنانين سواء بالمهرجانات أو الحفلات العامة يطغى عليها:

غياب الصوت وحضور الجسد بشكل قوي وملفث، مما يجعل العرض هو استعراض لرقصات تلقائية وبذلك نكون أمام راقصات؛ لا أمام فنانات على علاقة بالموسيقى التقليدية التي تحتاج الى دربة لكي تكون الفنانة حائزة ومتمكنة من احتراف أصول هذا الفن الذي هو حرفة تتطلب الإتقان بالنفس الدرجة التي تحترم الأصول والقواعد التي تلزمها ومنها إتقان القواعد والتي تبتديء بالتدريب على فن الإيقاع، ما يلزم المبتدئة بأن تحمل طعريجة لا تصدر أصواتا بحشوها ب (كغيط) يجعلها بكماء لا تصدر أصواتا حتى لا تقع في (التفراط) وهو الخروج عن الميزان الذي يعتبر ضروريا في بناء العيطة التي تتأسس على ميزان مركب يحتاج إلى دربة ومصاحبة الشيوخ للأخذ عنهم فهي كباقي الصنائع لا يمكن التمكن منها إلا بالمصاحبة والرفقة.

وجوب خدمة المجموعة وذلك بتسخين آلات الإيقاع قبل البدء في لفراجة، وهو أمر ينسحب حتى على الرجال، فالمبتديء يجب أن يعتني بكمان الشيخ وذلك بتشحيمه (بصلبان) وإعداده وهي أمور تجعل المبتديء يخلق علاقة الألفة مع الألات بنفس القدر مع أجواء لفراجة التي كانت هي كذلك خاضعة لطقوس وتقاليد محددة لأنها هي نتاج لمجتمعات عمرانها البشري مميز
بالطابع العرفاني الذي يجعل البعد الروحي حاضر بقوة بعمرانه البشري.

فجميع فعاليات المجتمع المغربي كانت خاضعة لتنظيم الحنطات بالشفوية القائمة على الأعراف التي ترتفع إلى درجة التبجيل والتوقير (للمعلم) والشيخ.

اليست التسمية التي كانت تعطى للمجموعة الشعبية قديما هي (الكاور) كَاوْرْ الرّما وهو مجمع الخير والبركات وبذلك كان منتوجهم الذي هو إحالة إلى أيامهم الخوالي التي هي ملاحم شعبية ووطنية بانية للذاكرة المغربية والهوية الوطنية وبذلك فهي ذاتنا التي كناها والتي سنكونها ،فلاجديد يمكن أن نبنيه إلا انطلاقا من إنتاجنا المحلي لأننا لا ننطلق من أرضية جرداء بل نمتلك من المقومات ما يغنينا عن الغير، وحتى حين نتفاعل مع الآخر يكون تفاعل ندي.

إن هذه الصيحة التي يطلقها الكثير من الفنانين ومنهم حجيب والزرهوني وفنانات مثل عزيزة زعزع فبحكم الغيرة على تراثنا وعلى مكون أساسي من مكونات الهوية الوطنية.

فأن يطغى الرقص والخلاسي على العروض الفنية نكون إزاء عملية تدميرية كبيرة تتعرض لها موسيقانا التقليدية. صحيح أن الأمر يحتاج إلى عملية تجديد التي لايمكن أن يقوم بها إلا أهل الموسيقى الحائزين على الدراية العلمية بهذا المنتوج الوطني. والتي تجعل الموسيقى المغربية تتعالق مع الذوق العالمي وما يسهل هذا المبتغى أننا موسيقيا على علاقة بكثير من دول العالم مثل الصين وأمريكا وأفريقيا التي هي عمقنا ونشكل لها شرايين الروح وأشياء العالم .

إن الامر يحتاج إلى تحرك المؤسسات ذات الصلة في تعاون مع الفنانين والمجتمع كما يحتاج إلى حوار جدي يفتح آفاقا جديدة لتقديم تراثنا بصورة ملهمة للذات والاخر.

كما يجب تقديم مساعدات للكفاءات المحلية من الفنانين الذين يصبون إلى الحفاظ على هذا التراث وتجديده وتثمين المجهود الذين يقومون به.