Thursday 24 July 2025
مجتمع

مغاربة.. بين جحيم الحرارة وجحيم المؤسسات الباردة

مغاربة.. بين جحيم الحرارة وجحيم المؤسسات الباردة ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬ليس‭ ‬ظاهرة‭ ‬مغربية‭ ‬فقط،‭ ‬لكن‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى
لم‭ ‬تعد‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬مجرد‭ ‬ظاهرة‭ ‬موسمية‭ ‬تتفاقم‭ ‬تأثيراتها‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬تتربص‭ ‬بنحو‭ ‬ثلث‭ ‬سكان‭ ‬المغرب،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬لافت‭ ‬ومقلق‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬القرار،‭ ‬وغياب‭ ‬فاضح‭ ‬لأي‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬جدية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬للتأهيل‭ ‬والبناء‭. ‬
 
فبموجب‭ ‬هذا‭ ‬التخلي‭ ‬السافر،‭ ‬تحول‭ ‬شريط‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬السواحل‭ ‬«من‭ ‬فݣيݣ‭ ‬إلى‭ ‬السمارة؛‭ ‬ومن‭ ‬ميدلت‭ ‬إلى‭ ‬الراشيدية‭ ‬وزاݣورة؛‭ ‬ومن‭ ‬بني‭ ‬ملال‭ ‬إلى‭ ‬خريبكة‭ ‬وتارودانت؛‭ ‬ومن‭ ‬بنݣرير‭ ‬إلى‭ ‬قلعة‭ ‬السراغنة،‭ ‬ومن‭ ‬فاس‭ ‬إلى‭ ‬والماس‭.. ‬إلخ»‭ ‬إلى‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬«جهنم»‭  ‬تتجاوز‭ ‬الشرط‭ ‬المناخي‭ ‬والجغرافي،‭ ‬إلى‭ ‬الشرط‭ ‬البشري‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬المنتوج‭ ‬الطبيعي‭ ‬لهشاشة‭ ‬البنية‭ ‬المجالية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬نتاجا‭ ‬لتراخي‭ ‬السلطة‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬استباقية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حول‭ ‬«الحرارة»‭ ‬إلى‭ ‬لعنة‭ ‬موسمية‭ ‬تهدد‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي‭ ‬والسكاني‭ ‬بهذه‭ ‬المناطق،‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬الألسنة‭ ‬بشأنها‭ ‬«اللطائف»‭ ‬«اللهم‭ ‬يا‭ ‬لطيف‭ ‬نسألك‭ ‬اللطف‭ ‬فيما‭ ‬جرت‭ ‬به‭ ‬المقادير»‭. ‬
 
ففي‭ ‬كل‭ ‬صيف،‭ ‬تتحول‭ ‬مناطق‭ ‬شاسعة‭ ‬إلى‭ ‬«شريط‭ ‬جحيمي»،‭ ‬حيث‭ ‬يواجه‭ ‬السكان‭ ‬لهيب‭ ‬الحرارة‭ ‬بصدر‭ ‬مؤسساتي‭ ‬على‭ ‬إلا‭ ‬مما‭ ‬جلد‭ ‬به‭ ‬ظل‭ ‬شجرة‭ ‬إذا‭ ‬توفرت،‭ ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬لا‭ ‬مخططات‭ ‬استعجالية،‭ ‬ولا‭ ‬حماية‭ ‬مدنية‭ ‬مجهزة،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬وعي‭ ‬مجتمعي‭ ‬بمخاطر‭ ‬الوضع‭ ‬الفادح‭ ‬الذي‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬تهديد‭ ‬حياة‭ ‬المسنين‭ ‬والرضع،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬هجرة‭ ‬جماعية‭ ‬اضطرارية،‭ ‬وترك‭ ‬«الجحيم»‭ ‬للأشباح!
 
الكارثة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬خلال‭ ‬الصيف،‭ ‬إذن،‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬ومواجهتها‭ ‬بأجساد‭ ‬عارية،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬التبخر‭ ‬المقلق‭ ‬للفرشة‭ ‬المائية،‭ ‬وانهيار‭ ‬الفلاحة‭ ‬التقليدية،‭ ‬ونزيف‭ ‬ديمغرافي‭ ‬خطير‭ ‬نحو‭ ‬المدن‭ ‬الساحلية،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬–‭ ‬إن‭ ‬استمر‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬تفريغ‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬خرائب،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬سابقا‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬والدواوير‭ ‬بالجنوب‭ ‬الشرقي،‭ ‬بزاكورة‭ ‬وامحاميد‭ ‬الغزلان،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحتضنها‭ ‬صحراء‭ ‬شݣاݣة،‭ ‬بعد‭ ‬نضوب‭ ‬بعض‭ ‬روافد‭ ‬وادي‭ ‬درعة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬انتفاء‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬موجات‭ ‬البرد‭ ‬أو‭ ‬الحرارة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬«العدالة،‭ ‬كما‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭  ‬الفيلسوف‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬رولز‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬«المدينة‭ ‬العادلة»،‭ ‬«ليست‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬القوانين،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الفرص‭ ‬والموارد‭ ‬على‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والسكان»‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬أحد‭ ‬تجليات‭ ‬التنمية‭ ‬المتوازنة،‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬يدير‭ ‬ظهره‭ ‬لساكنة‭ ‬نظر‭ ‬إليها،‭ ‬سوسيولوجيا،‭ ‬«حامية‭ ‬للعرش»،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬نشاطها‭ ‬الفلاحي‭ ‬والغذائي‭ ‬عماد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬
 
إن‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬أوقاتنا‭ ‬الراهنة،‭ ‬بحسب‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬أولريش‭ ‬بيك،‭ ‬في‭ ‬نظريته‭ ‬عن‭ ‬«مجتمع‭ ‬المخاطر»،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية،‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬«افتقار‭ ‬المجتمعات‭ ‬الحديثة‭ ‬إلى‭ ‬البنيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬الاستباق‭ ‬والتعامل»‭. ‬وهذا‭ ‬تمامًا‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬أي‭ ‬تصور‭ ‬مستقبلي‭ ‬يضع‭ ‬هذه‭ ‬الرقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬القرار‭ ‬العمومي‭.‬
 
إن‭ ‬الفقر،‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬كما‭ ‬صاغها‭ ‬المفكر‭ ‬أمارتيا‭ ‬سن،‭ ‬«لا‭ ‬يُقاس‭ ‬فقط‭ ‬بعدم‭ ‬توفر‭ ‬الموارد،‭ ‬بل‭ ‬بانعدام‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬خيارات‭ ‬الحياة»‭. ‬وما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬المملكة‭ ‬هو‭ ‬تقييد‭ ‬متزايد‭ ‬لقدرة‭ ‬سكان‭ ‬الداخل‭ ‬على‭ ‬الاختيار:‭ ‬لا‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬البقاء،‭ ‬ولا‭ ‬إمكانية‭ ‬للترفيه،‭ ‬ولا‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬التغيير‭. ‬ومن‭ ‬ثمة،‭ ‬فلا‭ ‬سبيل‭ ‬لإحداث‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬اليوم‭ ‬وغدا‭ ‬إلا‭ ‬بمراجعة‭ ‬عميقة‭ ‬وشاملة‭ ‬لمفهوم‭ ‬التنمية‭ ‬الترابية‭ ‬وثقافة‭ ‬القرب،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لساكنة‭ ‬المناطق‭ ‬المنكوبة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬العمران،‭ ‬وعن‭ ‬الاستقرار‭ ‬الوطني‭ ‬نفسه‭. ‬
 
اما‭ ‬مشاهده‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المناطق،‭  ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬إطلاقا‭ ‬بـ‭ ‬«التغير‭ ‬المناخي»،‭ ‬بل‭ ‬بلامبالاة‭ ‬سياسية‭ ‬وتهميش‭ ‬وتمييز‭ ‬ترابي‭ ‬«المغرب‭ ‬النافع/‭ ‬المغرب‭ ‬غير‭ ‬النافع»‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬لم‭ ‬تستخلص‭ ‬العبر‭ ‬من‭ ‬الفواجع‭ ‬السابقة،‭ ‬ولم‭ ‬تلتفت‭ ‬لحقيقة‭ ‬أن‭ ‬شبح‭ ‬الحرارة‭ ‬بات‭ ‬اليوم‭ ‬قضية‭ ‬أمن‭ ‬بيئي‭ ‬واجتماعي‭ ‬واقتصادي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬تبدأ‭ ‬بتحديد‭ ‬خارطة‭ ‬الأقاليم‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة،‭ ‬وتنبني‭ ‬على‭ ‬عشرة‭ ‬محاور‭ ‬استراتيجية‭ ‬عاجلة:
 
- التشجير‭ ‬الكثيف‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬المتضررة،‭ ‬لتلطيف‭ ‬المناخ‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭.‬
- إحداث‭ ‬مسابح‭ ‬ومتنزهات‭ ‬حضرية‭ ‬توفر‭ ‬للساكنة‭ ‬فضاءات‭ ‬للاسترخاء‭ ‬والنجاة‭ ‬من‭ ‬الحر‭ ‬القاتل‭.‬
- جلب‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬تحليته،‭ ‬لضمان‭ ‬الأمن‭ ‬المائي‭ ‬الضروري‭ ‬للشرب‭ ‬والفلاحة‭.‬
- اقتناء‭ ‬طائرات‭ ‬إطفاء‭ ‬الحرائق‭ ‬لمواجهة‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬الواحات‭ ‬والغابات‭.‬
- إحصاء‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭ ‬من‭ ‬مسنين‭ ‬ومرضى‭ ‬ورضع‭ ‬لمواكبتها‭ ‬ميدانيًا‭ ‬وتوعويًا‭.‬
- ‭ ‬تفعيل‭ ‬غرفة‭ ‬قيادة‭ ‬صيفية‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬لمواكبة‭ ‬أزمات‭ ‬الحرارة‭ ‬ميدانيًا‭ ‬بفعالية‭.‬
- إحداث‭ ‬"شيك‭ ‬العطلة"‭ ‬لتمكين‭ ‬العائلات‭ ‬الفقيرة‭ ‬من‭ ‬إرسال‭ ‬أبنائها‭ ‬لمناطق‭ ‬جبلية‭ ‬أو‭ ‬ساحلية‭.‬
-‭ ‬تهيئة‭ ‬العمران‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬مناخية‭ ‬جديدة‭ ‬تراعي‭ ‬موجات‭ ‬الحر‭ ‬وتحد‭ ‬منها‭.‬
- تشجيع‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬معاهد‭ ‬الزراعة‭ ‬والغابات‭ ‬حول‭ ‬النباتات‭ ‬الملائمة‭ ‬للمناخ‭ ‬الجاف‭.‬
- إطلاق‭ ‬حملات‭ ‬تواصلية‭ ‬دائمة‭ ‬ومقنعة‭ ‬تحفّز‭ ‬الساكنة‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخطر‭.‬
 
إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬ربط‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬بشبكات‭ ‬نقل‭ ‬سريعة‭ ‬تسهّل‭ ‬التنقل‭ ‬اليومي‭ ‬نحو‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي،‭ ‬وتوفير‭ ‬مكيفات‭ ‬هوائية‭ ‬ودعم‭ ‬فواتير‭ ‬الكهرباء،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تصبح‭ ‬أدوات‭ ‬النجاة‭ ‬عبئًا‭ ‬جديدًا‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬المعاناة‭. ‬
 
إنها‭ ‬خطوات‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬التأجيل،‭ ‬لأن‭ ‬المؤشرات‭ ‬واضحة:‭ ‬نزيف‭ ‬الهجرة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬تصاعد،‭ ‬والأرض‭ ‬تفقد‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬العطاء،‭ ‬والإنسان‭ ‬يضيق‭ ‬عليه‭ ‬الخناق‭ ‬بين‭ ‬حرارة‭ ‬الجو‭ ‬وبرودة‭ ‬الاهتمام‭.‬
 
إن‭ ‬الجحيم‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬المرتفعة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬"التواطؤ‭ ‬الصامت"‭ ‬لمؤسسات‭ ‬باردة،‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬الحماسة‭ ‬ولا‭ ‬الخيال‭ ‬ولا‭ ‬الحس‭ ‬الاستباقي‭ ‬لحل‭ ‬المشاكل،‭ ‬وتكتفي‭ ‬بإدارة‭ ‬الوقت‭ ‬حتى‭ ‬تحل‭ ‬الكارثة،‭ ‬فتلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الاستنجاد‭ ‬بالجيش،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تترك‭ ‬الأرض‭ ‬«لرب‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حمايتها»‭. ‬
 
لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬للاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭ ‬لا‭ ‬تحارب‭ ‬الحرارة‭ ‬فقط‭ ‬بإمكانيات‭ ‬بدائية،‭ ‬بل‭ ‬تقاوم‭ ‬التهميش‭ ‬والإقصاء،‭ ‬وتحلم‭ ‬بحياة‭ ‬كريمة‭ ‬تحت‭ ‬شمس‭ ‬عادلة،‭ ‬لا‭ ‬تحرق‭ ‬ولا‭ ‬تُقصي‭.‬
 
كان‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭ ‬يردّد‭ ‬أن‭ ‬«الاختبار‭ ‬الحقيقي‭ ‬لأي‭ ‬أمة‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬تعامل‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬لها»،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬اليوم‭
‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تهمس‭ ‬بصمت‭ ‬مدوٍّ‭ ‬مثل‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية،‭ ‬التي‭ ‬تنزف‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الاهتمام‭ ‬وتُحرم‭ ‬من‭ ‬امتيازات‭ ‬المواطنة‭ ‬المتكافئة‭. ‬فالحرارة‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تقتل‭. ‬بل‭ ‬القاتل‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬إجماع‭ ‬الحكومة‭ ‬والبرلمان‭ ‬والمجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭ ‬وإقصاؤها‭ ‬من‭ ‬الرادار‭ ‬العمومي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬إيفان‭ ‬إيليتش‭ ‬بـ‭ ‬«الإقصاء‭ ‬الصامت»،‭ ‬أي‭  ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يُقتل‭ ‬الناس‭ ‬بالرصاص،‭ ‬بل‭ ‬بالإهمال‭ ‬الإداري‭ ‬والبُعد‭ ‬عن‭ ‬القرار‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الحرية،‭ ‬بمفهومها‭ ‬الجديد‭ ‬المرتبط‭  ‬بالتنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬كما‭ ‬بلورها‭ ‬أمارتيا‭ ‬سن،‭  ‬«هي‭ ‬توسيع‭ ‬الإمكانات»‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬المناطق‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭ ‬تحرم‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬إمكانيات‭ ‬البقاء‭ ‬الآمن‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الهواء،‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬المواطنة‭ ‬يصبح‭ ‬زائفا،‭ ‬والو‭ ‬من‭ ‬«البلادة‭ ‬الاستراتجية»،‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬جوزيف‭ ‬ناي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يُنتج‭ ‬إلا‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة،‭ ‬وشرخا‭ ‬عميقا‭ ‬يتنامى‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭. ‬
 
نعم،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬ليس‭ ‬ظاهرة‭ ‬مغربية‭ ‬فقط،‭ ‬لكن‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭. ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬شعوبها‭ ‬تهيئ‭ ‬البنيات،‭ ‬بل‭ ‬تحوّل‭ ‬الكوارث‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬البناء‭ ‬والاستثنار‭. ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تنام‭ ‬على‭ ‬حرائقها،‭ ‬فلن‭ ‬تستيقظ‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬رمادها،‭ ‬وسيكون‭ ‬من‭ ‬العسير‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تدعي‭ ‬أنها‭ ‬طائر‭ ‬الفينيق‭ ‬الذي‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬رماده!
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"