منذ صدر القرار الأممي عن مجلس الأمن، ليلة الجمعة31 أكتوبر 2025، وقد أعدت، عن قصد، التذكير بهذا التاريخ، الذي لا يصحّ ولا يليق نسيانه، لأنه يضع البصمة الأممية بل العالمية على كفاح المغرب وعلى استحقاقه، الذي ظل المجتمع الدولي يتنكّر له طيلة عقود، ثم بدأ يتعاطف معه، رويداً رويداً، إلى أن عيل صبر الطرفين معاً: الطرف المغربي إزاء تردد المجتمع الدولي وتَسويفاته؛ والطرف الأممي من جراء حربائية النظام الجزائري وعدوانيته المفرطة، وغير المبرَّرة، بادّعائه عدَمَ كونِه طرفاً في النزاع وهو صانِعُه ومُهندِسُه!!
كنت أقول، منذ صدور القرار الأممي الصادم، ونحن جميعاً، وأنا شخصياً، أبحث في قُصاصات الأخبار ووسائل الآعلام الرسمية، ثم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي يبقى أغلبُها هاوياً وبعيداً عن الاحترافية، لعلنا، أو لعلني أجد موقفا جزائرياً واضحاً أو صريحاً من أمرين اثنين:
الأول: يتمثل في القرار الأممي ذاته، وما أدّى وسيؤدّي إليه من انقلاب جذري في خارطة النزاع، الذي افتعله النظام العسكري في الجزائر طيلة اثنتين وستين سنة، منذ اختطافه لمقاليد الحكم، وإقدامه على التصفية الجسدية لزعماء الثورة الحقيقيين، أمثال "فرحات عباس"، و"البشير أيت أحمد"، ثم بعد ذلك، الرئيس "محمد بوضياف"؛
والثاني: الدعوة الملكية إلى الرئيس عبد المجيد تبون، شخصيا، للجلوس إلى طاولة الحوار الأخوي بحُسنِ نية، ونَقاءِ سريرة، وبرغبة مُسْبَقة في تخطي المصاعب والحواجز، من أجل مستقبل مشترك، "بلا رابح ولا خاسر"، حوار "يحفظ ماء وجه جميع الأطراف" الجالسة حول مائدته...
بيد أنني لم أجد شيئاً إلى غاية اللحظة هذه!! لكنني بعد الاضطرار للرجوع إلى الإعلام "شبه الخاص وشبه الرسمي الجزائري"، وجدتُني أمام جريدتين متحدثتين بلسان النظام الحاكم ومخابراته الداخلية والخارجية، منهما صحيفة النهار، فلم يلفت نظري سوى خبرٍ من صنف "باب الوفيات"، يبث تعزيتين لكل من السعيد شنقريحة والرئيس عبد المجيد تبون في وفاة رقيب، أو نقيب عسكري، لا أعتقد أن احدا في الجزائر كان يسمع به غير أسرته وأقاربه وأصدقائه وأفراد محيطه المباشر... ولا شيء آخر غير ذلك، تَيَمُّناً بالمنحى الذي ظل يعتمده الإعلام الجزائري الرسمي وشبه الرسمي تجاه انتصاراتنا في ميادين كرة القدم، خوفاً من الوقوع في مغبة ذكر اسم "المغرب"، لأن مجرد ذكره يستدعي تطويح الفاعل وراء الشمس، بعد إلبالسه كل التُّهَم المؤدية إلى غياهب السجون والمعتقلات!! هذا من جهة.
من جهة أخرى، خرجت جهات ومواقع، محسوبة على جبهة البوليساريو، بخبر في غاية الغرابة، ولكنه يُعتبَر لسانَ حال نظام عسكري جزائري يقتله الرعب من إعلان رفضه للقرار الأممي، لأن ذلك يعني وضع نفسه في مواجهة صائغة القرار والمتبنية له على جميع المستويات، الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك بقي يُفضّل دفع البوليساريو للقول نيابة عنه دون الإشارة إليه ولو من بعيد!!
من غريب ما جاء به ذلك الخبر أو البيان، "أن البوليساريو ترفض أي قرار يُشرعِن الاحتلال العسكري للصحراء الغربية" (هكذا !!!) وفي الوقت ذاته وهذا هو المضحك المبكي، تعلن البوليساريو ذاتُها "استعدادها للانضمام إلى أي جهد أو مشروع أممي يحترم إرادة الشعب الصحراوي"... بْلا بْلا بْلا بْلا... في تقرير مصيره، ولتتويج هذه "الخرجة المايلة من باب الخيمة"، أخبرنا بيان البوليساريو، "مشكورا"، بأن الجزائر "رفضت المشاركة في التصويت" على قرار لا يحترم المبادئ المتواضع عليها دوليا!!
وبطبيعة الحال، لم يشر ذلك البيان إلى أن هروب ممثل الجزائر من واقعة التصويت، إنما هو بسبب خوفه من قول كلمة "لا" للولايات المتحدة الأمريكية، ومِن خلالها للعم ترامب، وهذا لا يستطيع النظام الجزائري المغامرة به لأنه يعرف تَوابِعَه عواقِبَه!!
ويبقى القول، إن نظام الجزائر يصر على تقليد طائر النعام بإخفاء رأسه في تراب المهانة، وربما أخفى رؤوس كبار ضُبّاطه جميعِهم في "نادي الصنوبر" كالعادة، حيث "الكاس يدور"، هرباً من واقع لا يرتفِع، مكتفياً بالإيعاز إلى "ميليشياته الجنوبية" بممارسة زحلقاتها المعتادة وكأن شيئا لم يكن!!
إنه يفعل بنفس الطريقة الدرامية، التي كان الإعلام الرسمي هناك يُعلن بها عن انتصارات المنتخب المغربي على غيره، في مباريات كرة القدم، بِذكر أسماء المنتخبات المنهزمة وحدها، وكأنها لعبت مع ذاتها فانهزمت (!!!) على وزن ذلك الذي اجتاز الامتحان وحده ورغم ذلك جاء في الرتبة الأخيرة... عجبي!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي، متقاعد

