Thursday 26 June 2025
في الصميم

أريري: في الحاجة لثورة جديدة بين الملك والشعب لإلحاق المغرب بنادي الدول الصاعدة !

أريري: في الحاجة لثورة جديدة بين الملك والشعب لإلحاق المغرب بنادي الدول الصاعدة ! عبد الرحيم أريري
حين حصل المغرب على استقلاله رسميا عام 1956، خرج جريحا من الاستعمار، ولم يحظ بفرصة الاهتمام بإعداد ترابه الوطني بحكم الصراعات التي كانت محتدة آنذاك حول طبيعة الحكم بين القصر والحركة الوطنية (الشق اليساري منها خاصة). ولم تتحقق الصحوة بالحاجة إلى إنصاف ترابي إلا في مطلع عام 2000، وما تلا ذلك من فتح نقاش وطني حول إعداد التراب الوطني.
 
من حسنات ذاك النقاش (الذي أثمر مجلسا وطنيا أعلى لإعداد التراب الوطني عام 2004)، أنه أظهر أن استمرار الاعتماد على الدار البيضاء لوحدها لإنتاج الثروة، من شأنه أن يقود إلى "كانيباليزم ترابي"، المتمثل في "افتراس" الدار البيضاء للمغرب ككل. وهو الوضع نفسه الذي كادت أن تعيشه فرنسا مع باريس بعيد الحرب العالمية الثانية إلى الثمانينات من القرن الماضي، لولا أن مجيء فرانسوا ميتران للحكم جعله ينتبه إلى الخطر، فكلف وزيره في الداخلية آنذاك "غاستون دوفير"، بإعداد قانون جديد للامركزية يروم خلق أقطاب حضرية قوية تنافس باريس من جهة، وتخفف العبىء عنها من جهة ثانية. فكان من ثمار ذلك الجهد أن اعتمدت فرنسا عام 1982 قانون: "باريس، ليون ،مارسيليا"، المعروف اختصارا بقانون "P.L.M"
 
من هنا القناعة التي تولدت في المغرب بوجوب خلق منافسة داخلية بين المدن، ورأينا كيف اهتم الملك محمد السادس بطنجة ومراكش والرباط ووجدة والقنيطرة وورزازات والجديدة والداخلة وفاس. وأفرد لكل قطب اختصاصا رئيسيا: اللوجستيك الدولي (طنجة)، السياحة (مراكش)، الثقافة (الرباط)، الرهان الحدودي (وجدة)، السيارات (القنيطرة)، السينما والطاقة الشمسية (ورزازات)، الصناعة المعدنية (الجديدة)، السياحة الروحية ( فاس)، ثم الداخلة التي اختير لها التحول إلى منصة المغرب الأطلسية لتثبيت حضوره الإفريقي بعد الانتهاء من إنجاز الميناء الأطلسي الكبير.
 
هذه الرؤية ساعدت على العودة للدار البيضاء لرد الاعتبار لها لتقود التراب الوطني، ليس وفق منطق "الكانيباليزم"، بل وفق قانون نيوتن الفيزيائي القائم على التوازن الديناميكي الذي يشتغل بالثنائية (Binome de Newton).
 
هذه الثنائية هي التي قادت إلى خلق التخصص التالي بولاية الدار البيضاء القاضي بمنح كل قطب حضري وظيفة معينة: النواصر (الطيران)، الحي الحسني (المال والأعمال)، المدينة القديمة (التاريخ والتراث)، أنفا (السياحة الساحلية)، بوسكورة (المركبات الجامعية)، زناتة (اللوجستيك)، أولاد حادة مديونة (الصناعة)، الرحمة (محاربة الهشاشة)، دار بوعزة (الغولف والترفيه)، عين الشق (الأوفشورينغ).
 
وما كان لهذا التخصص أن ينجح لو لم تفتح مدن فلكية بضواحي البيضاء  ولو لم يصدر الأمر الملكي بترحيل مطار أنفا.
وكان الحلم الأكبر للملك محمد السادس وللشعب المغربي، أنه بنهاية عام 2015 سيكون المغرب قد أنهى هذا الورش (ورش تأهيل المدن)، ليتسنى للمغرب استلهام نموذج كورياالجنوبية وسنغافورة وماليزيا في الإقلاع، حتى تتمكن الدار البيضاء من التوفر على شروط التنافس مع محيطها الجهوي، من قبيل: جوهانسبورغ وإسطنبول وأبوظبي.  
 
لكن الأمل خاب من نخب سياسية وتكنوقراطية لم تساير التوجه العام، سواء في الولايات الحكومية والجماعية السابقة أو الحالية: نخب لم تأت لدفة تسيير مدننا من دينامية مجتمعية طبيعية أفرزها التدافع المدني المشروع، بل تم إسقاط معظمها بالمظلات بدون روح وبدون أفق وبدون "كبدة على البلاد". وأظهرت معظم هذه النخب جهلا فظيعا بالرهانات المطروحة على المغرب والتأخر الذي ينبغي تداركه. وبالمقابل استبدت بها الشراهة لتحويل المنصب والمسؤولية التمثيلية إلى مضخة للتسمين الذاتي أو الحزبي وتوزيع الغنائم، بدل الحرص على تنفيذ المشاريع العمومية الكبرى الموازية والمسطرة.
 
فلنجعل من هذه الردة فرصة لثورة جديدة بين الملك والشعب، لتطهير الحقل السياسي والتكنوقراطي من الفيروسات المضرة بمسيرة المغرب، وإبعاد كل عنصر يعيق الإقلاع الحقيقي للمغرب، عبر إحداث رجة في صفوف النخب الحزبية والسياسية والإدارية والتقنية، لخلق رعشة في البلد، لتدارك مافات في أفق تنفيذ التصور الترابي المذكور، ثم وهذا هو الأهم، إطلاق العداد لإلحاق المغرب بنادي الدول الصاعدة في القريب المنظور.
 
فهذا هو المنطلق لإنجاح الخطة الاستشرافية تحقيقا للعدالة المجالية ببلادنا من جهة، والسماح لمدن المغرب (وعلى رأسها مدينة الدارالبيضاء)، للتموقع في الرادار العالمي من جهة ثانية.
 
فمن العار، والعالم أضحت تؤثر فيه اليوم الجهات والمدن الكبرى، أن لا يكون اسم مدينة مغربية كبيرة حاضرا في البوديوم الدولي.