Sunday 18 May 2025
فن وثقافة

جمعية الشعلة ببوجدور تحتفي بخمسين سنة من العطاء في حفل تربوي فني وتراثي

جمعية الشعلة ببوجدور تحتفي بخمسين سنة من العطاء في حفل تربوي فني وتراثي شكل المخيم مناسبة حقيقية لتمكين الأطفال والشباب من أدوات التعبير عن الذات
في أمسية استثنائية بمدينة بوجدور، حيث تلتقي زرقة المحيط بسخاء الإنسان، صدحت القاعة المتعددة الوسائط بالمركز الثقافي بأهازيج الفرح والاعتزاز، وهي تحتضن الحفل الختامي للمخيم الربيعي الأول، الذي نظمته جمعية الشعلة للتربية والثقافة – فرع بوجدور، بشراكة مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وبتعاون مع مركز الإبداع والتنشيط التربوي ابن خلدون، ومؤسسة دار الأجيال، وجمعية الابتكار والتأهيل المهني.

امتد المخيم من 5 إلى 10 ماي 2025 تحت شعار معبّر: "من أجل جيل مسؤول.. مستقل وحر في تدبير شؤونه"، مستضيفًا 150 طفلاً وشابًا من مختلف أحياء المدينة، في تجربة تربوية حافلة جمعت بين الترفيه والتكوين، وبين ترسيخ القيم وتنمية المهارات، في تزامن دال مع الذكرى الخمسين لتأسيس جمعية الشعلة.

في لحظة مؤثرة ألقى رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة، سعيد العزوزي، كلمة بالمناسبة عبرت عن عمق الإنتماء لهذا الوطن وعن اعتزاز الجمعية بمسارها التربوي والثقافي
موجها تحية خاصة لأهل بوجدور، مدينة الكرم والمقاومة، التي طالما استقبلت الشعلة بصدور رحبة وقلوب مفعمة بالحب والانتماء، مؤكدا أن وجود الجمعية بالأقاليم الجنوبية ليس صدفة، بل هو خيار استراتيجي يعكس إيمانها العميق بوحدة الوطن وتنوعه الثقافي وثرائه البشري.

واعتبر العزوزي أن تجربة جمعية الشعلة في الجنوب المغربي، وخاصة في بوجدور، تمثل واحدة من التجارب الرائدة في العمل التربوي الميداني، حيث نجحت في خلق جسور التواصل الدائم مع الشباب، وغرست القيم النبيلة في نفوس الأطفال واليافعين، من خلال برامج هادفة تحترم الخصوصيات وتحتفي بالاختلاف الخلاق.

في سياق متصل استحضر الرئيس، بنبرة يغمرها الاعتزاز، المسار الطويل الذي قطعته الجمعية منذ تأسيسها سنة 1975، قائلا: "خمسون سنة من العطاء لم تكن مجرد أرقام بقدر ما هي مسار تراكمي كتبه أطر ومناضلون ومربون ومثقفون، آمنوا بأن للثقافة الجادة دورا في بناء الإنسان، وبأن للطفولة والشباب حق في الفرح، في التعلم، وفي الحلم."

وتوقف العزوزي عند رمزية الشعار الذي اختاره المخيم، مؤكدا أن تربية الأجيال الجديدة على الحرية والمسؤولية والاستقلالية لا تنفصل عن المشروع التربوي الذي تبنته الجمعية منذ نشأتها، والذي يجعل من المواطنة الحقة، والالتزام بقضايا الوطن، مرتكزا أساسيا في كل تدخلاتها ومبادراتها.

ونوه رئيس الجمعية بشكل خاص بالمجهودات الكبيرة التي يبذلها فرع بوجدور، مؤكدا أنه واحد من الفروع النشيطة التي تترجم قيم الشعلة على أرض الواقع بفضل التزام أطره وشبابه وانخراطهم الدائم في خدمة المجتمع المحلي موضحا بقوله: "فرع بوجدور بقدر ما هو واجهة للجمعية في الأقاليم الجنوبية، فهو أيضا مرآة تظهر كيف يمكن للعمل التربوي أن يصبح فعلا نضاليا وثقافيا ذا أثر عميق وايجابي في المجتمع."

وقد شكل المخيم مناسبة حقيقية لتمكين الأطفال والشباب من أدوات التعبير عن الذات، واكتشاف قدراتهم واختبار مهارات القيادة والتعاون والعمل الجماعي، وقد تنوعت فقرات البرنامج بين الورشات التكوينية والمسابقات الثقافية والعروض الفنية والأنشطة الرياضية، ناهيك عن الرحلات والزيارات الميدانية، التي شكلت فرصة لاكتشاف ثروات المدينة ومؤسساتها الحيوية.

في زيارة تربوية لمحطة تحلية مياه البحر وقف المشاركون على أهمية المحافظة على الموارد الطبيعية وعلى دور التكنولوجيات الحديثة في خدمة الإنسان، كما انتقلوا إلى فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة حيث تعرفوا على تضحيات أبطال الوطن من أجل الاستقلال والكرامة وهي لحظة ربطت الجيل الجديد بجذوره النضالية وأعادت تأكيد مكانة بوجدور في معركة التحرير والبناء.

أما احتفالية "اليوم الشعبي"، فقد كانت موعدا مع التراث، حيث ارتدى الأطفال أزياءهم المحلية، ورددوا أنماط أهازيجهم الشعبية، وشاركوا في أكلات تقليدية تبرز غنى وتنوع التراث اللا مادي للأقاليم الجنوبية في جو احتفالي أعاد إحياء الثقافة الحسانية وعزز الإحساس بالهوية والانتماء.

إلى جانب ذلك تميز الحفل الختامي بعروض فنية متنوعة، من تقديم الأطفال والشباب المشاركين، جمعت بين المسرح والغناء والاستعراضات التراثية. وقد تفاعل الحضور بحرارة مع الأداء العفوي للمشاركين الذين عبروا بطريقتهم عن شكرهم للأطر والساهرين على تنظيم المخيم.

في سياق متصل تم عرض شريط فيديو يلخص أبرز لحظات المخيم، ويدون لحظات الفرح والتعلم والنجاح، كان محطة وجدانية أعادت الجميع إلى بداية المغامرة، وعمّق الإحساس بأن كل جهد لم يذهب سدى. وفي جو من التأثر والتقدير، تم تكريم الشركاء الرسميين، والمديرية الإقليمية للتربية الوطنية، وكذا الأطر التربوية والتقنية، الذين سهروا على إنجاح هذه التجربة. كما خصصت الجمعية لحظة لتكريم الأطفال المتفوقين والمتميزين في الورشات والمسابقات.

ومن خلال الأصداء والارتسامات التي تم استقاؤها، فقد سجلت الجمعية أن جل الآباء يشيدون بالتجربة الرائدة للمخيم، وبالتحول الإيجابي الذي لمسوه في سلوكيات أبنائهم، خاصة من حيث الجرأة في التعبير، واحترام الآخر، والاعتماد على النفس. وقال أحد الآباء: "نفتخر أن بوجدور أصبحت تحتضن مثل هذه المبادرات التي تصقل شخصية أطفالنا وتفتح أمامهم آفاقا جديدة من خلال التربية على المهارات الحياتية"

لم يكن الحفل مجرد اختتام لتظاهرة تربوية، بل لحظة رمزية جسدت كيف يمكن للجمعيات الجادة أن تترك بصمتها في المسار التنموي المحلي، وتساهم في بناء جيل قادر على رفع التحديات وأن جمعية الشعلة وهي تحتفل بخمسين سنة من العمل لا تنظر إلى الوراء إلا لتستلهم الدروس وتستشرف القادم بثقة مجددة التزامها الدائم بقضايا الطفولة والشباب وبناء مغرب ديمقراطي ثقافي ومواطن ومن بوجدور... تلك المدينة المقاومة، تتجدد الشعلة، وتستمر الرحلة.